أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

تقويض الرئيس:

هل يسعى الجمهوريون لعزل بايدن قبل انتخابات 2024؟

22 نوفمبر، 2022


أجريت انتخابات التجديد النصفي في الثامن من نوفمبر 2022. وحقق الحزب الديمقراطي الفوز بالأغلبية في مجلس الشيوخ، بينما حقق الجمهوريون الأغلبية في مجلس النواب، وذلك لتبدأ فترة تعرف باسم "البطة العرجاء"، أي افتقاد إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن الدعم البرلماني الكافي لإدارة البلاد. 

وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى عدد من التداعيات المترتبة على فوز الجمهوريين بأغلبية في مجلس النواب، وذلك على النحو التالي:  

1- عرقلة الأجندة التشريعية لبايدن: أعلن الجمهوريون أنهم في حال فوزهم بالأغلبية في مجلس النواب، سيقومون بإجراء تحقيقات مع إدارة بايدن، وربما قد تصل إلى إطلاق إجراءات لعزله. ويسعى الجمهوريون من وراء ذلك إلى تحقيق هدفين رئيسيين. أولهما، يتمثل في الانتقام من الديمقراطيين، والذين قاموا بإثارة قضيتين لترامب في محاولة لحرمانه من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، أو الانتقاص من شعبيته، على أقل تقدير. إحداهما تتعلق باتهامه بالتورط في التحريض على الهجوم على مبنى الكبيتول هيل في يناير 2022، والأخرى تتعلق باحتفاظه بوثائق خطيرة تمس الأمن القومي الأمريكي في مقر إقامته "مار-أيه-لاجو" بعد انتهاء فترة ولايته. 

كما أعلن المدعي العام الأمريكي، ميريك جارلاند، في 18 نوفمبر، تعيين محقق خاص لمتابعة قضية احتفاظ الرئيس السابق دونالد ترامب بوثائق سرية، أي بعد إعلان ترامب نيته الترشح بيومين، وهي الخطوة التي اعتبرها ترامب "مسيسة"، خاصة أن المحقق سوف يحقق في القضيتين التي أثارها الديمقراطيون ضد ترامب، سواء تعلق ذلك باقتحام مبنى الكبيتول هيل، أو الاحتفاظ بوثائق مصنفة كـ "سرية للغاية". 

ويتمثل ثاني الأهداف التي يسعى الجمهوريون لتحقيقها من وراء التحقيق مع إدارة بايدن، في كشف الفساد المحتمل لإدارة بايدن، إذ أكد الجمهوريين أنهم سوف يركزون على قضايا المعاملات التجارية لهانتر ابن بايدن، ومدى استغلاله لنفوذ والده في إتمام صفقات تجارية. كما قد يشكك الجمهوريون في أهلية الرئيس بايدن على الحكم في ضوء ذلات لسانه وتشتت تفكيره.

ويسعى الجمهوريون من وراء ذلك إلى تكرار "سيناريو هيلاري كلينتون في عام 2016"، حينما شكل الجمهوريون لجنة بنغازي في الكونجرس، وذلك للتحقيق معها على مدار عامين حول الهجومين اللذين استهدفا المجمع الدبلوماسي الأمريكي في بنغازي في شرق ليبيا، يوم 11 سبتمبر 2012، والذي أسفر عن مقتل السفير الأمريكي، كريس ستيفنز، وموظف دبلوماسي وأمريكيين يعملان في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وذلك أثناء تولي كلينتون منصب وزيرة الخارجية. ووجه لها الجمهوريون انتقادات حادة أثناء استجوابها، وهو الأمر الذي انتقص من شعبيتها، على نحو ما اعترف به مكارثي ذاته في حديثه لقناة فوكس نيوز الأمريكية في 2015، حينما أكدت أن لجنة بنغازي انتقصت من شعبية كلينتون، وربما مثّل ذلك أحد العوامل التي أدت إلى هزيمتها في الانتخابات الرئاسية أمام ترامب في 2016. 

وفي المقابل، يستعد الديمقراطيون لاستجواب الجمهوريين جيداً، وذلك عبر إطلاق "مشروع نزاهة الكونجرس"، والذي سوف يكون بمنزلة "غرفة حرب" يسعى من خلالها الديمقراطيون إلى التحقيق في دوافع تحقيقات الجمهوريين ضد إدارة بايدن للتأكيد على أنها ذات دوافع سياسية، وأنها تصرف الانتباه عن القضايا الأكثر أهمية للناخب الأمريكي، لصالح تصفية الحسابات مع الديمقراطيين، بالإضافة إلى محاولة تصويرها على أنها تبديد للموارد المالية للكونجرس، وذلك في مسعى من الديمقراطيين للتأثير سلباً على شعبية الجمهوريين بحلول انتخابات 2024، ومن ثم تكرار سيناريو انتخابات التجديد النصفي لعام 1998، حينما ترجم إخفاق الجمهوريين في عزل الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، إلى انتصار كبير للديمقراطيين في هذه الانتخابات، وهو أمر يأمل الديمقراطيون في تكراره في انتخابات 2024 القادمة. 

