أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

"مجاهدي خلق"!

دلالات الهجوم الإيراني السيبراني ضد ألبانيا

16 سبتمبر، 2022


قال رئيس الوزراء الألباني، إيدي راما، في 7 سبتمبر 2022، إن بلاده قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وأمرت بمغادرة الدبلوماسيين وموظفي السفارة الإيرانيين في غضون 24 ساعة، بعد تحقيق في هجوم إلكتروني قدّم دليلاً لا لبس فيه بأن مجموعات مرتبطة بطهران دبرت ورعت الهجوم، الذي هدد بمحو الأنظمة الرقمية واختراق سجلات الدولة وسرقة المراسلات الإلكترونية الحكومية على الإنترنت، وإثارة الفوضى والانفلات الأمني في البلاد. ويُعد هذا الإجراء من قبل ألبانيا، هو الأول من نوعه لدولة تقطع العلاقات الدبلوماسية مع أخرى بسبب هجوم إلكتروني.

دلالات متعددة: 

يُشير الهجوم السيبراني، الذي تورطت إيران في شنّه ضد ألبانيا، وكذلك رد الفعل من جانب الأخيرة والولايات المتحدة إلى عدد من الدلالات، والتي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- مواصلة التهديدات الإيرانية لألبانيا: أشارت التحقيقات التي أجرتها ألبانيا والولايات المتحدة وبريطانيا إلى أن قراصنة سيبرانيين تابعين للحكومة الإيرانية يقفون وراء الهجمات التي استهدفت البوابة الإلكترونية للحكومة الألبانية، في 15 يوليو الماضي، وهددت بشل الخدمات العامة في البلاد.

وقد أعقب الإعلان عن تلك الهجمات بثلاثة أيام، تعرض ألبانيا لهجوم إلكتروني جديد استهدف أحد الأنظمة الحدودية التابعة لوزارة الداخلية الألبانية، قامت بتنفيذه الجهات نفسها التي شنّت الهجوم في يوليو. وأسفر الهجوم الثاني عن إغلاق السلطات نظام إدارة المعلومات الشامل الذي يسجل دخول وخروج الأفراد عند المعابر الحدودية والموانئ البحرية والجوية. ويؤشر تكرار تلك الحوادث، بفترة زمنية قصيرة، إلى تعمد طهران إحداث أكبر ضرر ممكن في الخدمات التي تقدمها الحكومة الألبانية للمواطنين.

وتهدف إيران من خلال توجيه الهجمات السيبرانية لألبانيا، إلى معاقبة الأخيرة على استضافتها عناصر من منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة، إذ تستضيف ألبانيا، منذ 2013، أكثر من 3 آلاف عنصر من المنظمة الإيرانية المعارضة في مخيم بالقرب من دوريس، الميناء الرئيسي في ألبانيا.

وتعترض إيران على وجود عناصر "مجاهدي خلق" في ألبانيا، وترى أن ذلك يشكل تهديداً لأمنها القومي، ومن ثم تكرر توجيه تهديداتها لتيرانا، والتي وصلت إلى حد حث وكالة أنباء فارس، التابعة للحرس الثوري، الحكومة الإيرانية بوضع قصف مقرّات حركة "مجاهدي خلق" في ألبانيا، بالطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية، على جدول الأعمال، وذلك بغية أن تقوم الأخيرة بطرد عناصر الحركة من أراضيها.

2- تعقب طهران مجاهدي خلق: تواصل طهران تعقب عناصر منظمة مجاهدي خلق، إذ تمت الإشارة إلى إرجاء الحركة، في يوليو 2022، اجتماعاً كان مخصصاً للدعوة إلى تغيير النظام في إيران، بناء على توصيات من الحكومة الألبانية، لأسباب أمنية.

