أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

معضلة التوازن:

أبعاد وملفات الحوار الاستراتيجي العراقي – الأمريكي

11 يونيو، 2020


انطلق الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي، في 11 يونيو الجاري، بعد أيام على استكمال حكومة مطصفى الكاظمي. وعلى الرغم من أن واشنطن وبغداد هما طرفا الحوار، إلا أنه يأتي بعد عام تقريباً على التواترات الأمريكية – الإيرانية التي كانت العراق إحدى ساحاتها الرئيسية في الإقليم، والتي وصلت ذروتها مع عملية اغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني في 3 يناير الماضي، وما تبعها من تداعيات على تلك العلاقات متعددة الأطراف، لعل أبرزها طلب البرلمان العراقي إنهاء الوجود الأمريكي في البلاد، وهو الاتجاه الذي تدعمه طهران عبر أدوات الضغط العديدة في العراق، والتى حاولت لفت الانتباه إلى دورها ومطالبها من الحوار برسالة استبقت الحوار بيوم واحد مع إطلاق صاروخ على المنطقة الخضراء ببغداد بالقرب من السفارة الأمريكية.  

دلالات رئيسية:

مع أن جدول أعمال الحوار يشمل العديد من القضايا الاستراتيجية المشتركة بين بغداد وواشنطن، إلا أن الملف الأمني يتصدره، لاسيما ما يتعلق بمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق، بشكل يطرح العديد من الدلالات التي يتمثل أبرزها في:

1- حوار أم تفاوض: ثمة تباينات بين وجهات نظر القوى السياسية والحكومة الجديدة تجاه الحوار. فالقوى السياسية ترى أنه يمثل جولة تفاوض حصرية خاصة بالترتيبات الأمنية لإخراج القوات الأمريكية من البلاد بناءً على قرار البرلمان العراقي الذي طالب رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي بإجراء حوار مع الولايات المتحدة بهدف جدولة الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، وهو ما دعمته تلك القوى، خاصة المقربة من طهران، من خلال بيانات متتالية عشية إطلاق الحوار، في حين أن جدول الأعمال المعلن سيتناول قضايا أخرى تتعلق بالمصالح المشتركة على الجانبين، منها ملفات الطاقة والصحة والتكنولوجيا. 

وفي هذا السياق، أوضح وزير الخارجية العراقي السابق محمد الحكيم، فى تصريحات له متزامنة مع الإعداد للحوار، أن "النظرة لأن هناك عملية تفاوض غير دقيقة وإنما هناك حوار متعدد الملفات بالنظر لطبيعة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ومصالحهما المشتركة". وإن كان مراقبون محليون يرون أنه حتى الملفات غير الأمنية تشتبك فيها إيران سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فعلى سبيل المثال، يعد ملف الكهرباء أحد الملفات المشتركة بين الأطراف الثلاثة، وأحد الملفات المستثناة من العقوبات الأمريكية. أما ملف الصحة، فيتصدره حالياً وضع البلاد في ظل انتشار فيروس "كورونا"، الأمر الذي يمكن أن تقدم فيه الولايات المتحدة مساعدات حيوية وعاجلة للعراق.

2- إشكالية السيادة: وهى أيضاً محل تباين في وجهات نظر مختلف الأطراف من الحوار. إذ أن القوى الشيعية التي تضغط لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق تتعامل معه باعتباره تهديداً لسيادة البلاد، انطلاقاً من الموقف الأمريكي ضد إيران، بينما تعكس مؤشرات الخطاب السياسي والأداء العملي لرئيس الحكومة منظوراً مختلفاً لفكرة السيادة بشكل عام، وهى أقرب لفكرة تحييد العراق من تدخلات الطرفين الإيراني والأمريكي. وفي هذا السياق، أبدى الكاظمي انفتاحاً على دول الجوار، وأجرى اتصالات مع معظم العواصم العربية.

وما يلفت النظر في هذا الصدد، هو أن الحوار الاستراتيجي العراقي – الأمريكي لا يشكل مساراً طارئاً في العلاقات بينهما، فهناك اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الصادرة عن الطرفين عام 2008، والتي تتضمن 11 قسماً تناولت كافة المجالات والمصالح بينهما، والتي تكشف عن أنه لا توجد فروق جوهرية فى القضايا الرئيسية التى يجرى حولها الحوار الدائر حالياً، فالأقسام  الثلاثة الأولى من الاتفاقية (مبادىء التعاون – التعاون السياسي والدبلوماسي- التعاون الدفاعي والأمني) تغطى كافة المتطلبات التي يتناولها الساسة العراقيون وفي المقدمة منها فكرة السيادة. وبالتالي، فإن الحوار الحالي هو امتداد لحوار سابق يتعاطى مع مسار التطورات فقط التي شهدتها العلاقات بين أطرافه.

