أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

تحركات حذرة:

هل تنجح المبادرة الأوروبية الجديدة في إنقاذ الاتفاق النووي؟

19 مارس، 2018


 يواجه استمرار العمل بالاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، تحديات عديدة خلال الفترة الحالية، باتت تفرض مسارات متعددة ومتناقضة يمكن أن يتجه إلى أحدها بعد انتهاء المهلة التي حددتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أن تصدر قرارًا جديدًا فيما يتصل بمواصلة تعليق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران أو إعادة تفعيلها من جديد، في 12 مايو القادم.

ومن هنا، تدرك كل القوى المعنية بالاتفاق، وبصفة خاصة الحريصة على استمراره، أن الفترة القادمة التي سوف تسبق انتهاء هذه المهلة سوف تكون الأصعب بالنسبة لها، خاصة في ظل العقبات العديدة التي قد تحول دون نجاح جهودها في إقناع كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية بضرورة إبداء مرونة نسبية في مواقفهما بشكل قد يساعد على الوصول إلى محاور توافق مشتركة، تمهد المجال أمام عدم انسحاب واشنطن من الاتفاق.

 وفي هذا السياق، كان لافتًا ظهور أفكار ومبادرات أوروبية جديدة قبيل عقد اجتماع للجنة المشتركة الخاصة بالاتفاق في فيينا، في 16 مارس الجاري، بالتوازي مع تلميحات بعض الدول بفرض عقوبات اقتصادية على إيران، تمثل أبرزها في تحديد فترة زمنية للعمل بالاتفاق النووي الحالي، مع التزام كل الأطراف بإعادة إجراء مفاوضات جديدة قبيل انتهاءها للوصول إلى اتفاق آخر يحظى بقبول من جانبها ويعالج الإشكاليات العديدة التي يتضمنها الاتفاق الحالي. وحددت الأطراف التي تبنت تلك المبادرة هذه الفترة بثماني أعوام، تبدأ منذ الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق، أى في 14 يوليو 2015، وتنتهي في 13 يوليو 2023.  

أهداف متعددة:

يمكن القول إن الأهداف التي تسعى هذه المبادرة إلى تحقيقها لا تنحصر في مجرد تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي فحسب، بل تتجاوز ذلك بشكل كبير، وتمتد إلى دعم الجهود المبذولة للوصول إلى تسويات لأزمات إقليمية ودولية أخرى، وتجنب مواجهة استحقاقات أكثر صعوبة في حالة إخفاق الرهان على الصفقة النووية التي أبرمت مع إيران منذ أكثر من عامين ورفعت بمقتضاها العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على الأخيرة.

 فوفقًا لتلك الرؤية، فإن انهيار الاتفاق سوف يدعم احتمالات اندلاع أزمة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن إيران سوف تتجه مرة أخرى إلى إعادة رفع مستوى قدراتها النووية، وهو ما بدأت في التلويح له منذ إعلان الإدارة الأمريكية عن إمكانية انسحابها من الاتفاق.

 وقد تمثل آخر التحذيرات التي وجهتها إيران في هذا السياق في التصريحات التي أدلى بها مساعد وزير الخارجية للشئون السياسية والعضو البارز في وفد التفاوض النووي عباس عراقجي، في 14 مارس الجاري.

 فقد قال عراقجي أمام لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى التي عقدت اجتماعًا لدراسة ملفات عديدة منها تأثير إقالة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون على الاتفاق النووي ومحاولة اقتحام السفارة الأمريكية في لندن، أن أمام إيران خيارين للتعامل مع الانسحاب الأمريكي المحتمل، هما إما مواصلة العمل بالاتفاق مع الأطراف الأخرى، وهى الدول الأوروبية وروسيا والصين، أو تبني النهج الأمريكي ذاته والانسحاب من الاتفاق، إلا أنه أشار إلى أن الاحتمال الثاني هو الأقرب، باعتبار أن الانسحاب الأمريكي سوف يقلص إلى حد كبير من العوائد الاقتصادية للاتفاق حتى لو استمرت الأطراف الأخرى في مواصلة العمل به.

