أخبار المركز
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)
  • محمد محمود السيد يكتب: (آليات التصعيد: خيارات إسرائيل إزاء معادلات الردع الجديدة مع إيران)
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)

اتفاق منقوص:

فرص نجاح اتفاق السلام التشادي بعد الوساطة القطرية

18 أغسطس، 2022


وقع المجلس العسكري التشادي وحركات المعارضة المسلحة، في 8 أغسطس 2022، اتفاقاً للسلام لإنهاء التوترات المسلحة التي تشهدها البلاد، وذلك بعد نحو خمسة أشهر من الاجتماعات التي احتضنتها الدوحة.

خطوة إيجابية:

سلّم الوسيط القطري، في 30 يوليو الماضي، وفدي المعارضة المسلحة والحكومة التشادية مشروعاً نهائياً للسلام، وذلك بعدما سحبت الدوحة مشروعاً سابقاً لاقى اعتراضات من الجانبين. وأعطت الدوحة مهلة للطرفين للرد على المقترح الجديد، قبل أن يتم الإعلان عن توقيع اتفاق للسلام، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي: 

1- نهاية الحوار التمهيدي: انتهت اجتماعات الحوار التمهيدي الذي ترعاه الدوحة منذ منتصف مارس 2022 بالإعلان عن التوقيع على اتفاق للسلام، بين المجلس العسكري الحاكم وعدد من حركات المعارضة المسلحة.

ونص الاتفاق على وقف إطلاق النار قبل انطلاق الحوار الشامل في نجامينا نهاية أغسطس 2022. كما تعهد المجلس العسكري الحاكم بعدم القيام بأي عمليات عسكرية، أو شرطية، ضد الحركات الموقعة على الاتفاق. ونص الاتفاق كذلك على برنامج لنزع السلاح، والعفو عن المتمردين بالخارج وتأمين عودتهم للبلاد، فضلاً عن إطلاق عدد من المعتقلين من قبل الجانبين. كما أحال الاتفاق عدداً من القضايا الأكثر تعقيداً إلى جلسات الحوار الوطني الشامل المزمع انطلاقها.

2- ترحيب دولي وأفريقي: اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، الاتفاق بأنه بمنزلة لحظة أساسية للشعب التشادي، غير أنه أكد على ضرورة أن يكون الحوار شاملاً لكل الأطراف حتى يتثنى نجاحه. كما اعتبر الاتحاد الأوروبي أن الاتفاق الموقع في الدوحة يمثل خطوة مهمة في مسار الانتقال السياسي.

ورحب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي محمد، بهذا الاتفاق خلال حضوره توقيع اتفاق السلام بالدوحة، مشيداً بدور الدوحة في هذا الشأن. ومن جانبها، رحبت فرنسا والولايات المتحدة بالاتفاق، كما أشادتا بدور قطر، واستعدادهما لتقديم الدعم لعملية الانتقال والحوار التشادي لضمان الاستقرار والسلام. 

مشهد ملتبس:

يعد توقيع اتفاق السلام التشادي خطوة لتحقيق الاستقرار، بيد أن عملية التوقيع عليه، وما ارتبط بها من سياقات محيطة عكست حالة من اللبس والغموض، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- اتفاق غير شامل: تم توقيع اتفاق السلام بين المجلس العسكري التشادي وعدد من حركات المعارضة المسلحة، وتباينت التقديرات حول عددهم، إذ أشار الإعلان الرسمي إلى توقيع 40 حركة مسلحة لهذا الاتفاق، في حين أشارت تقديرات أخرى إلى توقيع 32 أو 34 حركة فقط. ويرجع ذلك التضارب في تحديد عدد الحركات إلى انقسام بعض الحركات المسلحة إلى تيارين، أحدهما داعم للاتفاق والآخر رافض له. ولكن حتى لو تم التسليم بتوقيع 40 حركة، فإن هذا يعني أن هناك نحو 12 حركة رفضت التوقيع على الاتفاق، إذ شاركت حوالي 52 حركة مسلحة في الحوار التمهيدي في الدوحة، وفقاً للإعلان الرسمي الصادر عن قطر.

ويعد الرأي الأكثر ترجيحاً هو توقيع حوالي 30 حركة مسلحة على اتفاق الدوحة، أبرزهم "اتحاد قوى الجمهورية" بزعامة محمد عبد الكريم حنو، و"تجمع وحدة أبناء تشاد للتنمية"، و"الجبهة الشعبية لتحرير جنوب تشاد"، و"الحركة التشادية للتغيير"، و"اتحاد القوى للتغيير الديمقراطي"، و"الجبهة الوطنية من أجل الديمقراطية والعدالة"، و"المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية"، و"التجمع الوطني الديمقراطي الشعبي"، و"التحالف الجديد من أجل استعادة الجمهورية".

