أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تحول نوعي :

رسائل الهجوم "الداعشي" الأخير في النيجر

16 ديسمبر، 2019


بعد حوالي شهر ونصف على مقتل زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، بدأ التنظيم في تنفيذ عمليات إرهابية جديدة، حيث أعلن مسئوليته عن الهجوم الذي استهدف قاعدة عسكرية في منطقة إيناتيس غرب النيجر على الحدود مع مالي، في 10 ديسمبر الجاري، وأسفر عن مقتل 71 شخصاً، بخلاف عشرات المصابين وبعض المفقودين، وهو العدد الأكبر في صفوف الجيش النيجري منذ بدء الهجمات الإرهابية في البلاد عام 2014، بشكل يطرح دلالات عديدة خاصة فيما يتعلق بتوقيتها، حيث تتزامن مع الجهود التي تبذلها النيجر مع فرنسا ودول الساحل والصحراء من أجل تحجيم ظاهرة الإرهاب المتصاعد في تلك المنطقة.

توقيت لافت:

جاء الهجوم الذي نفذه تنظيم "داعش" (ولاية الصحراء الكبرى) في النيجر، والذى يعد أحد أخطر الهجمات الإرهابية التي شهدتها القارة الإفريقية، في توقيت لافت، حيث وقع في اليوم نفسه الذي أعلن فيه مجلس الوزراء تمديد حالة الطوارئ السارية منذ عام 2017 لثلاثة أشهر، في العديد من أنحاء البلاد بهدف التصدي للهجمات الإرهابية من قبل المجموعات المتطرفة، على نحو يشير إلى أن التنظيم يحاول توجيه رسالة تحدي للحكومة تفيد أنه سوف يواصل تنفيذ عملياته رغم كل الإجراءات الأمنية التي يتم اتخاذها.

كما توازى الهجوم مع استعداد فرنسا، التي تعد القوة الدولية الأكثر تأثيراً في مواجهة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، لاستضافة قمة لدول الساحل في 16 ديسمبر الجاري، وهو ما اضطر معه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تأجيل القمة، بالاتفاق مع نظيره النيجري محمدو يسوفو، إلى مطلع عام 2020، على نحو يكشف عن حجم التأثير الذي فرضه الهجوم الأخير، الذي ربما يدفع القوى المعنية بمحاربة الإرهاب إلى إعادة ترتيب حساباتها من جديد للتعامل مع التهديدات التي يفرضها تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية.

دلالات عديدة: 

يطرح الهجوم الأخير الذي نفذه "داعش" دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تهديدات مباشرة: كشفت تقارير عديدة أن التنظيم استعان بعدد كبير من عناصره لتنفيذ الهجوم، حيث استخدم بعضهم دراجات نارية، فيما استخدم آخرون سيارات شبيهة بتلك التي تستعملها الجيوش في تحركاتها في المناطق الصحراوية، دون أن تتمكن أية قوة من اعتراضهم أو عرقلة وصولهم إلى الهدف. واللافت في هذا السياق، أن وزارة الدفاع النيجرية أعلنت أن جنوداً قد اختفوا في أعقاب الهجوم، وهو ما يرجح فرضية أن يكون التنظيم قد احتفظ بهم كرهائن، على نحو قد يزيد من صعوبة ملاحقة منفذي الهجوم من جانب القوات المسلحة المدعومة من القوة الفرنسية. ومن دون شك، فإن ذلك يعني في المقام الأول أن التنظيم حرص من البداية على الإعداد الجيد للعملية من حيث اختيار التوقيت أو الهدف، كما سعى إلى الاحتفاظ ببعض الجنود لممارسة أكبر قدر من الضغوط على الحكومة التي سوف تسعى إلى تعقب المنفذين وتوجيه ضربات جديدة للتنظيم.

2- الرد على مقتل البغدادي: جاء الهجوم "الداعشي" في النيجر بعد شهر ونصف على مقتل قائده السابق أبو بكر البغدادي، الذي مثل ضربة قوية فرضت تأثيرات مباشرة على التنظيم، على المستويين التنظيمي والعسكري، وهو ما دفع الأفرع المختلفة إلى تبني خطط عديدة للرد على تلك الضربة، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ عمليات إرهابية نوعية يحاول من خلالها التنظيم إثبات قدرته على التماسك والاستمرار.

