نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب إيهاب خليفة، تناول فيه دور التكنولوجيا الحديثة فى مواجهة التحديات العالمية ولاسيما التغيرات المناخية... نعرض منه ما يلى.
نظم «إكسبو 2020 دبى» أسبوع «المناخ والتنوع الحيوى» خلال الفترة من 3 إلى 9 أكتوبر 2021، وهو ما يطرح معه العديد من القضايا والموضوعات المرتبطة بالتغيرات المناخية، ومنها دور التكنولوجيا الحديثة فى مواجهة مثل هذه التحديات العالمية. فلا شك أن من أهم مميزات التقنيات الذكية أنها تساهم فى الحفاظ على البيئة، لأنها ببساطة تعتمد على مصادر طاقة نظيفة، وبالأساس الكهرباء. فمثلا لا يوجد جهاز كمبيوتر أو هاتف محمول يعمل بطاقة الفحم أو البترول.
ومع ذلك ليس فقط كون التقنيات الذكية غير ملوثة للبيئة هو ما يجعلها سببا فى الحد من التغيرات المناخية؛ بل لأنها تساعد على تحسين جودة الحياة البشرية بصورة عامة، وتقليل الهدر فى الموارد الطبيعية، وذلك من خلال استخدم نظم الذكاء الاصطناعى القادرة على التنبؤ بالحرائق والكوارث الطبيعية، ونظم إنترنت الأشياء التى تُستخدم فى تحسين إدارة الموارد وتقليل الهدر فى الطاقة، وتبنى نماذج المدن الذكية القادرة على خلق مجتمعات أكثر استدامة وحفاظا على البيئة. وهذا ما يتضح فى النقاط التالية:
1ــ الحد من الانبعاثات الضارة
إن من التحديات الكبرى التى تواجه المدن بصورة عامة وينجم عنها ارتفاع كبير فى درجات الحرارة وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحرارى، هى مشكلة الانبعاثات الضارة التى تنجم عن مشكلات مثل الازدحام المرورى. فهى مشكلة معقدة ومتشابكة، تحوى مجموعة كبيرة من المشكلات الفرعية، مثل التلوث البيئى، وأمراض الصدر والرئة، وإهدار الوقت والجهد والوقود فى ساعات الانتظار الطويلة، مما يعرض الأفراد لحالات الإحباط والاكتئاب أحيانا كثيرة.
وتساهم التقنيات الذكية إلى حد كبير فى التغلب على تلك المشكلة، وذلك بالاستفادة من الحلول التكنولوجية التى تقدمها، مثل توفير معلومات دقيقة وآنية عن نقاط الازدحام المرورى وسببه، عبر جمع المعلومات العملاقة Big Data من نظم الاستشعارات وإنترنت الأشياء وكاميرات CCTV الموجودة فى الطرقات؛ بما يساهم فى سرعة تحديد المشكلة والعمل على حلها.
كما أن استخدام إشارات المرور الذكية يساعد على المنع المسبق لمثل هذه المشكلات، وذلك من خلال استخدام إشارات ذكية تقوم بصورة ذاتية بقياس مؤشرات الكثافات المرورية وتبادلها مع بعضها البعض، وإعطاء الأولوية للشوارع التى بها كثافة عالية على حساب الأقل كثافة. فمثلا إذا ازداد عدد السيارات فى شارع مقارنة بآخر، فإنها تعطى فرصة أكبر من الوقت للشارع المزدحم بصورة تلقائية على حساب الأقل ازدحاما.
من ناحية أخرى، تساهم المركبات الكهربائية، سواء كانت تعمل بسائق أو بصورة ذكية من دون الحاجة إلى وجود بشرى، فى الحد من الانبعاثات الضارة، وتحسين حالة الطقس فى الشوارع، كما أنها تساعد فى تقليل الحوادث والحد من الوفيات.
وتعتبر الميزة الرئيسية فى ذلك هى عدم حاجة المدن إلى ضخ استثمارات عملاقة، فهى كاميرات وأجهزة استشعارات يمكن تركيبها فى الشوارع والطرقات مع غرف تحكم وإدارة مركزية، من دون الحاجة إلى إعادة هيكلة البنية التحتية للمدينة، وبالطبع سيكون الأمر أسهل وأكثر فاعلية عند التخطيط لبناء المدن الجديدة. وسوف تساعد هذه التقنيات الذكية فى تسهيل عمل السيارات ذاتية القيادة داخل المدينة، بما توفره لها من معلومات دقيقة وآنية حول حالة الطرقات والسيارات من حولها.
وثمة ثورة حقيقية ومتسارعة يشهدها قطاع النقل حول العالم بفضل التكنولوجيا، وهو ما يساهم فى الحد من مشكلات التلوث البيئى، سواء المركبات التى تسير فوق أو تحت الأرض أو فى الجو. وتبدأ هذه التقنيات بالاسكوتر الكهربائى، مرورا بالدراجات الهوائية الذكية والسيارات ذاتية القيادة، وصولا إلى قطارات الهايبرلوب والتاكسى الطائر والطائرات الصغيرة وغيرها من التقنيات الذكية.
2ــ توفير الطاقة وحسن إدارة الموارد الطبيعية
يعتبر التلوث البيئى من المشكلات الرئيسية التى ينجم عنها خلل فى النظام الأيكولوجى، ويتطلب التغلب عليها العمل على مستويات متعددة. وهنا يساهم استخدام التقنيات الذكية فى تقليل خفض الانبعاثات الكربونية، والحد من مظاهر التلوث، وذلك من خلال إنشاء مبانٍ ذكية وصديقة للبيئة تتميز بالاستدامة وتوفر فى استهلاك الطاقة والمياه.
