أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

"عقيدة مودي":

لماذا تصر الهند على اقتناء صواريخ "إس – 400"؟

06 أكتوبر، 2018


على الرغم من التحفظات والعقوبات الأمريكية المُحتملة، استكملت الهند صفقة حصولها على منظومات الدفاع الجوي الروسية من طراز "إس – 400" خلال زيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لنيودلهي، وانعقاد القمة التاسعة عشرة بين الهند وروسيا. وتأتي هذه الصفقة كاشفة عن تحولات عميقة في السياسة الخارجية والدفاعية الهندية أعلنها سابقًا رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" تقوم على "التوجه شرقًا" وتعزيز الشراكة العسكرية مع القوى الآسيوية، وتنويع مصادر السلاح، والاعتماد على الذات في مواجهة مصادر التهديد الإقليمية وفي صدارتها التمدد الصيني في المحيط الهندي وجنوب آسيا، وتجنب الوقوع في أسر علاقات التبعية ضمن التحالف مع الولايات المتحدة.

شراكة عسكرية صاعدة: 

شهد انعقاد القمة الهندية – الروسية خلال زيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى نيودلهي في 4 و5 أكتوبر 2018، ولقائه رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا"؛ توقيع أكثر من 20 اتفاقية لتعزيز التعاون بين الدولتين، جاء في صدارتها المجالات العسكرية والدفاعية على الرغم من التحفظات الأمريكية على التقارب العسكري بين نيودلهي (الحليف التقليدي للولايات المتحدة في جنوب آسيا) وروسيا. وفي هذا الإطار، تمثلت أهم محاور القمة الهندية – الروسية فيما يلي:

1- توريد "إس – 400": شهدت زيارة "بوتين" لنيودلهي توقيع عقود توريد 5 كتائب من نظم الدفاع الجوي الروسية "إس – 400" بقيمة 5.5 مليارات دولار على الرغم من تحفظات واشنطن وتهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الهند اتباعًا لقانون "مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات" المعروف اختصارًا باسم "كاتسا" والذي تم التصديق عليه في أغسطس 2017 والذي يقضي بفرض عقوبات على الدول التي تقوم باستيراد أسلحة من موسكو.

وعلى الرغم من تأكيد عددٍ من المسئولين الأمريكيين استبعاد الهند من فرض عقوبات استيراد السلاح الروسي، ومن بينهم وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس"، حفاظًا على الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن ونيودلهي؛ إلا أن القرار النهائي يظل بيد الرئيس الأمريكي، وهو ما تتحسب له الهند خاصة عقب فرض عقوبات على الجيش الصيني في سبتمبر 2018 بسبب استيراد منظومات "إس – 400"، ومقاتلات "سو – 35".

2- تعزيز القدرات العسكرية: تسعى الهند لاستيراد دبابات "تي -14 آرماتا" من روسيا ضمن مشروعها لتحديث قواتها المسلحة، كما تتفاوض الدولتان على صفقات عسكرية أخرى من بينها حصول نيودلهي على أربع فرقاطات روسية من طراز "كريفاك" بقيمة 2 مليار دولار و200 مروحية قتالية من طراز "كا – 226" بقيمة 2 مليار دولار، بالإضافة إلى تنفيذ اتفاقيات التصنيع العسكري المشترك بين الدولتين، وخاصة الاتفاق على تصنيع نسبة 80% من الغواصة "آمور" (Amur) في الهند، والتصنيع المشترك لبعض أنظمة الدفاع الجوي.

3- تأسيس مفاعلات نووية: شهدت قمة مودي – بوتين توقيع اتفاقيات للتعاون في مجالات الطاقة النووية، والاستفادة من الخبرات التقنية الروسية في هذا المجال، وتضمنت الصفقة بناء 6 مفاعلات نووية روسية من الجيل الثالث من طراز (VVER) لتوليد الطاقة الكهربائية مع تمكين الدولتين من الشراكة في مجال إنشاء المفاعلات النووية في دول ثالثة، فضلًا عن تأسيس شراكة بين شركة "روس آتوم" للطاقة النووية في روسيا ولجنة الطاقة الذرية في الهند. وتقوم موسكو حاليًّا بتطوير وتحديث أكبر مفاعل للطاقة النووية لدى الهند في كوداناكولام. 

4- الاستكشاف المشترك للفضاء: عبر رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" عن تطلع دولته للاستفادة من الخبرات الروسية في مجال الفضاء، حيث يتم التفاوض على قيام موسكو بتدريب رواد للفضاء وخبراء فنيين في مجالات استكشاف الفضاء ضمن "مشروع دراسات القمر" "تشاندريان-2" لإرسال بعثة مأهولة إلى الفضاء في 2022 والهبوط على سطح القمر، وذلك بعد تمكن الهند من إطلاق أكثر من 100 قمر صناعي للفضاء منذ بدء برنامجها الفضائي في عام 1947.

