بعد أيام على الذكرى السادسة لانطلاق الثورة السورية، احتفل النظام بإنجازه في حي الوعر بحمص. قيل إن عملية التهجير هذه خاتمة العنف وخاتمة الآلام. لكنْ قبل انتهاء الاحتفال، باغتت جبهة «فتح الشام» («النصرة» سابقاً) النظام والعاصمة بهجوم كبير من حي جوبر المجاور. الإسرائيليون شنوا غارة جوية أخرى على أسلحة متطورة قالوا إنها كانت تُنقل إلى «حزب الله» في لبنان. وزير دفاعهم أفيغدور ليبرمان هدد بأن طيرانه سيدمر أنظمة الدفاع الجوية السورية إذا أطلق الجيش السوري صواريخ على طائرات إسرائيلية.
المراقبون يُجمعون على أن «داعش» ينهزم في الموصل. لكنهم يُجمعون أيضاً على أن صورة العراق ما بعد هزيمة «داعش» ستكون ملبدة جداً ومقلقة جداً. وفقاً للزميل حازم الأمين، العائد لتوه من هناك، سيواجه العراق «استحقاقات العلاقة العربية الكردية، والشيعية السنية، والكردية السنية، والكردية الشيعية، ناهيك عن العلاقات البينية داخل كل مركب من هذه المركبات، وجميعها عرضة للانفجار. وحده «داعش» يملك وجهة...».
لا شيء إذاً يوحي أن حروب سورية والعراق ستتوقف قريباً. وأمور ليبيا واليمن ليست أفضل حالاً. المنطقة وضعت قدميها الاثنتين على سكة الحروب الأهلية– الإقليمية المفتوحة والمديدة، وأفضل ما قد ينجم عنها توافقات هشة على مناطق نفوذ تحضن في داخلها كل البذور القابلة للانفجار.
واقع كهذا يعيد الاعتبار إلى الثورات العربية، ولو من زاوية مواربة. لقد كشفت ما تحت الظاهر، أي ما لم تفعله الأنظمة القائمة على امتداد عقود ما بعد الاستقلالات: إنها لم تبنِ دولاً، وإن بنت سلطات أمنية مدججة بالقسوة. لم تنشئ روابط وطنية ومواطنية. لم تفعل شيئاً. وبما أن هذه الأنظمة لم تسقط، انفجر كل البناء المتداعي الذي أسسته. انفجر ما لم تفعله على شكل تناقضات حادة وثأرات وحروب. حتى الذي ينتصر اليوم، كما هو مرشح أن يحدث في الموصل، سيكون انتصاره مقدمة لهزائم، أو أقله لأحقاد سوف تتراكم وتُكبت إلى حينٍ في انتظار أن تعاود الانفجار لاحقاً.
في هذه الغضون، لا توجد في أي من مجتمعاتنا الكتلة القوية القادرة على إرساء أوضاع جديدة خارج العصبيات الأهلية والانحيازات الإقليمية. هذه الكتلة الضعيفة أصلاً زادتها هزيمة الثورات، وانفجار قوى التكفير، وخصوصاً أعمال التهجير واللجوء والتبديد السكاني الواسع، ضعفاً على ضعف.
طبيعة دول الجوار المؤثرة تعزز وجهة الحروب المفتوحة في بلداننا. تعويلها الأحادي على أمنها المباشر من خلال جماعات محاذية جغرافياً، أو مشابهة دينياً وطائفياً، يؤجج التصدعات القائمة عندنا. النظام الإيراني إسلامي مناهض للديموقراطية. التركي يغذ الخطى في مناهضة الديموقراطية. الإسرائيلي يسعى إلى إدخال فيل الديموقراطية في ثقب اليهودية. أنظمة بقيم كهذه لا تصدر إلى جوارها مبادرات خيرة. إنها تفعل العكس.
فوق هذا، بعد انتهاء الحرب الباردة صارت الحروب التي لا تتوقف أقل من الحروب التي تتوقف. العالم متروك لعصبياته الصغرى. السنوات الأميركية الأخيرة، بعزوفها وانعزاليتها، زخمت هذه الوجهة. دونالد ترامب عصارة هذه المسيرة. لقد حقق الأميركيون أمنية مناهضي الإمبريالية فحلت على الأرض جنة التحرر!
حيال نظام إقليمي كهذا، نظامٍ للحروب المفتوحة، لا يبقى سوى انتظار المعجزة، ومنتظرو المعجزات يتزايدون.
*نقلا عن صحيفة الحياة