عقد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوم 8 سبتمبر 2023، حلقة نقاش حول الاقترابات النظرية لفهم موجة الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا، حيث تحدث فيها الأستاذ الدكتور حمدي عبدالرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبحضور خبراء وباحثي المركز.
اقترابات رئيسية:
أشار الدكتور حمدي عبدالرحمن إلى أن ثمة اقترابات عديدة يمكن من خلالها تفسير الانقلابات العسكرية في إفريقيا، ومنها الآتي:
1- العلاقات المدنية العسكرية: ربما هناك حالة من التأييد الشعبي للانقلابات العسكرية في دول غرب إفريقيا، لكن هذا التأييد يرجع إلى دوافع مختلفة، مثل تغيير الأوضاع الاقتصادية، ومقاومة التدخل الخارجي. كما أن هذه الحالة من التأييد في ظل نمط الشعبوية للعسكريين الجدد تظل مؤقتة، فسرعان ما تعود الدورة من جديد في إطار العلاقات المدنية العسكرية؛ بمعنى وجود سلطة تمارس السياسة بأدوات القوة، فالدولة قوية على المجتمع، لكنها في واقع الأمر ضعيفة من حيث البنية والهيكل، أو هي ما يُمكن أن يُطلق عليه "الدولة القرصان" في الخبرة الإفريقية.
2- بنية الدولة (الدولة المستحيلة): الدولة هي المستحيل في إفريقيا، بحكم عوامل عديدة، فقد شكلت العقلية "الكولونيالية" إرثاً ضاغطاً في مرحلة من المراحل، مقابل "الطوباوية" في فكر نكروما في غانا، والذي تعرض لأول انقلاب عسكري أطاح به. وأصبحت الدولة في إفريقيا أقرب إلى "الهرم المقلوب" من حيث "هيراركية" تكوين الدولة، كما تشهد موجات من الصعود والهبوط في ضوء حالة الهشاشة العميقة، مع تعدد الفاعلين المحليين، والزبانية السياسية، وطبيعة المركبات الأمنية، وغيرها من العوامل والظواهر التي لا حصر لها.
3- التفسير التاريخي: قد يفسر هذا الاقتراب عدداً من الإشكاليات الممتدة في الدولة الإفريقية بشكل عام، والموجات المتعاقبة من الانقلابات العسكرية، حيث لم يتغير قوام الدولة في إفريقيا وملامحها منذ مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار. كما أن حجم التغير في طبيعة الانقلابات العسكرية لا يشكل اختلافاً كبيراً من موجة لأخرى، فربما اختلفت بعض الدوافع ومنها الموقف المناهض للوجود الفرنسي، وكأن هذه الأنظمة كافة تقرأ من كتاب واحد، بل من السهولة بمكان توقع المزيد من الاضطرابات والانقلابات في إفريقيا.
أبعاد الانقلابات:
في ضوء هذه الاقترابات، تطرق النقاش إلى عدد من المؤشرات ذات الصلة بالأبعاد والتداعيات الخاصة بالانقلابات العسكرية في إفريقيا، ومنها ما يلي:
1- صعوبة ردع الانقلابات: لا توجد كوابح داخلية من الناحية الفعلية يمكنها وقف الانقلابات العسكرية. فهناك انقلابات ناجحة وأخرى فاشلة، لكن في ظل طبيعة الدولة والفاعلين، بالإضافة إلى عامل ارتباك النظام الدولي؛ من الصعوبة بمكان إمكانية كبح ظاهرة الانقلابات في إفريقيا.
2- هندسة جيوسياسية جديدة: تتصل مناطق الصراعات من القرن الإفريقي إلى غرب القارة السمراء، وعلى الرغم من تباين طبيعة التطورات من الناحية الشكلية، فإن هناك تأثيرات متبادلة، إضافة إلى تنامي العامل الجيوسياسي بالنظر إلى محدد التدخل الخارجي في ظل التنافس بين القوى الرئيسية في النظام الدولي، حيث تتبلور ظاهرة إعادة الهندسة الجيوسياسية عبر تشكل تحالفات إقليمية ودولية جديدة لديها مصالح مختلفة ربما تعيد إنتاج الحرب الباردة في شكل جديد أيضاً.
3- المهددات الهجينة: هنا يتعلق الأمر بطبيعة المهددات، سواءً من حيث الجمع ما بين التقليدي وغير التقليدي، أم على مستوى تطور الأنماط، مثل ظاهرة تغير المناخ وتداعياتها وتشابكها مع ظواهر أخرى مثل الإرهاب، وتحولات ظاهرة المهددات العابرة للحدود في ظل تنامي الجريمة المنظمة، وعلاقة هذه الظواهر بالانقلابات. فعلى سبيل المثال، أطاح الانقلاب العسكري السابق في بوركينا فاسو، في يناير 2023، بقيادة المقدم بول داميبا، بالرئيس روش كابوري؛ لاتهامه بالإخفاق في مواجهة الإرهاب والجماعات المسلحة. في حين وقع الانقلاب التالي في نفس البلد بعد 8 أشهر تقريباً على يد النقيب إبراهيم تراوري، وأصبح هناك دافع إضافي لمواجهة العنف، وهو العامل السيادي، حيث عمل تراوري على تغيير الاتجاه بعيداً عن فرنسا.