كما وقع على الاتفاق "اتحاد قوى المقاومة"، برئاسة تيمان ارديمي، ابن عم رئيس المجلس العسكري الحاكم، محمد إدريس ديبي، والذي قد يكون أحد أبرز مكاسب السلطات التشادية، وهو ما قد يفتح المجال أمام إمكانية تسوية الخلافات داخل أسرة آل ديبي.

2- رفض "فاكت" الاتفاق: تعددت الحركات التي رفضت التوقيع على الاتفاق، ولعل أبرزها "جبهة التغيير والوفاق" (فاكت)، والتي قادت الهجمات المسلحة، في أبريل 2021، وأدت إلى مقتل الرئيس التشادي، إدريس ديبي. فقد رفضت التوقيع على الاتفاق لفشله في معالجة بعض مطالبها، لاسيما المتعلقة بإطلاق سراح حوالي 400 من عناصر الحركة لدى الحكومة التشادية، والتي تتمسك بالإبقاء عليهم لحين الحصول على ضمانات بعدم عودتهم للقتال.

كما أعلنت عدة حركات أخرى رفضها الاتفاق، منها "مجلس القيادة العسكرية لخلاص الجمهورية"، وحركة "حركة المجلس الوطني للمقاومة من أجل الديمقراطية" بزعامة أبكر تلومي، و"مجموعة روما". وكذا "المنسقية الوطنية من أجل التغيير والإصلاح"، و"حركة المجلس الوطني لنهضة تشاد"، و"الحركة الديمقراطية التصحيحية".

ووجهت العديد من هذه الحركات انتقادات حادة للوفد الحكومي، محملة مسؤولية تعثر الحوار إلى المجلس العسكري التشادي الحاكم، معتبرة أن النخبة الحاكمة حالياً في نجامينا غير مؤهلة لقيادة المرحلة الانتقالية، مطالبة بإصلاح الجيش التشادي.

3- انقسام داخل حركات مسلحة: شهدت الأيام التي سبقت الإعلان عن توقيع اتفاق السلام تصاعد الخلافات داخل الحركات المسلحة حول التوقيع عليه. وكان أبرزها تصاعد حدة التباينات داخل "جبهة إنقاذ الجمهورية"، والتي أعلنت مؤخراً إقالة رئيسها، إسماعيل موسى، والذي كان يرفض التوقيع على اتفاق السلام، وتكليف أحد ممثلي الجبهة المشاركين في حوار الدوحة، عبد المنان خطاب، برئاسة الجبهة بشكل مؤقت، وهو ما يعني احتمالات حدوث انشقاقات داخل الجبهة بين تيار داعم للاتفاق، وآخر رافض له، وينطبق هذا الأمر على كثير من الحركات المسلحة الأخرى المشاركة في الحوار.

4- دعم شرعية المجلس التشادي: يعد توقيع اتفاق السلام بمنزلة مكسب للمجلس العسكري الحاكم في نجامينا، إذ إن السلطات التشادية لم تكن تستهدف أن تتوصل إلى اتفاق مع المجموعات المشاركة كافة، بل كانت تسعى للاتفاق مع بعضها، بما يعزز من شرعية المجلس ويخفف من تنامي الاحتقان الداخلي. 

فقد تمسك المجلس العسكري التشادي بتمثيل أكبر قدر من الحركات داخل الحوار التمهيدي في الدوحة، وذلك لتقليل الوزن النسبي للحركات الكبرى، وإحداث خلخلة داخل الحركات المشاركة، والخروج باتفاق يعزز من شرعية المجلس داخلياً وخارجياً.

5- محاولة تعزيز دور الوسيط القطري: كان الحوار التمهيدي الذي كانت قطر ترعاه خلال الأشهر الخمسة الماضية على وشك الانهيار أكثر من مرة، بيد أن الدوحة عمدت إلى محاولة الخروج باتفاق حتى ولو كان جزئياً لتعزيز صورتها كمركز لتسوية النزاعات الإقليمية.

ويتضح ذلك في عدم الإفصاح، حتى الآن، عن بنود الاتفاق بشكل مفصل، وغياب عدد من الحركات الكبرى عن التوقيع على الاتفاق، على غرار "جبهة التغيير والوفاق"، حتى وإن تمكنت قطر من الضغط على زعيم "اتحاد قوى المقاومة"، المقيم بالدوحة، تيمان ارديمي، للتوقيع على الاتفاق. 