وسبق أن ادعت إيران، في مناسبات مختلفة، أن الولايات المتحدة الأمريكية تضع عقبات أمام الشركات الأجنبية التي ترغب في دخول السوق الإيرانية وإبرام صفقات اقتصادية مع شركات إيرانية، بشكل دفع العديد منها إلى تجنب اتخاذ خطوات فعلية في هذا السياق. بل إنها حاولت إقناع الدول الأوروبية بضرورة ممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية من أجل التوقف عن ذلك.   

ومن دون شك، فإن احتمال إقدام إيران على تبني خطوة عدم استكمال العمل بالاتفاق، أو على الأقل الاستعداد لها من الآن، قد يتزايد بعد تعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو في منصب وزير الخارجية، وهو قرار اعتبرت إيران أنه يمهد للانسحاب الأمريكي، في ظل التقارب الملحوظ في المواقف التي يتبناها الرئيس ووزير الخارجية الجديد فيما يتعلق بالاتفاق النووي والملفات الأخرى الخلافية مع إيران، على غرار برنامج الصواريخ الباليستية والتدخل في الأزمات الإقليمية المختلفة ودعم التنظيمات الإرهابية والمسلحة.

الملف الكوري:

 فضلاً عن ذلك، فإن مثل تلك الأفكار تهدف إلى دعم فرص تكرار المقاربة نفسها في التعامل مع أزمات دولية أخرى، على غرار أزمة كوريا الشمالية، خاصة بعد الإعلان عن إمكانية عقد لقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في مايو القادم، لاستشراف إمكانية الوصول إلى تسويات للخلافات العالقة بين الطرفين.

وهنا، فإن الأطراف التي تتبنى تلك المقاربة ترى أن أى إخفاق في الاتفاق النووي يمكن أن يفرض تداعيات سلبية على الملفات الدولية الأخرى، خاصة أن كوريا الشمالية سوف تعتبره مؤشرًا على عدم جدوى الخيار الدبلوماسي في تسوية تلك الخلافات، بما يمكن أن يقلص من احتمالات عقد هذا اللقاء في الأساس.

عقبات محتملة:

مع ذلك، فإن مثل هذه الأفكار قد لا تنجح في تحقيق أهدافها. إذ ما زالت إيران والولايات المتحدة الأمريكية مصرتين على الاستمرار في تبني المواقف نفسها إزاء الاتفاق بشكل وضع الجهود التي تبذلها الدول الأوروبية أمام خيارات صعبة بالفعل.

فضلاً عن أن تلك المبادرة لم توضح الموقف من القضايا العالقة التي تحظى باهتمام خاص من جانب الطرفين، وخاصة برنامج الصواريخ الباليستية، الذي سترفع بعض القيود الخاصة بتطويره في غضون ثماني أعوام من الوصول للاتفاق، وهو مكسب سوف تصر إيران على الاحتفاظ به دون المغامرة بإجراء مفاوضات جديدة قد تنجح الأطراف الأخرى في انتزاعه منها.

 وبعبارة أخرى، فإن إيران، وتحديدًا حكومة الرئيس حسن روحاني، ترى أن القيود التي سوف ترفع على بعض الأنشطة الصاروخية والنووية في غضون ثماني وعشرة أعوام من الوصول للاتفاق، كانت إحدى المبررات التي استندت إليها في تمريره داخليًا والتغلب على العقبات العديدة التي وضعتها بعض المؤسسات النافذة في النظام، وعلى رأسها الحرس الثوري، من أجل عدم الموافقة عليه.

 كما أن اتجاهات عديدة داخل إيران ترى أن أى استجابة محتملة من جانبها لهذه المبادرة يمكن قراءتها على أنها مؤشر ضعف من جانبها، بشكل قد يدفع الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الأطراف الأخرى إلى ممارسة ضغوط قوية للحصول على أكبر قدر من التنازلات من إيران لتعزيز فرص استمرار الاتفاق النووي.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن إيران لن تتجاوب مع مثل تلك المبادرات، باعتبار أنها لن تحقق الأهداف التي تتوخاها من مواصلة العمل بالاتفاق النووي، بشكل قد يدفعها إلى توجيه مزيد من الرسائل التصعيدية خلال المرحلة القادمة استعدادًا للانسحاب الأمريكي المحتمل منه.