أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

توتر العلاقات:

هل تنجح جزر المالديف في تحقيق الاستقلال الاستراتيجي عن الهند؟

23 يناير، 2024


أعلنت حكومة المالديف، في 7 يناير 2024، عن إيقاف ثلاثة مسؤولين عن العمل والتحقيق معهم، وذلك على خلفية إدلائهم بتعليقات مُسيئة لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وهو ما مثّل أحدث حلقة في سلسلة الخلافات التي شهدتها العلاقات بين الهند وجزر المالديف خلال الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذي ترتب عليه توتر علاقات الجاريْن الواقعيْن في جنوب آسيا، والتي تمر بفترة صعبة منذ انتخاب محمد مويزو رئيساً جديداً للمالديف في أكتوبر 2023، على خلفية تبنيه لشعار "إخراج الهند" من بلاده.

سياقات مُحيطة:

ثمّة مجموعة من السياقات والأجواء التي تُحيط بالتوتر الأخير في العلاقات بين الهند وجزر المالديف، ويمكن توضيح أهمها في الآتي:

1. تحوّل السياسة الخارجية للنظام الجديد: هناك تقليد دائم حافظ عليه رؤساء جزر المالديف السابقون، وهو أن تكون الهند أول محطة رسمية لزياراتهم الخارجية. بيد أن الرئيس المالديفي الجديد، محمد مويزو، الذي تولى منصبه رسمياً في 17 نوفمبر 2023، تخلى عن هذا التقليد، بقيامه بالسفر إلى تركيا في ذات الشهر، كأول زيارة خارجية له بعد توليه السلطة، ثم قام بعدها بزيارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 2023، وتلاها بزيارة الصين في يناير 2024، بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ. وهو الأمر الذي عكس تحولاً واضحاً في السياسة الخارجية للمالديف في أعقاب تولي نظام جديد السلطة فيها.

2. زيارة رئيس المالديف للصين: يُلاحظ أن التوتر الأخير في العلاقات بين الهند وجزر المالديف، جاء بالتزامن مع زيارة الدولة التي قام بها رئيس المالديف، محمد مويزو، إلى بكين، خلال الفترة من 8 إلى 12 يناير 2024. وهي الزيارة التي تم الاتفاق خلالها على تأسيس شراكة تعاونية استراتيجية شاملة بين الصين والمالديف، ما يمهد الطريق أمام بكين لزيادة استثماراتها في جزر المالديف، وبالتالي تعميق علاقاتها مع ماليه.

وقد تبنى مويزو خلال حملته للانتخابات الرئاسية، التي أوصلته إلى سدة الحكم، شعارات تدعو إلى تعزيز التعاون مع الصين، على حساب العلاقات مع الهند، وهو توجه أغضب الأخيرة، في ظل التنافس الدائر بين بكين ونيودلهي على النفوذ في الدولة الواقعة في المحيط الهندي.

دوافع مُتعددة:

برزت خلال الفترة الأخيرة العديد من الأحداث التي ترتب عليها تصاعد التوترات في العلاقات الثنائية بين الهند وجزر المالديف، ويمكن توضيح أهمها في الآتي:

1. التصريحات المُسيئة ضد رئيس الوزراء الهندي: قام عدد من المسؤولين في حكومة المالديف بإصدار تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرت مُهينة لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وهو ما أثار خلافاً دبلوماسياً بين الهند وجزر المالديف، حاولت الحكومة المالديفية التخفيف من حدّته عبر وصف التصريحات بأنها آراء شخصية، ولا تعبر عن موقفها الرسمي. وقد جاءت هذه التصريحات على خلفية قيام مودي، في 4 يناير 2024، بزيارة إلى جزيرة لاكشادويب الهندية، ونشره صوراً يقوم فيها بالتجول والغطس في مياه الجزيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، داعياً السياح إلى زيارة الجزيرة، وهو ما فُسّر من جانب البعض في جزر المالديف على أنه دعوة ضمنية للسياح الهنود للامتناع عن الذهاب إلى المالديف.