ارتدادات داخلية وإقليمية:

يعكس اتفاق السلام الموقع بين الأطراف التشادية وجود جملة من الارتدادات المحتملة التي يمكن أن تتمخض عن هذا الاتفاق، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تعثر محتمل للمصالحة الوطنية: يعد اتفاق الدوحة مقدمة للحوار الوطني الشامل الذي يفترض أن ينطلق خلال الفترة المقبلة، ويستهدف تحقيق المصالحة الوطنية في البلاد، وكان محمد ديبي قد أعلن مؤخراً أنه من المقرر انطلاقه في نجامينا في 20 أغسطس الجاري.

ومن الصعب أن يمثل الاتفاق ضمانة لإنجاح المصالحة الوطنية، في ظل رفض بعض الحركات الرئيسية المؤثرة التوقيع على الاتفاق، فضلاً عن رفض السلطات التشادية لبعض البنود داخل هذا الاتفاق، الأمر الذي سينعكس بالضرورة على تعقيد اجتماعات الحوار الشامل.

2- تمديد الفترة الانتقالية: أعلن محمد إدريس ديبي، في أبريل 2021، أن هناك فترة انتقالية في البلاد مدتها 18 شهراً، وهي المهلة التي يفترض أن تنتهي في أكتوبر 2022، الأمر الذي سيلقي بضغوطات على الجانبين للتوصل إلى اتفاق، بيد أن المعطيات الراهنة ترجح احتمالية تمديد الفترة الانتقالية.

وقد يؤدي أي تمديد للمرحلة الانتقالية إلى تفاقم حالة الإحباط في الداخل التشادي، الأمر الذي قد يدفع المعارضة السياسية لاستئناف الاحتجاجات مرة أخرى، على غرار تلك التي شهدتها نجامينا في مايو الماضي، بقيادة ائتلاف المعارضة الرئيسي "واكت تاما"، والتي نددت بالحكم العسكري والوجود الفرنسي.

3- احتمال تجدد الصراع المسلح: ألمحت بعض التقديرات إلى غياب أقوى الحركات المسلحة عن التوقيع على هذا الاتفاق، وهو ما ينذر باحتمالات تجدد المواجهات العنيفة مرة أخرى، ولذا يستبعد أن تؤسس هذه الاتفاقية إلى سلام دائم.

فقد أصدرت 18 حركة، من الحركات التي رفضت التوقيع على اتفاق الدوحة، بياناً عبرت فيه عن رغبتها في توحيد مواقفها، كما اعتبرت أن اجتماعات الدوحة فشلت في التوصل إلى الاتفاق المنشود، محملة المجلس العسكري التشادي مسؤولية هذا الأمر، لكنها ألمحت إلى انفتاحها على الحوار.

4- انعكاسات إقليمية محتملة: شارك وزراء خارجية عدد من دول الجوار التشادي في اجتماع توقيع اتفاق السلام، على غرار السودان وليبيا، بالإضافة إلى وزير خارجية توجو، وهو ما يعكس درجة التشابك الذي يتسم به ملف حركات التمرد التشادية، نظراً لتمركزها في الجنوب الليبي، فضلاً عن الارتباطات العرقية والعسكرية بينها وبين بعض الحركات السودانية. 

وتتطلع ليبيا إلى إنجاز اتفاق السلام التشادي لضمان خروج الحركات المتمردة المنتشرة في جنوب البلاد، وفي ظل رفض بعض الحركات التوقيع على اتفاق السلام، عادت التخوفات مرة أخرى من تجدد التوترات على الحدود الليبية – التشادية. كما سيؤثر الاتفاق على استقرار المنطقة الحدودية بين البلدين، لا سيما في ظل الزيارة المفاجئة التي قام بها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلوا "حميدتي" إلى تشاد، قبل يوم واحد من زيارة رئيس المجلس الانتقالي التشادي إلى الدوحة لتوقيع اتفاق السلام. ولذلك ربما تشهد الفترة المقبلة، عودة المباحثات مرة أخرى لإحياء الاتفاق الرباعي بين ليبيا وتشاد والسودان والنيجر، لتشكيل قوة عسكرية مشتركة لضبط الحدود.

وفي الختام، يمكن القول إن الدول الغربية دعمت هذا الاتفاق لتحقيق الاستقرار في تشاد، والتي تمثل نقطة ارتكاز مهمة للولايات المتحدة والقوى الأوروبية في إطار تنافسها مع روسيا في منطقة الساحل، بيد أنه لا توجد ضمانات حالية لإنجاح عملية المصالحة، لاسيما في ظل تنامي السخط الداخلي في نجامينا، فضلاً عن عدم مشاركة عدد من الحركات المسلحة الرئيسة في هذا الاتفاق، ناهيك عن التوترات العرقية التي تزيد الضغط على السلطة الحاكمة، وبالتالي يصعب استبعاد سيناريو التصعيد، سواء السياسي أو العسكري خلال الفترة المقبلة.