نظم مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، لقاءً عاماً بعنوان: "السياسة الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط"، استضاف خلاله اللواء/ أسامة الجريدلي، الخبير الأمني، وبحضور باحثي المركز، للحديث عن قضايا رئيسية تتعلق بالتهديدات الأمنية في الإقليم من المنظور الإسرائيلي، وتطورات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وكذلك التغيرات الداخلية الطارئة على المجتمع الإسرائيلي.
أولاً: تهديدات أمنية لإسرائيل
أشار اللواء "الجريدلي" إلى أنه من الضروري الفهم الجيد للشخصية والعقلية الإسرائيلية لفهم منظورها في تقدير التهديدات، وذلك لأن إسرائيل لها خصائص ومحددات مختلفة في الحكم على الأمور وتقدير التهديدات، فهي دولة لا تفرق بين ما كونه تهديداً أو خطراً، وتتعامل مع الاثنين بالدرجة نفسها من الاهتمام ورد الفعل.
وأضاف اللواء "الجريدلي" أن ما حدث في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، جعل إسرائيل تشعر بأنها قوية للغاية، وأن طبيعة التهديدات التقليدية التي كانت تواجهها أو تؤثر على كيانها ومصالحها الحيوية قبل عام 2011، قد اختلفت بصورة كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالحروب العسكرية. وبالتالي أصبحت إسرائيل حريصة جداً بشأن الدخول في أي مواجهة عسكرية واسعة، وذلك بسبب تراجع حدة التهديدات التقليدية بالنسبة لها.
وثمة تهديدات رئيسية تواجه إسرائيل في الإقليم على المدى القصير والمتوسط والطويل، وهي كما أشار اللواء "الجريدلي" كالتالي:
1- على المدى القصير: يتمثل التهديد في حركة "حماس"، وهناك اتجاه يرى أنه ليس من مصلحة "حماس" توجيه ضربة لإسرائيل، لأنه إذا حدثت عملية عسكرية من "حماس"، قد توجه إسرائيل ضربة قاسية للجناح العسكري لها في مواجهة ليست واسعة النطاق.
2- على المدى المتوسط: يتمثل التهديد في "حزب الله" اللبناني، وهي قد تكون مواجهة واسعة النطاق بالنسبة لإسرائيل. فهناك فرق بين حركة "حماس" و"حزب الله"، حيث إن القدرات العسكرية لـ "حزب الله" أكبر، كما أن الإمكانيات الاقتصادية الإسرائيلية الجديدة في منطقة شرق البحر المتوسط كلها تقع تحت نطاق "حزب الله"، مثل حقل "ليفاتان" الضخم جداً بما يحتويه من غاز طبيعي. لذلك بدأت إسرائيل في تكوين شبه أسطول بقطع بحرية محددة لحماية هذا الحقل، خشية توجيه ضربات له من قِبل "حزب الله" اللبناني في أي مواجهة عسكرية محتملة بينهما في المستقبل.
3- على المدى الطويل: يتعلق التهديد بإيران، خاصة إذا اخترقت الحد المسموح به فيما يتعلق بامتلاك سلاح نووي، لأن ذلك سيتبعه تغير في استراتيجية إسرائيل للتعايش في منطقة بها سلاح نووي. كما أن ثمة أطرافاً أخرى عربية سوف تسعى لامتلك سلاح نووي إذا طورت طهران قدرتها النووية. ولذلك ترغب إسرائيل في مد الفترة الزمنية للقيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، وتقويض هذا البرنامج.
ومن ناحية أخرى، هناك أيضاً الخطر المتعلق بالبرنامج الصاروخي الإيراني الذي يعد رادعاً للجانب الإسرائيلي من القيام بأي عمل ضد طهران، خاصة في ظل وجود بعض الآراء التي تشير إلى إمكانية استهداف المفاعلات النووية الإسرائيلية من قِبل الصواريخ الإيرانية. وفي هذا الصدد، تتمنى إسرائيل زيادة المخاطر المشتركة مع الدول العربية، لكي تُقنع هذه الدول بالتنسيق معاً لمواجهة التهديدات الإيرانية مثلاً.
كما أشار اللواء "الجريدلي" إلى أن هناك متغيراً رئيسياً قد حدث على الساحة السورية، وهو الوجود الروسي وكذلك الإيراني من خلال الحرس الثوري داخل الأراضي السورية، وهو ما يشكل عنصر دعم للنظام السوري. ولذلك لا تريد إسرائيل الدخول في مواجهات عسكرية على الجانب السوري، باستثناء الحصول على مميزات مثل حرية التحرك في المجال الجوي السوري، وضمان عدم انتقال أي سلاح من سوريا إلى "حزب الله" في لبنان.
وتدرك إسرائيل جيداً حالة الاحتقان والتوتر المتصاعد بين القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، في المنطقة، وتضع تل أبيب استراتيجيتها التي لا تريد فيها أن تخسر أياً من القوتين، حيث تتبع منهج "الحياد" في التعامل معهما، وهو مختلف عما كان يحدث قبل ذلك من حيث ميل إسرائيل ناحية الجانب الأمريكي.