وكشفت الشرطة الألبانية، في أكتوبر 2019، عن خلية إرهابية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني كانت تخطط لتنفيذ هجمات ضد عناصر المنظمة في دول البلقان، بينما قامت مجموعة سيبرانية تابعة لإيران، باختراق مطار تيرانا في 2021.

ولم يقتصر الأمر على مهاجمة أعضاء المنظمة في ألبانيا والبلقان، وإنما امتدت المطاردة لعموم أوروبا، حيث تم الكشف، في 30 يونيو 2018، عن توقف اثنين كانا يخططان لاستهداف التجمع السنوي الكبير للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو تحالف المعارضة الإيراني الذي يضم حركة مجاهدي خلق، في بلدة فيلبانت قرب باريس.

وبالإضافة إلى ذلك، أجرى الادعاء الألماني، في 2018، تحقيقات مع عدّة أشخاص يتبعون الحرس الثوري الإيراني، على خلفية القيام بعمليات تجسس على أهداف مُحتملة في ألمانيا، لتصفية معارضين إيرانيين، وهو ما يُشير إلى استمرار النظام الإيراني في عمليات مطاردة وتعقب عناصر الحركة في كل مكان.

3- فرض واشنطن عقوبات على إيران: سارعت الولايات المتحدة وحلف الناتو وبريطانيا إلى إعلان موقف داعم للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الألبانية في مواجهة التهديدات السيبرانية الإيرانية ضدها، إذ توعدت واشنطن بمعاقبة إيران على الهجوم السيبراني على ألبانيا، وقامت بفرض عقوبات على وزارة المخابرات والأمن الإيرانية ووزيرها، إسماعيل خطيب، كما هددت بتفعيل البند الخامس من ميثاق حلف الناتو الذي يقضي بالدفاع عن أي "عضو" يتعرض لاعتداء. 

ويحمل هذا الموقف من قبل واشنطن رسالة تحذير لإيران مفادها أنها لن تتجاهل الهجمات السيبرانية التي تقوم بها الأخيرة ضد واشنطن أو أياً من حلفائها، وأن ذلك سيقابل بفرض عقوبات جديدة، في تأكيد للنهج الذي تتبناه واشنطن، بفصل مسار المفاوضات النووية مع إيران، عن مواصلة استهداف ممارساتها الإرهابية والخبيثة التي تقوم بها، أو إحدى أذرعها، ضد مصالح واشنطن وحلفائها.

4- تاريخ من العداء بين ألبانيا وإيران: رحّب قادة ألبانيا باغتيال قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، في يناير 2020. وانتقد المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، ألبانيا، إذ قال "هناك دولة أوروبية صغيرة شريرة احتشد فيها الأمريكيون والخونة للتآمر ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وقامت تيرانا في أعقاب ذلك بطرد اثنين من الدبلوماسيين الإيرانيين على خلفية اتهامات تتعلق بالتجسس والإضرار بالأمن القومي، في ثاني حادث من نوعه، بعد حادث آخر مشابه في 2018.

ومن جهة أخرى، فإن استضافة ألبانيا عناصر حركة مجاهدي خلق منذ 2013، قد تم من خلال اتفاق الحكومة الألبانية مع الولايات المتحدة. وصرّح رئيس الوزراء الألباني، إيدي راما، عقب تهديدات خامنئي، بأن تلك الاستضافة للحركة هي تعبير عن "التحالف الراسخ" بين بلاده وواشنطن.

5- محاصرة أنشطة إيران الخبيثة: يُدلل رد الفعل السريع والحازم من قبل الحكومة الألبانية والأمريكية على رغبة واشنطن في الرد على الأنشطة التخريبية التي تقوم بها إيران ضد أمن ومصالح هذه الأطراف. وتمت الإشارة إلى قيام موظفي السفارة الإيرانية في تيرانا بحرق أوراق داخل جدران السفارة قبيل مغادرتها، وهو ما قد يُدلل على وجود مستندات خاصة بعمليات تجسس وجمع بيانات حساسة، كانت تقوم بها البعثة الإيرانية في تيرانا، ورغبت في إتلافها، قبل وقوعها في إيدي الشرطة الألبانية التي اقتحمت السفارة، بعد مغادرة البعثة.