3- اختبار الكاظمي: بالنظر إلى موقفه من فكرة السيادة، حرص رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على تأكيد أنها تعني الحياد الإيجابي، بالنظر إلى أن للعراق علاقاتها الاستراتيجية مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، وأنها تضع السياسات الخاصة بها في هذا الإطار، وأظهر ذلك في عدد من المؤشرات منها فرض تأشيرات دخول على كل من يدخل العراق، بما فيهم الوفود الإيرانية، وبالفعل حصل الوفد الإيراني الذي ترأسه قائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني على تأشيرات دخول للبلاد للمرة الأولى، وهى الزيارة الثانية من نوعها، لكنه لم يحصل على تأشيرات في زيارته الأولى، قبل تولى حكومة الكاظمي. كما أن موقف الأخير من ميليشيا "الحشد الشعبي" التي تشهد تغييرات هيكلية لتكييف وضعها كمؤسسة أمنية كان واضحاً في هذا الصدد، حيث أبدى حرصه على التمسك بوحدة "الحشد" وتبعيتها له باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن المحتمل أن تشمل تلك التغييرات الهيكلية تغيير عبد العزيز المحمداوي "أبو فدك"، الأكثر قرباً من طهران، والذي عين خلفاً لأبو مهدي المنهدس الذي اغتيل مع سليماني.

لكن ذلك لا ينفي أن الكاظمي سيواجه الاختبار الأول في الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وستتوقف نتائجه على ما سيسفر عنه الحوار، وما إذا كان الأول سيصل إلى نقطة توازن تحقق الاتجاه الذي يهدف إليه أم أنه لن يتمكن من ذلك وبالتالي سيعود إلى مواجهة معضلة العلاقات بين واشنطن وطهران، لاسيما وأن وجهات النظر تتباين أيضاً في تناول هذه الزاوية، حيث أن ثمة اتجاهات تتعامل مع الحوار على أنه حوار أمريكي – إيراني غير مباشر عبر الحكومة العراقية التي تمارس دور الوكيل، في مقابل اتجاهات أخرى ترى العكس وتعتبر أن الولايات المتحدة تتجه إلى تهدئة التوتر في العراق، وأن هناك توجهاً أمريكياً لتأييد وتعزيز وضع رئيس الوزراء الجديد.  

ملفات عديدة: 

يرى أحد الاتجاهات أن الملف الأمني ينحصر في الوجود العسكري الأمريكي في العراق دون الرؤية الأشمل، خاصة الدور الأمريكي في عمليات التدريب. وهناك ترجيحات بأن يشهد هذا الملف تغيرات في الحوار الاستراتيجي بالنظر لما يتضمنه من قضايا عديدة، وهو ما يمكن تناوله في النقاط التالية: 

1- "الحشد الشعبي": تعترض الولايات المتحدة على الدور الذي تمارسه ميليشيا "الحشد الشعبي" باعتبارها القوة الأمنية الرئيسية التي تعمل كواجهة لتيارات سياسية موالية لإيران. لكن يعتقد أنه تم تجاوز أزمة مصير "الحشد" والقبول بها كمؤسسة أمنية. وفي هذا السياق، أرسلت الميليشيا، عشية إطلاق الحوار، مذكرة لـ"إصلاح الحشد"، تضمنت إجراءات هيكلية عديدة، منها الموقف من التبعية السياسية للكتل التي تتشكل منها، وعملية إدماج القوى العشائرية – المستقلة – وإطلاق أرقام وليس أسماء على ألوية "الحشد"، وكذلك معالجة إشكالية المشروعات الاقتصادية. 

ولكن ثمة تقديرات أمريكية لمؤسسة مقربة من الإدارة الأمريكية تتعامل مع مبادرات "الإصلاح" على أنها شكلية وليست جدية، وأوصت بمواصلة فرض العقوبات على بعض الكتل المنضوية تحت مظلة "الحشد"، في حين نصحت تقديرات أخرى بأن تركز الولايات المتحدة على الجيش العراقي والأجهزة الأمنية والعمل على إعادة الاعتبار لها بحيث تثبت أنها القوة الرئيسية الأمنية في البلاد، وذلك انطلاقاً من أنه لا يمكن تفكيك "الحشد"، باعتبار أن التفكيك قد يفرض، وفقاً لذلك، مخاطر أكثر صعوبة من تحمل تبعة استمرار الميليشيا.

