أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

"جيل الألفية":

التوجهات الخارجية للرئيس الأمريكي القادم

13 أغسطس، 2015


إعداد: باسم راشد


يمثل "جيل الألفية" (أي الرجال والنساء البالغون، والذين ولدوا في الفترة  ما بين عامي 1980 و1997) ربع سكان الولايات المتحدة، حيث يبلغ عددهم حوالي 87 مليون نسمة، وبنسبة تفوق الأجيال السابقة. هذا الجيل الذي يعد أكثر استخداماً للتكنولوجيا الحديثة له توجهات مميزة تجاه قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، بما جعل حدود نفوذه وتأثيره في صنع تلك السياسة يتزايد بمرور الوقت، وينذر بحدوث تغييرات مهمة في طبيعة السياسة الأمريكية، وهو ما يتعين أن يُؤخذ في الاعتبار من جانب الرئيس الأمريكي القادم في انتخابات 2016.

في هذا الإطار، نشر معهد كاتو (CATO Institute) دراسة تحت عنوان: "أجيال الألفية والسياسة الخارجية الأمريكية.. توجهات الجيل الجديد نحو السياسة الخارجية والحرب، ولماذا تُعد تلك التوجهات مهمة؟"، والتي أعدها كل من "تريفور ثرال" A. Trevor Thrall ، وهو باحث مساعد في معهد كاتو،  و"إيريك جويبنر" Erik Goepner ، ضابط متقاعد في سلاح الجو الأمريكي وباحث دكتوراه في السياسة العامة بجامعة جورج ميسون الأمريكية. وتناولا فيها مدى أهمية آراء "جيل الألفية" ولماذا يجب الاهتمام بها؟ مع توضيح طبيعة توجهاتهم نحو قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً قضايا الحرب والإرهاب.

جيل الألفية.. من هو؟

تشير الدراسة إلى أن هناك عدداً من الخصائص تُميز جيل الألفية عن الأجيال السابقة داخل المجتمع الأمريكي؛ أبرزها أنه جيل "أكثر حرية، وأكثر تنوعا عرقياً، وأكثر اعتماداً على التكنولوجيا، وأكثر دعماً للسياسات الحكومية في حل المشكلات، وأخيراً أفضل تعليماً على مدار تاريخ الولايات المتحدة".

هذا الجيل أكثر حرية من الأجيال السابقة لكونه أكثر تأييداً لقضايا مثل الزواج المِثلي، وكذلك دعمه للرئيس "باراك أوباما" في انتخابات 2008، وهو أول رئيس أمريكي من أصل أسود، وهو ما يعد تطوراً هاماً في نظرة هذا الجيل للحرية ومحدداتها على عكس الأجيال السابقة.

وهذا الجيل أكثر اعتماداً على التكنولوجيا الحديثة، حيث يقضي ما يقرب من 18 ساعة يومياً في استهلاك الإعلام بأشكاله المختلفة، بما جعله أكثر تواصلاً وتفاعلاً، وأتاح له فرصاً جديدة للحصول على المعلومات. وفي الوقت ذاته نحَّى جانبا ًالتليفزيون والإعلام المطبوع، وزاد من الاعتماد على الإنترنت؛ إذ تمثل مواقع "ياهو وجوجل وسي إن إن" المصادر الأولية للأخبار لما يقرب من 48% من "جيل الألفية".

وأخيراً، هو جيل أقل تشكيكاً في فاعلية السياسات الحكومية على عكس الأجيال السابقة التي كانت دوماً تطالب بفاعلية أكثر في الأداء الحكومي، حيث تبدو ثقتهم كبيرة في أن السياسات الحكومية المُتَّبعة ستؤدي إلى حل المشكلات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع الأمريكي.

"جيل الألفية" وقضايا السياسة الخارجية الأمريكية

تشير الدراسة إلى أنه يمكن النظر لتوجهات "جيل الألفية" نحو قضايا السياسة الخارجية الأمريكية من منطلقين أساسيين؛ أولهما الأحداث التي بدأت أو وقعت قبل أن يصل هذا الجيل لسن البلوغ. وتتضمن تلك الأحداث (انتهاء الحرب الباردة، وتطور توزيع القوة في النظام العالمي، وتطور شبكة الإنترنت، والنمو المتسارع للعولمة).

أما المنطلق الثاني فيتعلق بالأحداث الرئيسية التي وقعت حتى الآن في المرحلة الحرجة التي عايشها أبناء هذا الجيل، والتي تتراوح ما بين سني 14-24 سنة، والتي كانوا فيها أكثر عُرضةً للتأثيرات الاجتماعية الناتجة عنها. وتتضمن تلك الأحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر والحرب على أفغانستان والعراق.

ويمكن القول إن المنطلق الثاني هو الأكثر تأثيراً في تشكيل توجهات هذا الجيل نحو قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً أحداث 11 سبتمبر ورد الفعل الأمريكي عليها، والتي غيَّرت من أفكار ذلك الجيل وجعلته مختلفاً عن الأجيال السابقة في نظرتهم للأمن القومي والحرب في المستقبل.

