أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الشروق:

التحديات الأربعة ما الذى يعوق اتفاق جوبا للسلام فى السودان؟

16 يونيو، 2021


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن يعرض فيه التحديات التى تواجه اتفاق جوبا للسلام... نعرض منه ما يلى:

وفقا لتقرير مجلس الأمن الدولى فى مايو 2021، فقد أحرز السودان تقدما ملحوظا فى انتقاله الديمقراطى منذ توقيع اتفاق جوبا للسلام فى 3 أكتوبر 2020. ومع ذلك، توجد تحديات سياسية وأمنية وإنسانية واقتصادية كبيرة. لم يتم بعد تنفيذ العديد من جوانب الوثيقة الدستورية واتفاقية جوبا للسلام، بما فى ذلك ترتيبات التسريح ونزع سلاح المقاتلين وإعادة دمجهم، وكذلك تشكيل المجلس التشريعى الانتقالى، مع تمثيل نسائى بنسبة 40% على الأقل. ولا يزال الوضع الأمنى فى أجزاء من دارفور محفوفا بالمخاطر، مع تصاعد حدة العنف الطائفى وانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان والنزوح على نطاق واسع.

التحدى الأول.. اتفاق واحد أم اتفاقات متعددة؟

تبدو صياغة ومضمون اتفاق جوبا لسلام السودان بالغة الصعوبة والتعقيد، ويغلب عليها طابع الغموض فى كثير من الأحيان. فبموجب الاتفاق، تم إعادة تعيين الفترة الانتقالية للحكم المدنى العسكرى المشترك فى السودان، ومدتها 39 شهرا، لتبدأ من تاريخ التوقيع. كما تم تعديل ترتيب تقاسم السلطة بين قوى الحرية والتغيير ومجلس السيادة الانتقالى ليشمل ممثلين من المتمردين الموقعين. وقد حصلت هذه المجموعات بالفعل على ثلاثة مقاعد فى مجلس السيادة، وخمسة وزراء فى الحكومة الانتقالية بما فى ذلك وزارة المالية التى أُسندت للسيد خليل إبراهيم، وسوف تحصل على ربع المقاعد فى الهيئة التشريعية الانتقالية التى لم يتم إنشاؤها بعد.

على المستوى الإقليمى، يتضمن الاتفاق خمسة مسارات (الحكم المركزى ودارفور والشمال والشرق ومنطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان)، وهو ما يغطى أجزاء مختلفة من السودان. ولكل منها ترتيبات متفاوتة قليلا مع المتمردين الموقعين الذين يحق لهم الحصول على 10ــ40٪ من المقاعد فى السلطات الإقليمية. كما نصت الاتفاقية على أن يتم تمثيل المرأة على جميع مستويات السلطة بنسبة لا تقل عن 40٪. وهذا أمر غير معهود فى تقاليد الممارسة السياسية للسودان بعد الاستقلال.

فى دارفور، التى شهدت بعضا من أفظع انتهاكات حقوق الإنسان فى النزاعات السودانية، أنشأ الاتفاق لجنة للحقيقة والمصالحة وتمكين آليات العدالة التقليدية. وكجزء من العملية، أكد الموقعون من جديد على استعدادهم للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر اعتقال. وفى الوقت نفسه، ستكون الحكومة ملزمة بدفع 750 مليون دولار سنويا لمدة 10 سنوات لإقليم دارفور. وينص الاتفاق أيضا على تشكيل قوة حفظ أمن جديدة فى دارفور فى غضون 90 يوما يكون قوامها 12 ألف فرد. ويستخدم الاتفاق صياغة غير مألوفة فى تحديد مهام هذه القوة. فينص على أن من مهامها «القيام بالمسئولية الدستورية والأخلاقية والسياسية لحكومة السودان فى حماية المدنيين». ولا يخفى أن استخدام كلمة «الأخلاقية» بشكل خاص هنا أمر يكتنفه الغموض والالتباس بما يجعله يخضع لتأويلات عديدة. فى كلٍ من دارفور ومنطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان، ستكون هناك أيضا جهود لتسريح المقاتلين المتمردين المسلحين وإعادة دمجهم بشكل تدريجى، وهذا لم يتم حتى الآن.