2- الحرب ضد الإرهاب: وتعد أحد الملفات الرئيسية في الحوار بين الطرفين، في ظل الحديث المتنامي عن تجدد ظهور "داعش" على الساحة العراقية، وما يثيره ذلك من إشكاليات تتعلق بعمليات المكافحة والجهات المسئولة عنها والتنسيق فيما بينها، حيث سيتطرق الحوار إلى دور التحالف الدولي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" في الحرب ضد الإرهاب، في مقابل المطالب الخاصة بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق. وفي هذا الإطار، توقع قائد القيادة الأمريكية الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي أن تطلب العراق بقاء قوات أمريكية للحرب على الإرهاب. 

3- دعم الجيش العراقي: هناك العديد من برامج التدريب المختلفة القائمة بين واشنطن وبغداد، يشير بعض المحللين العراقيين إلى أن هناك صعوبات في إنهاءها خلال المرحلة الحالية أو في المستقبل، وهو تحدٍ آخر، إذ أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران استهدفت قواعد عسكرية مشتركة مخصصة لتدريب القوات العراقية، بما يعني أنها لا تفرق بين أهداف وطبيعة الوجود العسكري الأمريكي في العراق، في حين يقاوم الجيش العراقي هذه الجزئية نظراً لتمسكه ببرامج التدريب الأمريكي. 

4- التسليح: يرتبط التسليح العراقي باتجاهات العلاقات العسكرية الأمريكية – العراقية، ولا يعتقد أن العراق بصدد التخلي عن التسليح الأمريكي، ويرتبط برنامج التسليح بالعديد من الملفات التي يثيرها الحوار، سواء التسليح الخاص بعمليات مكافحة الإرهاب، أو التسليح الخاص ببرامج التدريب. 

قضايا غير أمنية:

يمثل وجود ملفات غير أمنية في الحوار دلالة على أن هناك روابط استراتيجية بين واشنطن وبغداد تشكل مصالح حيوية تتجاوز الملف الأمني، منها الملفات الثقافية والاقتصادية والخدمية الأخرى كالصحة والتعليم، فضلاً عن الملفات السياسية، ويمكن توضيح ذلك في الآتي: 

1- المصالح الاقتصادية: وتتمثل في عدد من الملفات المشتركة بالنظر إلى كون الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً للعراق على المستوى الاقتصادي، حيث تعتبر الشريك التجاري الرئيسي بما يزيد عن 20 مليار دولار تقريباً، مقابل إيران التي تعد الشريك الإقليمي الرئيسي بما يتجاوز 10 مليار دولار. وفي حين تفرض الولايات المتحدة على إيران عقوبات تطال علاقاتها مع العراق، ينظر خبراء عراقيون إلى أن الأخيرة فى واقع الأمر هى من يتعرض للعقوبات لاسيما في قطاع الكهرباء. وبينما تتحكم في العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وبغداد أطر رسمية، فإنه لا ينظر إلى ذلك بشكل قوي فى حالة العلاقات مع إيران التي لا تنتهج الضوابط نفسها. 

2- مكافحة "كورونا": ساهم عامل التوقيت في زيادة أهمية الملف الصحي في الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، بالنظر إلى انتشار جائحة "كورونا" في العراق. إذ تسلم الحكومة العراقية بحاجتها إلى دعم واشنطن في ظل انتشار الوباء في البلاد، وأن الولايات المتحدة شريك يمكن الاستفادة منه في هذا الجانب. 

3- التعليم والثقافة: وهى ملفات رمزية أكثر من كونها أطر موضوعية، لكن إدراجها في السياق الحالي كأحد الملفات في الحوار يمثل دلالة على اتساع مساحة العلاقات في هذا البعد بين الجانبين، في الوقت الذي ينظر في المقابل إلى أن إيران نجحت في التغلغل داخل العراق عبر هذا الملف، ولا يرجح أن هذا السياق كان مثاراً للجدل في العلاقات بين واشنطن وبغداد، بقدر ما كان مثيراً لتساؤلات حول طبيعة العلاقات مع المحيط العربي بالأساس.

خلاصة القول، نجحت كل من بغداد وواشنطن في إعادة إطلاق الحوار الاستراتيجي في ظل التحديات التي يواجهها الطرفان، لاسيما أن قوى سياسية عراقية عديدة كانت تسعى إلى إنهاء العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، بما يعني أن حكومة الكاظمي باتخاذها خطوات عديدة لإطلاق هذا الحوار سعت إلى إثبات قدرتها على صنع القرار. كذلك، فإن ما سينتج عن هذا الحوار سيعبر عن مدى قوة العلاقات بين الطرفين اللذين لطالما وصفا أنفهسما بالحليفين، لكن المعضلة الأساسية التي تشكلها العلاقات مع إيران تمثل جوهر المحاور التي يضعها المتحاورون على الطاولة. ومع أنه لا يعتقد أن العراق لديها القدرة على التخلي عن أى منهما، إلا أنه يتعين عليها أن تصل إلى نقطة التوازن المشتركة فيما بينهما.