2. الدعوة لمُقاطعة السياحة في جزر المالديف: رداً على التصريحات المسيئة من جانب بعض مسؤولي حكومة المالديف ضد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لجأ العديد من الهنود إلى منصات التواصل الاجتماعي للحث على مقاطعة الدولة الجزيرة. وهو ما دفع رئيس جزر المالديف، محمد مويزو، في 14 يناير 2024، إلى التصريح بأن صغر حجم بلاده لا يمنح أحداً رخصة التنمر عليها، وهو التصريح الذي تضمن نبرة تحدٍّ واضحة تجاه الهند، الجارة العملاقة لدولة الأرخبيل.

3. وصول حكومة جديدة إلى السلطة في المالديف: أدى صعود محمد مويزو إلى سدة الحكم في جزر المالديف، إلى توتر العلاقات بين نيودلهي وماليه، وذلك على خلفية تعهده بإنهاء سياسة "الهند أولاً" التي تبنتها الحكومة السابقة، كما وصف في حملته الانتخابية النفوذ الكبير لنيودلهي في بلاده بأنه تهديد للسيادة وتعهد بإخراج القوات الهندية.

ومن هنا، فإن بدء الحكومة الجديدة في جزر المالديف في تنفيذ بعض وعود وتعهدات الرئيس محمد مويزو، المُناوئة للهند، يدفع باتجاه توتر العلاقات بين البلدين.

4. رغبة المالديف في قطع العلاقات الدفاعية مع الهند: أبدى الرئيس مويزو، في أول خطاب له بعد أدائه اليمين، إصراره على انسحاب الجنود الهنود من جزر المالديف، إذ تعهد بحماية سيادة واستقلال بلاده. وذلك في مؤشر واضح على إنهاء سياسة "الهند أولاً" التي تبناها سلفه إبراهيم صليح، وتبني سياسة "الهند إلى الخارج". وكرر الرئيس الجديد هذا الأمر خلال لقائه مع رئيس الوزراء الهندي، مودي، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب28" بالإمارات في ديسمبر 2023. ومن الواضح أن ثمة توجهاً لدى المالديف بعدم استمرار العلاقات الدفاعية مع الهند، وهو ما تجلى – بجانب ما سبق– في غياب ممثل حكومة المالديف عن حضور الجولة الأخيرة من اجتماع كولومبو الأمني الذي عُقد في موريشيوس في ديسمبر 2023. ومن الجدير بالذكر أنه تم إنشاء مجموعة الأمن البحري في عام 2011، لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة المحيط الهندي، وتضم سريلانكا وموريشيوس كأعضاء، إلى جانب الهند والمالديف.

وقد طلبت جزر المالديف رسمياً، في 14 يناير 2024، من الهند سحب قواتها بحلول 15 مارس 2024، وذلك خلال الاجتماع الأول لمجموعة أساسية رفيعة المستوى بين الجانبين في العاصمة المالديفية ماليه. واللافت أن هذا الطلب جاء بعد أن قال الرئيس محمد مويزو إن الصين تحترم بشدة "سلامة أراضيها". وهي خطوة من شانها أن تزيد من توتر العلاقات بين الجارتين في جنوب آسيا.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك نحو 80 جندياً هندياً يوجدون في جزر المالديف، تتمثل وظيفتهم في تقديم الدعم للمعدات العسكرية التي قدمتها نيودلهي لجزر المالديف، والمساعدة في الأنشطة الإنسانية في المنطقة.

5. إلغاء اتفاقية المسوحات الهيدرولوجية: قررت حكومة المالديف في ديسمبر 2023، عدم تجديد مذكرة التفاهم التي وقعتها مع الهند في عام 2019، لإجراء مسوحات هيدرولوجية في مياه جزر المالديف. وكانت هذه المسوحات تهدف إلى تحسين الملاحة والاقتصاد الأزرق، ودعم التزام البلدين بالحفاظ على التعاون الوثيق في مجال الدفاع والأمن البحري. وقد أدت هذه الاتفاقية دوراً مهماً في تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين، إذ قامت قوات الدفاع الوطني في جزر المالديف والبحرية الهندية بإجراء ثلاث عمليات مسح مشتركة في أعوام 2021 و2022 و2023. ويرى البعض أن رفض إدارة مويزو تجديد الاتفاقية لا يرتبط بموقفه بشأن السيادة بقدر ما يرتبط بعلاقته الخاصة مع الصين، وأنه يهدف إلى مساعدة المسوحات البحرية التي تجريها الصين في البحار المحيطة.