3- تعزيز المكانة التنظيمية: لا يمكن فصل مسارعة تنظيم "ولاية الصحراء الكبرى" إلى تنفيذ العملية عن التنافس بين الأفرع المختلفة للتنظيم الرئيسي، والتي تسعى بدورها إلى تكريس نفوذها داخله من خلال إثبات أنها الأكثر قدرة على تنفيذ عمليات إرهابية قوية ترد من خلالها على مقتل البغدادي. وهنا، فإن اتجاهات عديدة ترى أن الأهم من تنفيذ العملية الإرهابية نفسها هو السرعة في الرد، التي ترتبط بالقدرات التنظيمية والعسكرية، على نحو يمثل، في رؤية تلك الاتجاهات، ميزة نسبية تساعد من يمتلكها على تصدر المشهد داخل التنظيم.

لذا يبدو أن مجموعة أبو الوليد الصحراوي حاولت تعزيز مكانتها بين فروع "داعش"، عبر المسارعة بتنفيذ ذلك الهجوم، خاصة أن الاتجاهات السابقة ترى أن الصحراوي إرهابي يسعى دائماً إلى السلطة والنفوذ، وهو ما كان سبباً في انفصاله عن تنظيم "القاعدة" ومبايعته لـ"داعش" عام 2015، كونه لم يحظ بالتقدير المناسب، في رؤيته، داخل التنظيم الأول.

وقد جاء الهجوم أيضاً في وقت تتصاعد فيه الخلافات بين قيادات التنظيم الرئيسي والفروع، بسبب تأخر بعضها في مبايعة القائد الجديد أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن أبو الوليد الصحراوي يتبنى مواقف مناوئة للقيادة الجديدة للتنظيم، خاصة أنه يرى أنها وصلت إلى قيادة التنظيم عن طريق ما يسمى بـ"البيعة المجهلة"، على نحو يعني أن قيادة "داعش" في الصحراء الكبرى سعت إلى تعزيز دورها بمعزل عن القيادة الجديدة، من خلال الهجوم الأخير، بهدف فرض حالة من التمايز التنظيمي، التي غالباً ما تكون مقدمة للانفصال أو إعادة التأسيس لتنظيم مستقل.

4- تقاطع النفوذ: تشير خريطة انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء إلى أن النيجر تدخل ضمن مناطق النفوذ التقليدية لتنظيم "القاعدة"، سواء من خلال انتشاره التنظيمي أو عبر تحالفاته القبلية والتنظيمية، أو حتى عن طريق تعاونه مع عصابات التهريب والجريمة المنظمة. ورغم ذلك، تمكنت المجموعات الموالية لتنظيم "داعش" من تنفيذ عملية بهذا الحجم داخل النيجر، وهو ما يمثل ضربة قوية لنفوذ "القاعدة"، الذي سعى طوال السنوات الثلاث الماضية إلى تقليص نفوذ "داعش" في مناطق انتشاره. وهنا، فإن الصراع على النفوذ بين تلك التنظيمات يزيد من احتمالات أن تشهد المرحلة القادمة هجمات مماثلة من جانب تنظيم "القاعدة" لإثبات أنه يمتلك النفوذ الأكبر في تلك المنطقة.

إن ما سبق في مجمله يشير إلى أن منطقة الساحل والصحراء سوف تكون إحدى المناطق الرئيسية التي سوف تسعى التنظيمات الإرهابية إلى رفع مستوى نشاطها وتكريس نفوذها فيها خلال المرحلة القادمة، على ضوء تراجع قدرتها على الاحتفاظ بمواقعها في المناطق التقليدية التي سبق أن سيطرت عليها، وهو ما سيدفع دول تلك المنطقة، على الأرجح، إلى تعزيز جهودها الأمنية والعسكرية من أجل منع تلك التنظيمات من تحقيق أهدافها.