أخبار المركز
  • يشارك مركز "المستقبل" في الدورة الـ33 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في الفترة (29 إبريل - 5 مايو 2024)، وجناحه رقم C39 في القاعة 9
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد 36 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • صدور العدد السادس من "التقرير الاستراتيجي" بعنوان "حالة الإقليم: التفاعلات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط 2024"
  • محمد خلفان الصوافي يكتب: (منتدى الخليج وأوروبا.. دبلوماسية جماعية للتهدئة الإقليمية)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)

المصري اليوم:

على صلاح يكتب: خسائر ممتدة: كيف تؤثر حرب غزة فى الطاقة والتجارة الدولية؟

28 أكتوبر، 2023


لم يكد الاقتصاد العالمى يُفيق من صدمة جائحة «كورونا» التي عرضته لأوسع إغلاق في عام 2020، حتى وجد نفسه في مواجهة صدمة الحرب الروسية- الأوكرانية التي أضرت سلاسل توريد العديد من السلع والمواد الأولية والمعادن والمحاصيل الاستراتيجية. وما إن بدأ الاقتصاد العالمى يستفيق بعض الشىء من الصدمة الأولى للحرب الأوكرانية، حتى وجد نفسه مرة أخرى أمام حرب جديدة في قطاع غزة، من شأنها زيادة الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، وتهديد عدة مقومات أساسية للاقتصاد، على رأسها أسواق الطاقة وحركة الملاحة البحرية والجوية، بجانب التكلفة المباشرة وغير المباشرة للحرب، ولاسيما في حال اتساع نطاقها بانخراط أطراف إقليمية مثل إيران أو أطراف دولية كالولايات المتحدة ودول أوروبية وغيرها، بما يجعلها حربًا ممتدة زمنيًا وجغرافيًا وجيوسياسيًا، ويُحمل الاقتصاد العالمى أعباء ثقيلة، تعرقل نموه وتهدد استقراره على مدى سنوات.

قنوات التأثير المُحتمل:

تُعد الحروب أحد أكبر المهددات لاقتصاد أي دولة، إن لم تكن هي الأكبر على الإطلاق، نظرًا لأنها تصيب الأنشطة الاقتصادية بالشلل التام، ولاسيما الأنشطة ذات الطابع غير العسكرى، كالسياحة والسفر والتجارة والخدمات اللوجستية والبناء والتشييد والطاقة والصناعات المدنية وغيرها. كما أنها تدفع الشركات إما إلى تصفية أعمالها والهروب من ويلات الحرب، أو وقف النشاط وتأجيل قرارات الاستثمار في أفضل الظروف. كما تؤدى الحرب إلى تصفية سوق العمل من الأيدى العاملة الشابة، في حال استدعائها للخدمة العسكرية.

وإذا كانت هذه الأضرار التي تُصنف على أنها آثار مباشرة للحرب عادةً ما تصيب اقتصادات الدول المنخرطة فيها، وخاصة تلك التي تقع الحرب على أراضيها، فإن هناك آثارًا أخرى تكون غير مباشرة وأوسع نطاقًا، بما يشمل الاقتصاد العالمى ككل. وتزداد هذه الآثار أو تنخفض تبعًا للاتساع الجغرافى للحرب، وتأثيرها في أسواق السلع الاستراتيجية وسلاسل التوريد الدولية، وكذلك مدى الانقسام الذي ينتج عنها في العلاقات الاقتصادية بين الدول، وبالتالى مدى استعداد الدول للانخراط في اتفاقات متعددة الأطراف في مواجهة التحديات الاقتصادية الدولية.

هذا بالتحديد ما يواجهه الاقتصاد العالمى في الوقت الراهن، بسبب التصعيد في قطاع غزة، خصوصًا أنه اندلع في وقت مازالت فيه الحرب الروسية- الأوكرانية قائمة، بكل ما حملته معها من أضرار اقتصادية عديدة. وفى هذا الإطار، فإن آثار هذا التصعيد تأخذ طريقها إلى الاقتصاد العالمى عبر قنوات عديدة، منها التهديد المباشر لاستقرار إمدادات الطاقة العالمية، وخاصةً النفط والغاز الطبيعى، نظرًا للقرب الجغرافى من مكامن النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط، بجانب التهديد الناتج عنها لحركة الملاحة البحرية والجوية الإقليمية والعالمية، هذا بخلاف ما قد ينتج عنها من انقسام دولى، يؤثر في الجهود العالمية في مواجهة الأزمات الاقتصادية في المستقبل.