تداعيات مُتباينة:

يمكن القول إن التوتر الأخير الذي شاب العلاقات بين الهند وجزر المالديف، سيترتب عليه العديد من التداعيات، سواءً بالنسبة للوضع الداخلي في المالديف، أم بالنسبة لعلاقاتها مع كل من الهند والصين، واللتان تتنافسان على النفوذ في هذه الدولة الواقعة في المحيط الهندي، ويتضح ذلك في العناصر الآتية:

1. التأثير في الوضع الاقتصادي في المالديف: تعتمد جزر المالديف على الهند بدرجة كبيرة في تلبية معظم احتياجاتها الأساسية، وتُعد الهند من بين أكبر الشركاء التجاريين لجزر المالديف، وكانت ثاني أكبر شريك تجاري للمالديف في عام 2022. ويرتبط الاقتصاد في جزر المالديف بدرجة قوية بالهند، ولاسيما السياحة القادمة من نيودلهي، والتي تمثل نسبة كبيرة، إلى جانب السياحة الروسية. 

ففي عام 2022، بلغت نسبة السياح القادمين من الهند إلى جزر المالديف 11%. وقد أدت التصريحات المسيئة ضد رئيس الوزراء الهندي، إلى تنامي الدعوات الهندية إلى مقاطعة السياحة في جزر المالديف، إذ بدأ السياح الهنود في إلغاء زياراتهم إلى شواطئ هذا البلد، وتوقفت شركات السياحة الهندية عن الترويج لجزر المالديف في برامجها الخارجية، كما علقت منصة (Ease My Trip) إحدى أكبر منصات السفر في الهند حجوزات الطيران إلى جزر المالديف.

ومن المتوقع أن تؤدي هذا التطورات إلى انخفاض أعداد السياح القادمين من الهند إلى جزر المالديف، وبالتالي انخفاض دخلها من السياحة، والتي تُعد أحد المصادر الرئيسية للدخل القومي لهذا البلد.

2. فك الارتباط مع الهند: يتجلى أحد التداعيات المهمة التي يمكن أن يؤدي إليها التوتر الأخير في العلاقات بين الهند وجزر المالديف، في احتمال فك الارتباط بين البلدين، باتجاه ماليه إلى إبقاء علاقاتها مع نيودلهي في حدها الأدنى، دون اللجوء إلى قطعها، لما سيترتب على خيار قطع العلاقات من تداعيات، قد تفوق قدرة المالديف على تحمل تبعاتها.

ومما يدعم هذا الاحتمال، إعلان الرئيس محمد مويزو عن مجموعة من الخطط، التي من شأن تنفيذها عملياً تمكين بلاده من إنهاء، أو على الأقل الحد من اعتمادها الكبير على الهند. فقد أفصح مويزو عن اعتزامه توسيع نطاق الرعاية الصحية الشاملة التي تقدمها الحكومة لمواطني جزر المالديف، من خلال المستشفيات في الهند وسريلانكا، لتشمل تايلاند والإمارات العربية المتحدة. ومن المعلوم أن معظم سكان جزر المالديف يذهبون إلى الهند للحصول على الرعاية الطبية والعلاج في مستشفياتها. كما أعلن أيضاً عن توصل بلاده إلى اتفاق مع تركيا لاستيراد المواد الغذائية، فضلاً عن اعتزامها استيراد الأدوية مباشرة من الشركات المصنعة في أوروبا والولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن هناك اعتقاداً لدى الكثيرين في المالديف بأن خطط مويزو لتقليل الاعتماد على الهند في استيراد الغذاء أو الأدوية ليست عملية، باعتبار أن تكلفة شحن المواد الغذائية من تركيا ستكون أعلى من تكلفة استيرادها من الهند. 

3. تنامي العلاقات بين المالديف والصين: انطلاقاً من التنافس القوي بين الهند والصين على النفوذ في جزر المالديف، فإن التوتر الأخير في العلاقات بين الهند وجزر المالديف، ربما يُسفر عن اتجاه العلاقات بين المالديف والصين، نحو مزيد من القوة والمتانة في الفترة المقبلة، ذلك أن التوتر في علاقات نيودلهي وماليه يصب في مصلحة بكين، المنافس الرئيسي للهند على النفوذ في جزر المالديف.

وهناك شواهد عديدة تعضد هذا التوجه، يتجسد أحدثها في الزيارة التي قام بها رئيس المالديف إلى الصين خلال الفترة من 8 إلى 12 يناير 2024، والتي تمخضت عن العديد من النتائج الإيجابية التي تشير إلى أن هذه العلاقات ستتجه إلى مزيد من التفعيل في الفترة المقبلة.