وبالتزامن مع ذلك، أعلن الادعاء الألماني عن ضبط أكبر كمية مخدرات في تاريخ البلاد، مصدرها إيران، واعتقال 4 أشخاص أحدهم إيراني، هذا إلى جانب ما كشف عنه تقرير مخابراتي سويدي عن محاولات إيرانية لسرقة تكنولوجيات نووية لاستخدامها في برنامجها للأسلحة النووية، وهو ما يُشير إلى رغبة واشنطن والأطراف الأوروبية في الحد من ممارسات إيران غير المشروعة بحق تلك الدول.

سياقات ضاغطة: 

يتزامن طرد الدبلوماسيين الإيرانيين من تيرانا، مع عدد من الظروف الضاغطة على إيران، والتي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- تعثر مسار المفاوضات: يأتي هذا الحادث في الوقت الذي أبدت فيه واشنطن استياءً إزاء الرد الإيراني على المسودة المقترحة من جانب الوسيط الأوروبي لإنقاذ الاتفاق النووي، حيث صرّح وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، أن الرد الإيراني قد عاد بالمفاوضات إلى الوراء، فيما يؤشر على استمرار إصرار إيران على تقديم مطالب مبالغ فيها منذ بداية العملية التفاوضية.

ولا يمكن أن ينفصل موقف واشنطن الداعم لتيرانا ضد إيران في هذه الأزمة عن المفاوضات النووية مع الأخيرة، إذ يفسر مسارعة واشنطن إلى توقيع عقوبات جديدة على إيران على خلفية الأزمة، رغبتها في تكثيف الضغوط على طهران لإجبارها على تقديم تنازلات تسهم في حلحلة جمود المفاوضات، لاسيما في ضوء إعلانها فرض عقوبات على كيانات وأفراد مرتبطين بالحرس الثوري الإيراني على خلفية اتهام واشنطن له بتزويد موسكو بطائرات مسيرة لمساعدتها في الحرب في أوكرانيا.

2- زيادة الضغوط الإسرائيلية: عرضت إسرائيل مساعدة تيرانا في تعزيز دفاعتها في مواجهة الهجمات السيبرانية الإيرانية، وذلك خلال اللقاء الذي جمع نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، عيدان رول، مع وزير الخارجية الألبانية، في مؤتمر الدبلوماسية النسائية في برلين.

كما يكتسب هذا الحادث أهمية عند النظر إلى تزامنه مع مواصلة تل أبيب استهداف الوجود الإيراني في سوريا، إذ قامت خلال الفترة الأخيرة بعدّة هجمات ضد مواقع تضم مخازن ذخيرة ومستودعات أسلحة تابعة لإيران في سوريا، كما كثّفت من قصف المطارات والموانئ السورية، في مسعى لقطع خطوط الإمداد بين إيران وميليشياتها في سوريا ولبنان، والتي تستخدمها في تهريب الأسلحة، وهو ما يزيد من الضغط التي تتعرض لها إيران.

وفي التقدير، من المُرجح استمرار التصعيد بين إيران من جانب وواشنطن وحلفائها من جانب آخر خلال الفترة القادمة، لاسيما في ضوء تعثر مسار المفاوضات، وانسداد أُفق التوصل إلى اتفاق في المدى القريب، وحتى في حال تم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين، يبدو أن سلوك إيران المزعزع لأمن واستقرار الدول سوف يتواصل، وهو ما يُعني استمرار السياسات الرامية إلى احتوائه، بالتوازي مع تنفيذ العمليات التخريبية التي ستقوم بها إسرائيل، بضوء أخضر أمريكي، ضد أهداف إيرانية، في الداخل والخارج.