وقد ركزت الدراسة على توضيح تداعيات تأثير انتهاء الحرب الباردة من ناحية، وأحداث 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب من ناحية ثانية، على تشكيل توجهات "جيل الألفية"؛ وذلك كالتالي:ـ

أولاً- تداعيات انتهاء الحرب الباردة: يمكن رصد ثلاثة ملامح رئيسية لتوجهات "جيل الألفية" جرَّاء انتهاء تلك الحرب، وهي:ـ

1- "جيل الألفية" ببساطة هو أقل قلقاً من الأجيال السابقة فيما يتعلق باعتبار كل تهديد بأنه "حرج"، باستثناء التغير المناخي، ويمكن قياس هذا الأمر أيضاً على تهديد الإرهاب العالمي، والذي يعد أكثر التهديدات وضوحاً في المرحلة الحرجة التي يمر بها "جيل الألفية".

2- "جيل الألفية" يعد أكثر تفاؤلاً في النظر إلى التوزيع الجديد للقوى الكبرى والصعود الصيني في النظام الدولي، حيث لا يشعر بأن الصين تمثل تهديداً للولايات المتحدة، سواء من الناحية الاقتصادية أو العسكرية؛ فنسبة 36% فقط من هذا الجيل يرون في الصعود الصيني تهديداً حرجاً لواشنطن مقارنةً بنسبة 45% من الأجيال الأخرى. أما من الناحية الاقتصادية، فيرى نصف "جيل الألفية" أن بكين تقوم بأنشطة غير عادلة مقارنةً بنسبة الثلثين في الأجيال السابقة. ونتيجة لذلك، يدعم هذا الجيل فكرة التعاون مع الصين بدلاً من الصراع معها، وينتقد توسع الحضور العسكري الأمريكي في آسيا.

3- ما يميز "جيل الألفية" هو غياب تهديد خارجي موَّحد، ونتيجة لذلك هم أقل الأجيال التي خدمت في القوات المسلحة، ويعود الفضل في ذلك إلى تخفيض عدد القوى العاملة في الجيش الأمريكي بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث بلغت نسبة الذين خدموا في الجيش الأمريكي من جيل الألفية 2%.

ثانياً- تداعيات أحداث 11 سبتمبر: والتي كان لها تأثيرات كبيرة وهامة على "جيل الألفية" وعلى نظرتهم للسياسة الخارجية الأمريكية. وفي هذا الصدد يمكن القول إن هناك افتراضين أساسيين لتفسير هذه التداعيات على نظرة هذا الجيل لتلك الأحداث؛ وهما:ـ

1- الافتراض الأول: أن "جيل الألفية" سيرى أحداث 11 سبتمبر باعبتارها دليلاً على الحاجة الماسة لإعطاء مزيد من التركيز والاهتمام بالإرهاب، ومن ثم سيكونون أكثر تأييداً لسبل مكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي للدولة مهما كانت التكلفة.

2- الافتراض الثاني: على النقيض من الأول، حيث سيرى "جيل الألفية" تلك الأحداث كونها انعكاس لعدم الرضاء العالمي على سياسات الولايات المتحدة، ومن ثم لابد من حث القيادات العسكرية على إعادة النظر في تلك السياسات.

وتشير الدراسة إلى أن غالبية استطلاعات الرأي التي أُجريت على أبناء هذا الجيل تدعم الافتراض الثاني، حيث تصل نسبة المؤيدين لفكرة أن سياسات الولايات المتحدة هي التي أدت إلى أحداث 11 سبتمبر إلى 53%، مقارنةً بالأجيال السابقة والتي تنخفض نسبة تأييدهم لهذه الفكرة إلى أقل من النصف، بالإضافة إلى "جيل الألفية" هو أقل الأجيال اهتماماً بالإرهاب العالمي، وأقلهم تأييداً أيضاً للإنفاق على استراتيجيات لمكافحة الإرهاب.

ثالثاً- الحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق: والتي أثرت بشكل كبير في توجهات "جيل الألفية" من حيث تعريفهم للحروب، ويمكن رصد متغيرين مهمين لتلك الحروب على أفكار هذا الجيل وتوجهاته:ـ

1- أصبحت الحرب على العراق وأفغانستان هي المقياس الأساسي للحروب بالنسبة لـ"جيل الألفية"، ومن ثم سيكون الحكم على الحروب المستقبلية ناتج من كونها شبيهة بتلك الحروب أم لا، كما أنها في الوقت ذاته ستحظى بدعم أقل، خاصةً وأن الحرب على العراق كانت – من وجهة نظر هذا الجيل – خطأ لا يستحق القتال.

2- ساهمت تلك الحروب في رفض غالبية أبناء هذا الجيل لاستخدام القوة المسلحة في حل المشكلات الدولية، حيث خلقت حرب العراق داخلهم نوعاً من النفور من الحروب أو ما يمكن تسميته بـ"متلازمة حرب العراق"، لكنهم على العكس يدعمون فكرة التعاون المشترك والمساهمة في الاتفاقيات الدولية وتقوية الأمم المتحدة بهدف حل المشكلات بشكل جماعي بدلاً من الدخول في حروب مسلحة، مع الأخذ في الاعتبار مصالح الدول الحلفاء، بل وتغليبها أحياناً على مصالح الولايات المتحدة في حالة رفض تلك الدول لبعض السياسات الأمريكية التي لا تخدم مصالحهم.

