استضاف مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، يوم الأربعاء الموافق 18 أكتوبر 2023، الدكتور محمد مجاهد الزيات، المستشار الأكاديمي للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في حلقة نقاش للحديث عن تطورات الحرب الجارية في غزة، والتي بدأت في السابع من أكتوبر الجاري عندما أطلقت حركة حماس عملية "طوفان الأقصى"، لترد عليها إسرائيل بعملية "السيوف الحديدية". وهي تطورات عسكرية تكاد تكون غير مسبوقة، وستُرتِّب تداعيات واسعة النطاق في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة.
التخطيط والتوقيت:
يعتقد الدكتور الزيات أن هجوم حماس ربما تم التخطيط له منذ فترة طويلة، وأن مقاتلي الحركة تلقّوا تدريبات طويلة حول التكتيكات التي استخدموها في هذا الهجوم، وتحديداً التخطيط لأخد رهائن إسرائيليين، وكيفية التعامل معهم في قطاع غزة.
وقد اختارت حماس توقيتاً دقيقاً لتنفذ هجومها العسكري، حيث توجد في إسرائيل حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو هي الأكثر يمينية في تاريخها، ووصلت الانقسامات الداخلية في تل أبيب إلى أشدها، في ظل إصرار هذه الحكومة على فرض الإصلاحات القضائية التي تُقوِّض سلطة القضاء الإسرائيلي لصالح السلطة التنفيذية. وهي انقسامات وصلت إلى الجيش الإسرائيلي، حيث امتنع المئات من الضباط والجنود والطيارين عن أداء خدمة الاحتياط؛ اعتراضاً على سياسة نتنياهو.
ونتيجة هذه الأزمة السياسية التي ربما أثرّت في أداء الجيش الإسرائيلي، أو ربما بسبب الثقة التي تولّدت لدى القيادات الإسرائيلية تجاه التحصينات العسكرية حول غزة؛ فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في قراءة المؤشرات الاستباقية لهجوم حماس في 7 أكتوبر الجاري.
آفاق الأزمة:
يرى الدكتور الزيات أنه في خضم الوضع الحالي، لا يبدو أن هناك إنهاءً وشيكاً للعمليات العسكرية في قطاع غزة، حيث يتوقع أن تقوم إسرائيل بضرب البنية التحتية لحركة حماس بشكل غير مسبوق، وذلك حتى يتهرب نتنياهو من مسؤوليته السياسية عن عملية "طوفان الأقصى".
وربما تكون الضربات الجوية الإسرائيلية المكثفة والمستمرة هي بديل "الاجتياح البري"، خاصة في ضوء الانقسام الإسرائيلي بشأن هذا الاجتياح؛ نتيجة جغرافيا غزة التي قد تتحوّل إلى مستنقع للجيش الإسرائيلي، وهو لا يُجيد هذه النوعية من حروب المدن، ولاسيما أن شبكة أنفاق حماس في القطاع ما زالت غير مكشوفة لإسرائيل، وبالتالي هي قادرة على إرباك حسابات الجانب الإسرائيلي.
وقد يكون الاحتمال الأقرب هو قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية "محدودة"، يحتل بموجبها شمال غزة، بعد أن تكون القوات الجوية قد مهّدت ساحة المعركة هناك. ومن ثَمَّ يسعى لخلق مساحة آمنة في الشمال، خالية من أسلحة حماس، وتكون بمثابة منطقة عازلة بين القطاع ومستوطنات غلاف غزة.
ومن ناحيته، لا يبدو أن حزب الله اللبناني يرغب في فتح جبهة حرب شمالية ضد إسرائيل، فمن غير المُرجّح دخوله الحرب بشكل مكثف ما لم تورِّطه إسرائيل بنفسها. فإذا استمرت قواعد الاشتباك بين حزب الله وإسرائيل في حدود ما كان سائداً خلال السنوات السابقة، فلن يكون هناك داعٍ بالنسبة له للتصعيد. ولكن إذا قرّر حزب الله الاشتباك في الحرب الجارية، لأي سبب كان، فمن المؤكد أنه سيتسع نطاقها إلى حافة الخطر.
في ختام حلقة النقاش، أوضح الدكتور الزيات أن سيناريو "البجعة السوداء" في الأزمة الحالية يتمثل في تدخل إيران في الحرب بشكل مباشر، وهو أمر غير مرجّح حدوثه ولكنه يظل محتملاً؛ مما يعني في هذه الحالة تدخلاً عسكرياً أمريكياً مباشراً يُشعِل المنطقة ويدفعها إلى مستويات غير مسبوقة من التصعيد. ولكن المختلف هذه المرة أن تلك الحرب ستؤثر في صيرورة وضع النظام الدولي، فانشغال الولايات المتحدة بالمنطقة قد يمنح روسيا اليد العليا في أوكرانيا، وربما تحسم انتصارها العسكري هناك. لينتقل النظام الدولي إلى مرحلة جديدة، يسودها عدم اليقين. وبالتأكيد فإن المنطقة ستختلف أوضاعها تماماً بعد الحرب الحالية، أياً كانت النتيجة.