التحدى الثانى.. مشكلة التمويل

على الرغم من الدعم الدولى لعملية سلام السودان والمتمثل فى تأييد العديد من المنظمات الدولية والحكومات الأجنبية لاتفاقية جوبا، فإن تحقيق السلام والاستقرار المستدام لا يزال صعب المنال. إذ يتطلب دعم الاتفاقية بالكامل، قيام الشركاء الدوليين ببذل المزيد من الجهد والمال. أحد التحديات الرئيسية التى يواجهها السودان هو دفع تكاليف تنفيذ اتفاق السلام. ولا يزال الاقتصاد الوطنى يعانى من تشوهات هيكلية، وبينما تعهد المانحون بدفع تكاليف الاتفاقية، فلن يكون هذا كافيا إذا كان الاقتصاد أضعف من أن يخلق وظائف جديدة ويحسن مستويات المعيشة. يحتاج السودان إلى استثمارات محلية وأجنبية واسعة النطاق، فضلا عن القدرة على الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، وهو أمرٌ تم تجاوزه حاليا بعد رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية. ويبقى السؤال المطروح بخصوص صفقة سلام جوبا هو: من سيتكفل بدفع مئات الملايين من الدولارات اللازمة سنويا لتنفيذها؟ لقد تم استنزاف خزائن الحكومة بسبب الاقتصاد المتدهور، وعدم كفاية المساعدات من قبل المانحين الدوليين.

على أن مؤتمر باريس لدعم السودان الذى عُقد فى مايو الماضى برعاية الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون يمثل فرصة مناسبة لعودة التمويل الدولى الرخيص الذى تشتد الحاجة إليه فى السودان. وقد وافقت الدول الأعضاء فى صندوق النقد الدولى على سداد متأخرات السودان المستحقة للمؤسسة، لتزيل عقبة أخيرة أمام حصولها على تخفيف أوسع للديون الخارجية بما لا يقل عن 50 مليار دولار.

التحدى الثالث.. جبهة رفض سلام جوبا

صحيح أن اتفاق جوبا لسلام السودان يمثل لحظة أمل فارقة فى مسيرة طويلة من الصراع فى السودان، لكنه يواجه تحدى رفض التوقيع عليه من بعض جماعات التمرد حتى الآن. رفضت الحركة الشعبية لتحرير السودانــ شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو التوقيع، وتمسكت بضرورة علمانية الدولة، وإعطاء جنوب كردفان والنيل الأزرق حق تقرير المصير. لكن الحركة عادت وقبلت بمبدأ التفاوض من جديد مع الحكومة الانتقالية. الجماعة المسلحة الثانية التى رفضت الصفقة حتى الآن هى حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور. رفضت هذه المجموعة العملية برمتها ودعت بدلا من ذلك إلى عقد مؤتمر وطنى جامع. وتمتلك هذه الحركة قوة على الأرض فى دارفور، وتسيطر على بعض مناطق جبل مرة. كما يعارض اتفاق السلام بعض الحركات المسلحة الأقل قوة، وكذلك بعض منظمات المجتمع المدنى.

التحدى الرابع.. نزع السلاح والتسريح

لعل الجزء المتعلق بالترتيبات الأمنية، ولا سيما نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، يمثل الجانب الأصعب العصى على التنفيذ فى اتفاق سلام جوبا. التحدى الأكبر الذى تعكسه الخبرة السودانية هو أن الجماعات المسلحة الموقِعة على اتفاق السلام تعمد إلى تضخيم عدد أفرادها، والسعى نحو تجنيد المزيد من الأفراد فى صفوفها، وذلك لتحقيق أهداف ثلاثة؛ أولا: المطالبة بحصة أكبر من المناصب داخل الأجهزة الأمنية. ثانيا: كلما زاد عدد مقاتلى الجماعات المسلحة زادت مكاسبهم النقدية والمادية التى سوف يحصلون عليها عن طريق المشاركة فى عملية التسريح والدمج. ثالثا وأخيرا: يُعد التجنيد وسيلة للجماعات المسلحة للتأكد من أن لديها مخزونا احتياطيا دائما فى متناول اليد إذا انهار الانتقال السلمى فى السودان.