أما فيما يتعلق بالإرهاب باعتباره أحد التهديدات المطروحة أمام إسرائيل، فأكد اللواء "الجريدلي" أن إسرائيل لم يتم استهدافها من قِبل أي من التنظيمات الإرهابية في المنطقة مثل "داعش"، ويرجع ذلك إلى فكر "داعش" الذي يرى أن إسرائيل ليست عدواً، وأنه يكافح "العدو القريب"، و"إسرائيل عدو بعيد" من وجهة نظر التنظيم، بل عندما نفذ "داعش" عملية ضد إسرائيل في الجولان، اعتذر في اليوم التالي مباشرة، وهو ما أكده وزير الدفاع الإسرائيلي السابق "موشيه يعالون"، في أبريل 2017، حيث قال إن "تنظيم "داعش أطلق النار مرة واحدة بالخطأ فقط باتجاه الجولان ثم اعتذر عن ذلك على الفور".
وعندما كانت توجد تمركزات لـ "داعش" في جنوب شرق الجولان، فإنها حظيت بدعم إسرائيل، وذلك لأن "داعش" جعل "حزب الله" ينزلق في القتال ضده، وهو ما يصب في مصلحة الجانب الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه تضع تل أبيب عدة محددات لـ "داعش"، منها عدم دخول الأردن أو الاقتراب من الضفة الغربية.
ثانياً: جمود القضية الفلسطينية
أوضح اللواء "الجريدلي" أن التسوية السياسية للقضية الفلسطينية باتت شديدة التعقيد، وذلك بسبب كثرة الملفات الجديدة التي أقحمتها إسرائيل، ومنها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واتساع نطاق بناء المستوطنات، ووضع قادة حركة "حماس" في قائمة الإرهاب. فكل هذه الأمور وغيرها، جعلت التسوية النهائية للملف الفلسطيني مرتبطة بالحل الشامل لأزمات أخرى في المنطقة، بما يعني الحل مع الجانب السوري والأطراف الأخرى. وبذلك أصبحت قضايا التسوية بمنزلة "سلة من العقد"، فإما حل القضايا كافة مرة واحدة أو عدم حل أي منها، وبالتالي تفريغ تسوية الملف الفلسطيني من مضمونه الحقيقي.
وفي السياق ذاته، أشار اللواء "الجريدلي" إلى توتر علاقات إسرائيل مع دول أوروبا، لأسباب تتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تعترف العديد من الدول الأوروبية بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن رفض الاتحاد الأوروبي التوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية، ومطالبته بوقف هدم المنازل والممتلكات الفلسطينية مع تزايد قرارات الهدم والإخلاء بحق الفلسطينيين من أراضيهم. كما سبق أن صادق البرلمان الأوروبي، في عام 2015، على قرار يقضي بوضع علامات على منتجات المستوطنات لتمييزها عن بقية المنتجات الإسرائيلية في البلدان الأوروبية وشبكات التوزيع والمحال التجارية، وهو القرار الذي أغضب الإسرائيليين، واعتبروا أنه يدعم مقاطعة منتجات بلادهم. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، في يوليو 2017، سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه بلاده بأنها "مجنونة".
وكان الاتحاد الأوروبي قد أكد للرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، خلال اجتماع في بروكسل في يناير 2018، أنه يدعم تطلعه لأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية. ودعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "فيدريكا موجيريني"، الضالعين في القضية الفلسطينية للحديث والتصرف بحكمة وإحساس بالمسؤولية، وهي التصريحات التي عكست رفض الاتحاد الأوروبي لقرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ثالثاً: مشكلات المجتمع الإسرائيلي
أشار اللواء "الجريدلي" إلى أن هناك ظواهر جديدة بدأت تظهر في الداخل الإسرائيلي، منها تصاعد المقاومة الفلسطينية مثل "انتفاضة السكاكين" و"الدهس"، وهي مشكلة للجانب الإسرائيلي، كما أن ثمة تخوفاً من تكوين خلايا من عرب إسرائيل تعمل ضد تل أبيب.
كذلك، فإن تماسك المجتمع الداخلي في إسرائيل أصبح في خطر، فهناك نوع من الانشقاق والتراخي خاصة مع سطوة التيارات الدينية، فالمجتمع الإسرائيلي غير راضٍ عن بعض الأحزاب المتطرفة الموجودة، كما تصاعدت أصوات جديدة داخل المجتمع الإسرائيلي تنتقد الجيش.
واختتم اللواء "الجريدلي" اللقاء بالإشارة إلى تعاون إسرائيل مع دول جديدة في قضايا لم تكن تحدث من قبل، مثل "مناورة العلم الأزرق" في نوفمبر 2017، وهي مناورة عسكرية ضخمة شارك فيها العديد من الدول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والهند واليونان وبولندا. وهذه المناورة تعكس أن إسرائيل أصبح لها شركاء جدد في المناورات العسكرية. كما أن هناك ملمحاً جديداً آخر وهو أن إسرائيل التي كانت تميل دائماً للقوة العسكرية، باتت ترى مؤخراً أن ذلك مُكلف جداً، وبالتالي أصبحت تحاول أن يكون هناك توازن بين الإنفاقين العسكري والاقتصادي.