تضرر أسواق الطاقة:

كان من الآثار المباشرة للحرب في قطاع غزة تعليق الإنتاج في حقل تمار للغاز، الذي بلغ إنتاجه نحو 10.25 مليار متر مكعب في عام 2022. وكان ذلك سببًا في ارتفاع أسعار الغاز في الأسواق الأوروبية بأكثر من 40%، عند 56 يورو (59.2 دولار) لكل ميجاواط/ ساعة، في ظل تسبب وقف العمل بالحقل في انقطاع 1.5 مليار متر مكعب سنويًا عن أسواق التصدير، وهو ما أربك الأسواق الأوروبية، خصوصًا أن ذلك يأتى في وقت حُرمت فيه هذه الأسواق من معظم إمدادات الغاز الروسية، منذ بداية الحرب في أوكرانيا.

وفى هذا السياق، تتعين الإشارة إلى أن الأضرار التي لحقت بأسواق الغاز العالمية، حتى الآن، قد لا تكون سوى جزءٍ من أضرار أكبر ربما تصيبها لاحقًا في حال اتساع نطاق الحرب الحالية، حيث إن ذلك سيهدد في المقام الأول إمدادات الغاز من منطقة شرق المتوسط، والتى تبلغ نحو 7.8 مليار قدم مكعب يوميًا، بما يزيد على 2% من الإمدادات العالمية، وسيكون توقفها سببًا لاضطراب شديد في أسواق الغاز، إلى أن يتم تعويضها من مصدر آخر من خارج المنطقة. وفى التأثيرات الأوسع نطاقًا، فإن اتساع الحرب الجارية يهدد استقرار إمدادات الغاز من منطقة الشرق الأوسط ككل، والتى تبلغ نحو 701 مليار متر مكعب سنويًا، بما يناهز 16.8% من الإمدادات العالمية في المُجمل. وفى حال انقطاع أو حتى عدم استقرار تلك الإمدادات، فإن ذلك سيكون سببًا في دخول أسواق الغاز في حالة من الاختناق الشديد، وحدوث ارتفاعات قياسية في الأسعار العالمية للغاز. بجانب أسواق الغاز الطبيعى، لا تعتبر أسواق النفط العالمية بعيدة عن تداعيات الأحداث في غزة، حيث إن اندلاع الحرب نشر حالة من الخوف من إمكانية حدوث ضرر مباشر لمرافق إنتاج النفط الخام في الشرق الأوسط، البالغ نحو 33.3 مليون برميل يوميًا، والتى تمثل نحو 32.8% من إجمالى الإنتاج العالمى، البالغ 101 مليون برميل يوميًا. كما تهدد الحرب، في حال اتساعها، حركة الملاحة عبر الممرات المائية في المنطقة. ونتيجة لذلك كان التصعيد الراهن سببًا في قفزة سريعة وكبيرة في أسعار النفط العالمية، التي ارتفعت بنحو 7.3% خلال الأسبوع الأول من الحرب، ليتخطى سعر نفط برنت مستوى 91 دولارًا للبرميل، بعدما كان يدور حول 85 دولارًا للبرميل قبيل الأحداث الحالية. في نفس الاتجاه، فإن اتساع نطاق الحرب، في حال حدوثه، سيكون إيذانًا باتساع حالة الهلع في أسواق النفط، ويدفع الأسعار إلى بلوغ مستوى 100 دولار للبرميل، وفق تقديرات العديد من المؤسسات الدولية. بل إنه في حال تسببت الحرب في تدمير بعض مرافق إنتاج ونقل النفط بالمنطقة، فإن ذلك سيدفع الأسعار إلى مستويات قياسية، أعلى بكثير من 100 دولار للبرميل خلال فترة وجيزة، وهو ما سيكون سببًا في اضطراب وتعثر الاقتصاد العالمى؛ لأنه سيزيد مستوى الضغوط التضخمية بشكل قياسى، بما يرفع احتمالات دخول الاقتصاد في حالة ركود تضخمى معقدة، وخاصة مع تزامن ارتفاع أسعار الغاز وأسعار النفط معًا، وفى حال بقائهما مرتفعين لفترة طويلة.

