أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

سيناريوهات محتملة:

هل يُحسم الصراع على النفط الليبي في المستقبل القريب؟

14 مارس، 2017


تجدد الصراع مرة أخرى على موارد النفط في ليبيا بداية من 4 مارس 2017، بعدما قامت "سرايا الدفاع عن بنغازي" بشن هجوم مفاجئ سيطرت من خلاله على مينائي السدرة ورأس لانوف بمنطقة الهلال النفطي، وذلك بعد أكثر من خمسة أشهر على سيطرة الجيش الوطني الليبي على تلك المنطقة. ويكشف هذا الهجوم المضاد عن مؤشرات عديدة تتعلق بالمسار المتعثر لتسوية الخلافات بين الأطراف السياسية والميليشيات المسلحة بالبلاد، كما أنه يثبت عدم قدرة أى طرف على حسم المعركة لصالحه في ظل توازن القوى القائم بين مختلف الأطراف.

وبالنظر إلى التداعيات الآنية الخاصة بتجدد الصراع على موارد النفط، يمكن القول إن الهجوم الأخير سوف يؤدي إلى تصاعد حدة الخلافات بين الأطراف السياسية التي تدعم قوى وميليشيات مسلحة مختلفة، وهو ما سوف ينعكس سلبًا على صناعة النفط الليبية، خاصة أنه قد يعرقل جهود مؤسسة النفط الليبية لاستعادة مستويات إنتاج ما قبل اندلاع الثورة الليبية.

وفي ظل المساعي المستمرة لأطراف الصراع لتعظيم نفوذهم السياسي والاقتصادي، فإن محاولات كل طرف للسيطرة على المنشآت النفطية لن تتوقف، على الأرجح، خلال الفترة المقبلة. وبحسب العديد من التكهنات، فإن هذا الهجوم الجديد يعزز من احتمالات تحرك الجيش الوطني الليبي لاستعادة السيطرة على الميناءين مجددًا، وذلك في مقابل سيناريو آخر يرجح إمكانية تقدم "سرايا الدفاع عن بنغازي" لمحاولة السيطرة على باقي الموانئ النفطية. ولكن على أية حال، فإن نجاح أى طرف في بسط نفوذه على المنشآت النفطية سيتوقف في نهاية الأمر على القدرات العسكرية المتاحة له أو بمعنى أدق على توازن القوى القائم.   

مؤشرات متعددة:

شنت "سرايا الدفاع عن بنغازي" هجومًا مضادًا على منطقة الهلال النفطي في 4 مارس الحالي، حيث نجحت في السيطرة على مينائى السدرة ورأس لانوف، وهو ما يطرح دلالتين مهمتين: تتمثل الأولى، في تعثر الجهود الدولية والإقليمية للوصول إلى تسوية للأزمة الليبية. فبالرغم من تشكيل حكومة موحدة تحت مسمى حكومة الوفاق الوطني بموجب اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تقليص حدة الصراعات بين الأطراف المختلفة. وكما يبدو أيضًا، فإن تراجع فرص نجاح مبادرات التسوية السياسية دفع كل طرف إلى التحرك من أجل تعزيز نفوذه السياسي والاقتصادي داخل البلاد.  

وتتعلق الثانية، بتشكيل تحالفات جديدة، إذ تشير ترجيحات غربية ومحلية إلى أن "سرايا الدفاع عن بنغازي" حصلت على دعم من جماعات أخرى في طرابلس ومصراته، حيث تمكنت من التحالف مع ما تبقى من مقاتلي إبراهيم الجضران القائد السابق في قوات حرس المنشآت النفطية الليبية. كما أن هناك مؤشرات تكشف أن مقاتلين من مصراته شاركوا في الهجوم، وربما كانوا الطرف الحاسم في الخطة التي تم تنفيذها.

وفي هذا الصدد، قال العقيد أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي عقب الهجوم: "إن الكتائب المسلحة التي دخلت إلى منطقة الهلال النفطي تتبع القاعدة والدروع الإخوانية.. كتائب مسلحة من مدينة مصراته بينها كتيبة المرسى ولواء الحلبوص شاركت بالهجوم".

 تداعيات محتملة:  

ربما يفرض تجدد الصراع على موارد النفط في ليبيا بعض التداعيات السياسية والاقتصادية السلبية، التي يمكن تناولها على النحو التالي:  

1- تكريس الانقسام: ساهمت سيطرة "سرايا الدفاع عن بنغازي" على مينائى السدرة ورأس لانوف في عرقلة الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية للخلافات القائمة بين أطراف الصراع في الشرق والغرب، وهو ما بدا جليًا في إعلان مجلس النواب الليبي المعترف به دوليًا عن تعليق الحوار الوطني مع مختلف الأطراف السياسية بالبلاد عقب الهجوم الأخير. 