السياسة الخارجية في عهد "جيل الألفية"

يشير علماء الاجتماع إلى أن تلك الأجيال تعمد إلى تحقيق ما يطلق عليه "تأثير الجماعة" Cohort Effect، وذلك فيما يتعلق بأمور السياسة الخارجية الأمريكية، خاصةً أن ذلك الجيل يمثل نسبة كبيرة لا يُستهان بها من الرأي العام الأمريكي، ومن ثم أصبح على كل إدارة أمريكية أن تضع نُصب أعينها طبيعة توجهاتهم وآرائهم نحو قضايا السياسة الخارجية.

وفي هذا الإطار، فإن توجهات ذلك الجيل أصبحت محط اهتمام صانع القرار الأمريكي، خاصةً في الوقت الحالي الذي يدور فيه الجدال حول الاستراتيجية الأمريكية الكبرى للسياسة الخارجية والأمن القومي. ويمكن القول إن توجهات "جيل الألفية" في مُجملها تدفع نحو اتباع استراتيجية أكثر تحفظاً، وأقل اعتماداً على استخدام القوة المسلحة بشكل فردي فيما يتعلق بالمشكلات الدولية، كما تدفع أيضاً إلى دعم المشاريع التعاونية مع الحلفاء.

من الناحية العسكرية، يؤيد هذا الجيل فكرة الاتجاه المحافظ وعدم استخدام القوة المسلحة في حل المشكلات نتيجة لما حدث في حرب العراق وأفغانستان، والتي أثبتت استطلاعات الرأي رفضهم لهما، وهو ما قد يُقيِّد سلوك الولايات المتحدة الخارجي ويحد من قدراتها على مواجهة تنظيم "داعش" في الشام والعراق أو حتى في النزاعات الدائرة في الشرق الأوسط. بيد أن هذا الجيل يدعم في الوقت ذاته استخدام القوة المسلحة خارجياً لمنع الأزمات الإنسانية مثل التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية وغيرها.

ومن الناحية الاقتصادية، يشجع هذا الجيل الولايات المتحدة على الانخراط في مزيد من التعاون مع المؤسسات الدولية في الموضوعات الاقتصادية والبيئية، خاصةً في آسيا، والتي يعتبرونها أكثر الأقاليم أهمية في العالم خلال القرن الـ21، وبالتحديد الصين التي يدفع "جيل الألفية" السياسة الخارجية الأمريكية لكي تكون أكثر تعاونية مع الصعود الصيني بدلاً تشجيع التنافس فيما بينهما.

وقد طرح الكاتبان في نهاية دراستهما لتوجهات جيل الألفية نحو السياسة الخارجية الأمريكية، ثلاثة مقترحات غاية في الأهمية لأي رئيس أمريكي قادم يسعى للحصول على أصوات أبناء هذا الجيل في الانتخابات الرئاسية 2016، وهي كالتالي:ـ

1- تعامل بحرية في انتقادك للسياسة الخارجية للرئيس "باراك أوباما"؛ حتى مع العلم بأن أكثر مؤيديه هم من "جيل الألفية"، وذلك لكون ما يقرب من 50% من هذا الجيل فقد ثقتته في وجود خطة واضحة لإدارة "أوباما" في التعاطي مع التحديات التي تواجه الولايات المتحدة، فيما يؤيده فقط ما يقرب من 39% من هذا الجيل.

2- تجنب تقديم الحلول التي تعتمد بالأساس على الولايات المتحدة، للمشكلات المختلفة المتنامية في العالم، مثل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم "داعش"، لأنه ورغم رغبة "جيل الألفية" في محاربة هذا التهديد الإرهابي كأي مواطنين أمريكيين، فإن الفشل في التعامل معها سيدفع هذا الجيل للتفكير في تداعيات حرب العراق ومن ثم يمكن التركيز أكبر على الحلول الجماعية.

3- أوقِف الحديث عن الحرب الباردة، مهما كانت أهمية ذلك، لأنه يعني - بالنسبة لهذا الجيل - أننا مازلنا عالقين في الماضي، بل الأجدى أن يتحدث الرئيس عن كيف يمكن أن تلعب الولايات المتحدة دوراً بنَّاءً في حل الأزمات الدولية من خلال التعاون الدولي المشترك بدلاً من العمل العسكري أُحادي الجانب.


* عرض مُوجز لدراسة: "أجيال الألفية والسياسة الخارجية الأمريكية.. توجهات الجيل الجديد نحو السياسة الخارجية والحرب، ولماذا تُعد تلك التوجهات مهمة؟"، والصادرة عن "معهد كاتو" الأمريكي في يونيو 2015.

المصدر:

A.Trevor Thrall and Erik Goepner, “Millenials and U.S. Foreign Policy: The Next Generation’s Attitude toward Foreign Policy and War (and why they matter), (Washington, CATO Institute, June 2015).