2- تضرر محتمل للاقتصاد الأمريكي: تشير المؤشرات الأولية إلى إخفاق الرئيس بايدن في رفع سقف الدين العام المقدر بحوالي 31.4 تريليون دولار قبل بداية العام الجديد، أي قبل أن يتولى المجلس النواب الجديد التوجهات الجمهورية ذاتها. ويرجع السبب في ذلك إلى رفض عضو الشيوخ الديمقراطي جو مانشين ذلك، كما قد يكون هناك رافضان آخران داخل الحزب الديمقراطي لهذا الأمر. وأكد زعيم الأغلبية الديمقراطي في الشيوخ، تشاك شومر، أنه يسعى إلى الحصول على إجماع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على رفع سقف الدين العام. 

وتسود مخاوف أن يرفض الجمهوريون ذلك الأمر، وأن يتحول الأمر إلى مواجهة بين بايدن ومجلس النواب المسيطر عليه من الجمهوريين، والذين قد يسعون إلى انتزاع تنازلات من بايدن قبل الموافقة على زيادة سقف الدين العام، ومن ثم التأثير على سياساته الداخلية. وفي المقابل، فإن بايدن قد يعمد إلى إلقاء اللوم على الجمهوريين في ذلك، نظراً لأن هذا الأمر سوف يكون له تداعيات اقتصادية غير هينة، إذ إن الإخفاق في رفع سقف الدين العام قد يؤدي إلى أول تخلف في تاريخ الولايات المتحدة عن سداد ديونها، وهو ما قد يؤدي إلى هز الأسواق بعنف، وينذر بدخول الولايات المتحدة إلى حالة ركود اقتصادي عميق.

وسبق أن حدث مثل هذا الأمر في عام 2011، في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهو ما أدى إلى قيام مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية بخفض الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة من وضع "آيه آيه آيه"، وذلك لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدي إلى اضطراب أسواق المال في وال ستريت، كما قد تضرر شيكات الضمان الاجتماعي لنحو 50 مليون مسن، وقد تتوقف رواتب العاملين في الحكومة.

3- دخول ترامب سباق الرئاسة في 2024: على الرغم من الانتكاسة التي تعرض لها بعض المرشحين الجمهوريين المحسوبين على ترامب، فإن ذلك لم يمثل نهاية لطموح الأخير في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، فقد قدم ترامب أوراق ترشحه لهيئة الانتخابات الفيدرالية في 16 نوفمبر 2022، مؤكداً أنه يريد منع حصول بايدن على ولاية رئاسية جديدة. وعلى الرغم من أن بعض مساعديه طالبوا بعدم الترشح انتظاراً لإعادة انتخابات مقعد مجلس الشيوخ في جورجيا في ديسمبر 2022، غير أنه لم يقتنع بذلك الرأي، بل وأصر أن ترشحه سوف يدعم فوز المرشح الجمهوري، هيرشر والكر، في انتخابات جورجيا. 

وعلى الرغم من أن حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري رون دي سانتيس قد حقق نجاحاً في انتخابات حاكم ولاية فلوريدا في مواجهة الديمقراطيين، فإنه من الملاحظ أن الولاية لا تعد ولاية متأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين، بل تعد أكثر ولاءً للجمهوريين، فلم ينجح الديمقراطيين في الحصول على منصب حاكم الولاية منذ تسعينيات القرن العشرين، كما أن ترامب فاز بأصوات الولاية مرتين، سواء في انتخابات الرئاسة في 2016، أو في انتخابات 2020، والتي خسرها. 

ومن جهة أخرى، فإن دي سانتيس لا يختلف كثيراً عن التوجهات الشعبوية لترامب، فقد نشرت زوجته كيسي دي سانتيس فيديو قالت فيه إن الله لا يدعمه فقط في الانتخابات، ولكن أعده كمحارب لإنقاذ أمريكا من الهيستريا. وفي حين أعلن ترامب ترشحه للانتخابات رسمياً، فإن دي سانتيس لم يعلن ذلك بعد، بل أن ترامب حذر دي سانتيس من الترشح لانتخابات 2024، قائلاً إن ذلك سيضر بالحزب الجمهوري. وفي المقابل، فإن دي سانتيس لايزال ممتنعاً عن انتقاد ترامب لتجنب تنفير قاعدة الحزب، أو إحداث انقسام في الحزب، بما يصب في النهاية في مصلحة الديمقراطيين. 