عرقلة التجارة الدولية:

تأتى عرقلة حركة التجارة الدولية، عبر الممرات البرية والبحرية والجوية في منطقة الشرق الأوسط، كثانى أكبر التهديدات الناتجة عن التصعيد الحالى في قطاع غزة، والتى يُرجح أن تزداد كثيرًا إذا اتسعت الحرب في الفترة المقبلة، في ظل قرب موقع الحرب جغرافيًا من الممرات الملاحية المهمة في المنطقة، والتى يعبرها ما يناهز نحو 30% من تجارة الحاويات الدولية، وبقيمة سلع تبلغ نحو تريليون دولار سنويًا. كما تقع الحرب في نطاق خطوط الملاحة الجوية عبر المنطقة، والتى تمثل بؤرة مهمة لحركة الطيران الدولية، سواءً انطلاقًا من المنطقة إلى دول أوروبا والأمريكتين، أو بالنسبة لخطوط الطيران القادمة من أقصى شرق العالم إلى أقصى غربه، أو من شماله إلى جنوبه أيضًا. وفى المُجمل، تمثل منطقة الشرق الأوسط إما محطات بداية أو توقف أو نهاية لخطوط الملاحة والشحن الجوى، بقيمة تبلغ نحو 1.74 تريليون دولار سنويًا، وبنسبة 29% من إجمالى تجارة السلع المنقولة جوًا حول العالم، وفق الاتحاد الدولى للنقل الجوى. وهذا يعنى أن التصعيد في قطاع غزة، وفى حالة اتساعه وامتداده، من شأنه أن يعرقل حركة ما قيمته نحو 2.74 تريليون دولار من التجارة السلعية العالمية، أو نحو 10.8% من الإجمالى العالمى، البالغ نحو 25.3 تريليون دولار في عام 2022، وفق منظمة التجارة العالمية. وهذا الأمر من شأنه أن يتسبب في اختناقات كبيرة في سلاسل التوريد، ويزعزع استقرار أسواق السلع الأساسية، خاصة في المنطقة، وكذلك الأسواق المرتبطة بعلاقات تجارية معها، سواء استيرادًا أم تصديرًا أم عبورًا.

بالإضافة إلى ذلك، تتسبب الحرب في توقف أو تغيير مسار خطوط الملاحة الجوية والبحرية عبر الشرق الأوسط، بالإضافة إلى زيادة تكلفة التأمين على رحلات الطيران وسفن الشحن التجارى، من وإلى وعبر المنطقة، إلى مستويات قياسية، بما يؤثر سلبًا في حركة التجارة السلعية وحركة السياحة حول العالم. وقد بدأت ملامح ذلك في الظهور بالفعل، حيث أقدمت شركات شحن على تغيير مسارات سفنها، وبدأت شركات التأمين في فرض علاوات مخاطر على شركات الطيران والشحن الجوى الدولى، وفق مركز مبادرة أبحاث التجارة العالمية.

في النهاية، فإن آثار الحرب في غزة على الاقتصاد العالمى لا تتوقف عند هذا الحد، حيث إن هناك توقعات بتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبى إلى الشرق الأوسط، وتضرر الموازنات الحكومية في بعض دول المنطقة، نظرًا لتزايد نفقات التسلح أو إعادة الإعمار؛ وهو ما يُقلص فرص نمو اقتصادات هذه المنطقة في وقت كان يعول عليها، بجانب اقتصادات آسيا، في قيادة نمو الاقتصاد العالمى. كما أن اتساع نطاق الحرب من شأنه زيادة الاستقطاب بين الدول، خاصة القوى الكبرى في الغرب من ناحية، والقوى الكبرى المناوئة لها كالصين وروسيا بجانب الدول الداعمة للفلسطينيين، من ناحية أخرى، وهو ما يزيد الشقاق بين صانعى السياسات الاقتصادية حول العالم، ويعرقل جهود مواجهة التضخم وتباطؤ النمو، فضلًا عن إبطاء وتيرة العمل على إدراك أهداف التنمية العالمية كهدف القضاء على الفقر والجوع، ونشر الطاقة والمياه النظيفة، والعمل المناخى، وغيرها من الأهداف قصيرة أو بعيدة المدى.

* رئيس وحدة التحولات الاقتصادية- مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

*لينك المقال في المصري اليوم*