وفي الوقت نفسه، يمكن القول إن المكاسب السياسية التي ربما تجنيها الحكومة في طرابلس ليست مضمونة، ولا سيما في ظل التوقعات الخاصة باستعداد الجيش الوطني الليبي للتقدم نحو استعادة الميناءين مرة أخرى. 

2- تراجع الإنتاج: تأثر إنتاج النفط الليبي سريعًا فور سيطرة "سرايا الدفاع عن بنغازي" على مينائي السدرة ورأس لانوف وتسليمهما لحرس المنشآت النفطية بقيادة إدريس بوخمادة التابع للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في طرابلس، حيث قامت شركات النفط المرتبطة بالميناءين السابقين بتخفيض إنتاجها كإجراء احترازي بنحو 50 ألف برميل، ليتراجع الإنتاج الليبي إلى 650 ألف برميل يوميًا بدلا من 700 ألف برميل يوميًا في الفترة السابقة. 

فضلا عن ذلك، من المرجح إعلان ما يسمى بـ"حالة القوة القاهرة" في الميناءين السابقين، إذا استمر التوتر الأمني في منطقة الهلال النفطي، وذلك حسب تصريحات عضو مجلس الإدارة بالمؤسسة الوطنية للنفط الليبية جادالله العوكلي، وهو ما قد يعرقل خطط المؤسسة الوطنية للنفط لرفع الإنتاج إلى نحو 1.2 مليون برميل يوميًا بنهاية عام 2017. 

وبالإضافة إلى السابق، فقد تعزز الاضطرابات الأمنية في منطقة الهلال النفطي من وتيرة ظاهرة تهريب المشتقات النفطية الليبية إلى الخارج، والتي لوحظت بشدة خلال الأشهر الماضية، وهو الأمر الذي أكده مصطفى صنع الله رئيس مؤسسة النفط الوطنية الليبية في يناير 2017. 

إنتاج ليبيا من النفط منذ عملية البرق الخاطف (ألف برميل يوميًا)


المصدر: منظمة أوبك، تقارير شهرية مختلفة. 

3- الاستقطاب الدولي: تشير بعض التقديرات الغربية إلى أن المعارك الراهنة التي تشهدها موانيء النفط الليبية ربما تؤدي إلى تعزيز مساعي روسيا لدعم نفوذها داخل ليبيا. ففي هذا السياق، رد قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا الجنرال توماس فالدهوسر على سؤال من السيناتور ليندسي جراهام أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في مارس 2017، عما إذا كانت روسيا تحاول أن تفعل في ليبيا مثلما فعلت في الأزمة السورية بقوله: "نعم إنه الوصف المناسب"

وبالرغم من تجنب روسيا التدخل المباشر في الصراع الليبي على غرار ما فعلت في الصراع السوري، إلا أن هناك عددًا من المؤشرات التي تكشف عن تنامي نفوذها داخل ليبيا. إذ أعلن أوليج كرينيتسين رئيس مجموعة "آر إس بي" الأمنية الروسية، في 12 مارس الجاري، عن قيام قوة من بضع عشرات من المتعاقدين الأمنيين من روسيا بمهام أمنية في مناطق تخضع لسيطرة الجيش الليبي حتى شهر فبراير الفائت. كما وقعت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا وشركة "روسنفت" النفطية الروسية الحكومية اتفاقية إطار للتعاون المتبادل بينهما لتعزيز فرص الاستثمارات الروسية في قطاع النفط الليبي في الشهر ذاته.

مسارات الصراع:

على ما يبدو، فإن الصراع على موارد النفط الليبية أصبح أكثر تعقيدًا، في ظل المؤشرات السابقة والخاصة بتقارب توازن القوى بين طرفى الصراع وتشكيل تحالفات محلية جديدة أكثر قوة. وعلى ضوء ذلك، يمكن طرح سيناريوهين رئيسيين: يتمثل الأول، في تمكن قوات الجيش الليبي من استعادة الميناءين النفطيين. وينصرف الثاني، إلى استمرار "سرايا الدفاع عن بنغازي" في السيطرة على الميناءين والتقدم نحو باقي الموانئ.

بيد أن السيناريو الأول يتطلب من قبل قادة الجيش الليبي إعادة النظر في خطط الإعداد العسكري، وخريطة التحالفات مع القبائل المحلية، والحصول على مزيد من الدعم الدولي والإقليمي. وعلى ما يبدو، فإن فرص تحقق السيناريو الثاني ربما تكون أقل، في ظل التكهنات القائمة بإمكانية نجاح قوات الجيش الليبي في استعادة الميناءين مرة أخرى.  

ويمكن القول في النهاية إن استمرار الاضطرابات في منطقة الهلال النفطي ربما يقود إلى مزيد من الخسائر المحتملة لصناعة النفط الليبية، وبما يفرض عقبات جديدة أمام الاقتصاد الليبي خلال المرحلة القادمة.