4. احتمال التأثير في مكانة الهند: جاءت التوترات الأخيرة في علاقات الهند مع جزر المالديف، في ظل بروز دور الهند كقوة اقتصادية وعسكرية على الصعيد الدولي. ومع ذلك، فقد اتسم رد فعل نيودلهي تجاه الخلافات الدبلوماسية الأخيرة مع ماليه بالهدوء والاتزان.

إذ تبنت الهند موقفاً هادئاً تجاه مسألة طلب مغادرة جنودها جزر المالديف، إذ أشار بيان وزارة الخارجية الهندية إلى أنه تمت مناقشة مجموعة واسعة من القضايا المرتبطة بالتعاون الثنائي بين البلدين، ومنها إيجاد حلول قابلة للتطبيق بشكل متبادل لتمكين استمرار تشغيل منصات الطيران الهندية التي تقدم خدمات إنسانية وخدمات طبية لشعب المالديف. ولم يتضمن البيان أي إشارة إلى أي جدول زمني لانسحاب الجنود الهنود من المالديف. وهو ما يشير إلى ميل الهند نحو عدم تصعيد خلافاتها الدبلوماسية مع جزر المالديف وتفضيلها تسوية هذه الخلافات عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية، وذلك في ظل الأهمية الخاصة التي تمثلها جزر المالديف للهند، سواءً بالنسبة لتأمين المحيط البحري للهند، أم مراقبة المحيط الهندي، علاوة على مراقبة نفوذ الصين في جوارها.

5. مُعضلة تحقيق الاستقلال الاستراتيجي: تواجه جزر المالديف تحت رئاسة محمد مويزو إشكالية حقيقية بشأن مدى استقلال سياستها الخارجية، وعدم خضوعها لتأثير أو نفوذ أي من القوى الإقليمية الكبرى في محيطها الآسيوي، وتحديداً العملاقين الكبيرين الصين والهند. وتبدو هذه الإشكالية بأوضح صورها في ظل التباين والتناقض الشديد في توجهات حكومة مويزو الخارجية، ففي الوقت الذي تبدو فيه هذه الحكومة أقرب في توجهاتها إلى الصين، فإنها تحاول الابتعاد والنأي بنفسها بشدة عن الهند. وهنا تتجلى المعضلة الحقيقية التي يتعين على مويزو إيجاد حل لها، تجنباً لاتهامه من جانب الهند والمعارضة في بلاده، بالخضوع لتأثير ونفوذ الصين. وذلك من خلال تأكيد أن بلاده ليست في الفناء الخلفي لأي دولة أخرى، وذلك في إشارة واضحة إلى النفوذ الهندي المتزايد في جزر المالديف.

وفي التقدير، يُمكن القول إن بدء حكومة الرئيس محمد مويزو، الذي جاء إلى سدّة الحكم في نوفمبر 2023، في تنفيذ الوعود والتعهدات التي قطعها أمام الناخبين بشأن طبيعة ومُستقبل علاقات بلاده مع الهند، أدى إلى حدوث توترات في العلاقات بين الهند وجزر المالديف، وهو ما سيترتب عليه العديد من الانعكاسات، سواءً بالنسبة لتأثر اقتصاد بلاده نتيجة اعتمادها الشديد على الهند في تلبية احتياجاتها الأساسية، والتكلفة العالية لبدائل فك الارتباط مع الهند، أم بالنسبة لمستقبل علاقات جزر المالديف مع الهند، وتالياً مع الصين، وهما الدولتان اللتان تتنافسان على النفوذ في هذه الدولة الجزرية، وذلك بالابتعاد جزئياً عن الأولى، والتقارب الشديد مع الثانية. الأمر الذي سيجعل النظام الحاكم في جزر المالديف يواجه إشكالية حقيقية، تتجلى في كيفية الموازنة في علاقاته الخارجية بين نيودلهي وبكين، تجنباً للوقوع في فخ فقدان الاستقلال الاستراتيجي، وهو ما يحاول محمد مويزو تأكيده بشتى السُبل بتأكيده أن بلاده لا تنحاز إلى الهند أو الصين، وأن انحيازها الأساسي هو لمواطني المالديف.