ونتيجة لذلك، قد ينشأ عددٌ من المخاطر من عمليات التسريح والإدماج. من حيث الكلفة المالية، إذا تضخمت الأجهزة الأمنية بعد استيعاب المزيد من المقاتلين السابقين، فإن الخزانة الوطنية لن تستطيع مواجهة ضغوط الإنفاق على الخدمات العامة الأخرى. وربما يُساهم عدم تقديم هذه الخدمات فى إثارة حالة من الاضطراب العام، وهو الأمر الذى يعرض الانتقال الديمقراطى للخطر. بالإضافة إلى ذلك، كلما أصبحت الأجهزة الأمنية أكبر عددا وأكثر قوة، كان من الصعب على الحكومة المدنية إجراء إصلاحات فى القطاع الأمنى بشكل يكبح جماح مصالح أفرادها التجارية، والتى تشمل السيطرة على العديد من الشركات التى تديرها الدولة والتى تحقق أرباحا حتى لكبار الضباط، فضلا عن أنها تستأثر بنصيب كبير من الموارد العامة.

ولعل من أبرز المخاطر الكبرى المرتبطة بتزايد حجم الجماعات المسلحة وعسكرة المجتمعات المحلية والمدن الكبرى، أنه فى حالة تأخر أو فشل برامج التسريح، فقد يفقد قادة التمرد السابقون سيطرتهم على قواتهم المتضخمة من حيث العدد والعتاد، وهو ما يشكل تهديدا محتملا فى المستقبل إذا انهار الاتفاق. ربما يكون التهديد حادا بشكل خاص فى دارفور كما رأينا فى الأحداث الدامية التى وقعت خلال هذا العام، بسبب انتهاء تفويض العملية المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى فى دارفور (يوناميد)، مما يعنى عدم وجود آلية رئيسية لمنع وردع العنف. ويُمثل تأخر تشكيل قوة أمن دارفور المشتركة التى نص عليها اتفاق السلام حافزا آخر لتكريس هذه التهديدات المحتملة فى الإقليم المضطرب.

على الرغم من وجود خطوات فى طريق بناء السلام جديرة بالثناء ويجب تشجيعها، فإن السودان يشكل بيئة معقدة بشكل هائل مع وجود عشرات الفصائل والمليشيات المسلحة التى تدفع باتجاه عسكرة المجتمع. التحدى الأكبر يتمثل فى تمويل السلام. علينا أن نتذكر أنه إذا كانت الحرب مكلفة، فإن للسلام أيضا كلفته ومتطلباته. بلغة الاقتصاد، يجب توفير موارد كبيرة لمعالجة قضايا التعويضات وإعادة التوطين والتسريح وإعادة الإدماج، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الأساسية وفقا لنصوص اتفاق جوبا للسلام. على أن توفير الموارد اللازمة يمثل تحديا لن تتمكن الحكومة الانتقالية من التعامل معه بمفردها. ولعل ذلك هو المغزى من وراء تشكيل بعثة أممية بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لمعالجة هذه القضايا.

ومع ذلك، فإن جهود الشركاء الدوليين لن تكون كافية لوضع الاقتصاد الوطنى على مسار التنمية المستدامة. يجب أن تكون هذه الجهود الدولية والإقليمية مصحوبة بوجود مؤسسات فعالة ذات مستويات عالية من القدرات البشرية والتكنولوجية. ولا يخفى أن ثلاثين عاما من حكم الإخوان المسلمين قد شكلت فى نهاية المطاف مؤسسات عفا عليها الزمن فى السودان تعانى من عدم الكفاءة، ناهيك عن انتشار الفساد والمحسوبية. وعليه فإن رؤى صنع السلام فى السودان بحاجة إلى أن يكون الإصلاح المؤسسى متزامنا لأوجه الإصلاح الأخرى، سواء فى المجال السياسى والأمنى أو الاقتصادى.

المصدر : الشروق