ويمكن تحقيق الكفاءة فى إدارة الموارد من خلال استخدام أجهزة الاستشعار وأجهزة إنترنت الأشياء التى تقوم بتهيئة الطاقة والأجهزة الإلكترونية وأجهزة التكييف والإنارة والمياه بناءً على حالة وجود الأفراد فى المنازل. فتقوم على سبيل المثال بتخفيض شدة الإنارة وفصل أجهزة التكييف فى حالة عدم وجود الأفراد داخل المنزل، كما تقوم أيضا برصد مؤشرات ارتفاع درجات الحرارة ورصد حالات تسريب المياه وإرسال إنذار لأفراد المنزل أو للجهات المعنية.
والأمر نفسه ينطبق على الشوارع والميادين والمدن أيضا، فتعمل أجهزة الاستشعار والمقاييس الذكية المنتشرة داخل المدينة على الحفاظ على الموارد وتقليل الهدر فى الطاقة، مثل نظم الإنارة الذكية، التى تعمل وقت الحاجة فقط، وحسب الكثافة المرورية فى الشوارع، كما تقوم برصد درجات التلوث فى الهواء والماء بصورة فورية، وقياس درجات الحرارة والضغط الجوى ودرجة الانبعاثات الكيميائية والكربونية فى الهواء وأماكن تدفقها. كما تُمكن التكنولوجيا من إدارة المخلفات وتحويلها إلى طاقة نظيفة ووقود، ومعالجة مياه الصرف والأمطار والزراعة لإعادة استخدامها، بما يساهم فى النهاية فى التغلب على مشكلة التلوث وإدارة المخلفات البيئية.
3ــ تحسين حالة الطقس
لا يتوقف دور التكنولوجيا الذكية عند الحفاظ على البيئة من التلوث فقط، بل يتعدى الأمر ذلك إلى التدخل فى الطبيعة لتحسين حالة الطقس وفق عدة مستويات. فمثلا، يمكن التأثير على العوامل البشرية التى تؤدى إلى ارتفاع درجات الحرارة من خلال الاستفادة من تحليل البيانات الضخمة.
ويتم ذلك من خلال تحليل البيانات الضخمة التى يمكن الحصول عليها من أماكن رصد درجات الحرارة المختلفة الموجودة بالمدينة، وربطها بعملية إدارة الحشود والتكدسات البشرية، وربطها كذلك مع مناطق الصناعات التى ينجم عنها ارتفاع فى درجات الحرارة، وربط كل هذه البيانات مع بيانات حالة الطقس والرطوبة فى الجو. ومع تداخل تلك البيانات وتحليلها مع نظيرتها الواردة من صور الأقمار الصناعية حول حالات التصحر والجفاف والفيضانات واندلاع الحرائق والكوارث الطبيعية، فإن ذلك يساهم فى التوقع بمشكلات التغيرات المناخية مستقبلا، وتقديم صورة واقعية عن العوامل التى يمكن التحكم فيها لتحسين حالة الطقس.
كما يمكن استخدام التكنولوجيا أيضا فى عمليات توليد المطر أو ما يُطلق عليه «الاستمطار»، من خلال استخدام أشعة الليزر الموجهة إلى السحب أو من خلال اختراق طائرات صغيرة السحب، وإطلاق عشرات المشاعل المُحملة بجزيئات صغيرة جدا من كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم لتلقيح السحب، بهدف زيادة كميات المياه بداخلها وتحفيزها لزيادة المطر.
4ــ التغلب على النفايات التكنولوجية:
على الرغم من المميزات المتعددة التى توفرها التقنيات الذكية بما يساهم فى الحد من الانبعاثات الضارة، وتحسين حالة الطقس، والحفاظ على البيئة؛ فإن إحدى المشكلات الرئيسية التى تؤثر سلبيا على البيئة هى المخلفات والنفايات التكنولوجية، فضلا عن التقنيات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل العملات المشيفرة.
وقد اتخذت شركات التكنولوجية وحكومات بعض الدول إجراءات حثيثة تجاه الحد من المخلفات التكنولوجية. فمثلا، تعمل شركة «آبل» على أن تكون جميع منتجاتها خالية من البلاستيك بحلول عام 2025، كما قامت باستخدام الألومنيوم المُعاد استخدامه بنسبة 100% فى جميع أجهزتها، وتضع خطة لتكون عملية تصنيع منتجاتها خالية من الكربون بحلول عام 2030.
أيضا، قامت شركة HP بخفض انبعاثاتها الكربونية بمقدار الثُلث، وأعادت استخدام 30٪ من البلاستيك فى طابعاتها. وبالنسبة لشركة «مايكروسوفت»، فإنه بحلول عام 2023 سوف يكون 70% من مراكز البيانات التابعة لها تستخدم الطاقة النظيفة، لتكون شركة خالية تماما من أى انبعاثات كربونية بحلول عام 2030.
وفى النهاية، يمكن القول إن إحدى أهم المميزات التى تقدمها التقنيات الذكية هو حسن إدارة الموارد المتاحة، وخاصة الموارد النادرة، وتشمل الأراضى ومصادر الطاقة والمياه والموارد الطبيعية. فعلى سبيل المثال، يمكن من خلال استخدام التقنيات الذكية تقديم حلول للاستغلال الأمثل للمساحات من خلال مراعاة تصميم المبانى بحيث يكون مُوفرا للطاقة، وبناء مواقف سيارات ذكية لتستوعب أكبر قدر ممكن المركبات، وتصميم الطرقات لكى تراعى تحقيق السيولة المرورية، وهو ما قد يؤدى إلى الحفاظ على البيئة والحد من التغيرات المناخية.