ووجد استطلاع للرأي أجري قبل انتخابات التجديد النصفي، وتحديداً في الفترة من 2 إلى 7 نوفمبر أن 48٪ من الناخبين الجمهوريين الأساسيين المحتملين سيدعمون ترامب إذا أجريت الانتخابات التمهيدية في 7 نوفمبر، مقابل 26٪ دعموا دي سانتيس، و26٪ يريدون التصويت لشخص آخر. وقد تطرأ تغيرات على هذا الوضع بعد الانتخابات، خاصة إذا ما أقدم دي سانتيس على ترشيح نفسه رسمياً.  

وفوق ما سبق، فإنه لا يمكن الاستهانة بنقاط قوة ترامب، إذ إن لديه فهماً عميقاً للقضايا المهمة للمحافظين الذين يمثلون جزءاً مهماً من القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري، خاصة فيما يتعلق بمواقفهم تجاه قضايا مثل الهجرة والجريمة. ويمكن أن يؤدي أسلوبه غير المتوقع وهجومه اللاذع إلى تغطية إخبارية وحرمان منافسيه من الأضواء. كما أن لديه قاعدة من المؤيدين المخلصين. وأخيراً، يشغل العديد من المؤيدين له مناصب مهمة داخل الحزب الجمهوري.

وأخيراً، فإن الرواية القائلة إن ترامب أحد الأسباب الرئيسية وراء فشل الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي، وأنه ينحدر بحزبه، تعكس وجهة نظر الإعلام الديمقراطي، والذي يرغب في إقصاء ترامب، ولذلك، لا يكمن دعم الاستنتاج المتسرع القائل بتلاشي شعبيته بعد هذه الانتخابات، خاصة أنه لا يمكن الاستناد فقط على فرضية وحيدة وهي خسارة بعض الموالين له أمام مرشحين ديمقراطيين، خاصة أن هناك آخرين فازوا بالفعل في مواجهة الديمقراطيين. 

4- غياب الإجماع داخل واشنطن: بات من الواضح أن الانقسامات بين الجمهوريين والديمقراطيين لم تعد قاصرة على أبعاد السياسة الداخلية، ولكنها تمتد كذلك إلى السياسة الخارجية، خاصة مع بروز توجهات من جانب الجمهوريين لمراجعة الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وهو ما اتضح في أكثر من تصريح عبّر عنه الجمهوريون. فقد أكدت النائبة الجمهورية والمقربة من ترامب، ماجوري تايلور، أنه لن يتم تخصيص أي قرش لأوكرانيا مؤكداً أن بلادها سوف تجيء "أولاً"، بينما أكد كيفين مكارثي، زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، أن الكونجرس تحت سيطرة حزبه لن يقدم شيكاً على بياض لأوكرانيا.  

ويلاحظ أن تصاعد الانتقاد للدعم الأمريكي الواسع لأوكرانيا بدأ يتردد في داخل الإدارة الأمريكية نفسها، وهو ما كشفت عنه تصريحات مارك ميلي، رئيس أركان الجيش الأمريكي، والذي أكد ضرورة إجراء مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لاستحالة هزيمة روسيا في أوكرانيا، وهو ما مثّل خروجاً عن موقف البيت الأبيض الرسمي، كما أن مثل هذا التصريح سيزيد من تشكيك الجمهوريين في جدوى توفير كل هذه المبالغ، إذا كان من المستحيل في النهاية هزيمة روسيا. 

ولكن على المستوى الاستراتيجي، فإن مثل هذا الموقف سوف يعكس غياب الإجماع بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة حول قضايا السياسة الخارجية، بما يحمله ذلك من فرص، أو تحديات. وقد أكد هذا المعنى رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، والذي أكد في 11 أكتوبر 2022، "أن الأمل في السلام (في أوكرانيا) يعني ترامب"، غير أنه في المقابل، فإن هذا الموقف سيثير مخاوف دول شرق أوروبا، والتي ترغب في هزيمة موسكو في أوكرانيا، أو حتى تفكيك الدولة الروسية لإزالة ما تعتبره تهديداً لأمنها من موسكو.

وفي الختام، كشفت انتخابات التجديد النصفية الأمريكية عن إمكانية نجاح الجمهوريين في ممارسة ضغط شديد على توجهات إدارة بايدن، الداخلية والخارجية، خاصة مع اتجاههم إلى إطلاق التحقيقات ضده، وذلك رداً على إطلاق الديمقراطيين لإجراءات ضد ترامب تستهدف إبعاده عن سباق الترشح إلى الانتخابات القادمة بحكم قضائي، وهو ما يعني أن العامين القادمين سوف يشهدان اضطراباً كبيراً في واشنطن، نظراً للصراع المحتمل بين الجمهوريين والديمقراطيين.