5- دعم التعاون الاقتصادي: وضعت قمة الهند – روسيا التعاون الاقتصادي بين الدولتين في مكانة متقدمة ضمن مباحثات "مودي" و"بوتين"، حيث أعلن الرئيس الروسي بحث إمكانية التعاون في مشروعات للغاز المُسال بين الدولتين. كما اتفق الجانبان على زيادة التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار، ورفع الاستثمارات المباشرة المتبادلة إلى 15 مليار دولار بحلول 2025، بالإضافة إلى تسريع عملية التفاوض لإبرام اتفاق للتجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا، وتأسيس آلية "روسيا بلس" (Russia Plus) لتسهيل تدفقات الاستثمارات الروسية إلى نيودلهي.

لماذا "إس - 400"؟

لا يُعد استيراد الهند لمنظومات "إس – 400" تطورًا لافتًا ضمن بنية وارداتها من الأسلحة، إذ كشفت بيانات معهد استوكهولم لأبحاث السلام أن روسيا ظلت المورّد الأول للأسلحة لنيودلهي منذ ستينيات القرن الماضي، وأن 68% من واردات الأسلحة الهندية جاءت من روسيا خلال الفترة بين عامي 2012 و2016، وأشار المعهد الملكي للشئون الدولية في بريطانيا إلى أن 72% من واردات الهند من الأسلحة جاءت من روسيا خلال الفترة بين عامي 2000 و2016.

وفي المقابل، أشرفت الولايات المتحدة على مدار العقدين الماضيين على تنفيذ برنامج لاستبدال الأسلحة السوفيتية لدى الهند بمنظومات التسلح الأمريكية في إطار التحالف الوثيق بين الدولتين في مواجهة التمدد الصيني في جنوب آسيا، ولذلك ارتفعت واردات الهند من الأسلحة الأمريكية بنسبة ضخمة تصل إلى 557% بالمقارنة بين الفترتين 2008 – 2012 و2013 – 2017 وفقًا لبيانات معهد استوكهولم لأبحاث السلام. وفي هذا الإطار، تتمثل أهم دوافع الهند لاقتناء "إس – 400" فيما يلي:

1- سياسة "العمل شرقًا": أعلن رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" خلال كلمته في "حوار شينجريلا" الذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في سنغافورة في يونيو 2018 اتباع الهند سياسة "العمل شرقًا" (Act East) عبر عدد من المبادرات الأمنية والاستراتيجية مع دول القارة الآسيوية، والقيام بدور حلقة الوصل بين الأقاليم المطلة على المحيطين الهندي والهادي. كما تعهد في هذا المنتدى الذي يضم وزراء الدفاع من الدول الغربية والآسيوية بالتصدي لمحاولات إعاقة حرية الملاحة أو الهيمنة على الممرات البحرية الاستراتيجية.

ويرتبط ذلك بسعي الهند للخروج من الدوائر المغلقة التي تمثلها العلاقات مع الولايات المتحدة والكتلة الغربية، وتنويع العلاقات الخارجية للهند عبر تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع روسيا التي كانت الحليف الرئيسي للهند والمصدر الرئيسي لمنظومات التسلح خلال الحرب الباردة، فضلًا عن السعي للاستفادة من التقارب مع موسكو لتعزيز أمن الطاقة، والتصدي للسياسات الأمريكية التي تسعى لفرض حرب العقوبات ضد روسيا على حلفائها على الرغم من تأثيراتها السلبية على مصالحهم. ويفسر ذلك قرار نيودلهي في أكتوبر 2018 بزيادة وارداتها من النفط الإيراني على حساب تقليص وارداتها من النفط الأمريكي.

2- تأمين "العمق الاستراتيجي": تسعى الهند لنشر منظومات الدفاع الجوي الروسية على حدودها المشتركة مع الصين وباكستان للتصدي للتطور المتسارع في قدراتهم الصاروخية وتهديدهم للعمق الاستراتيجي للهند، كما ستقوم نيودلهي بنشر منظومة صواريخ من طراز "إس – 400" في إقليم أروناتشال براديش على حدودها الشمالية الشرقية وهو إقليم متنازع عليه مع الصين.

ولقد أشار الخبير الهندي في الشئون الاستراتيجي "أر.أر. سابرامانيان" إلى أن نيودلهي تحتاج منظومات الدفاع الجوي الروسية المتطورة للتصدي للتطور في قدرات القوات الجوية الصينية والتطور في الطائرات غير المأهولة لدى بكين، بالإضافة إلى دخول مقاتلات الجيل الخامس الصينية "جي – 20" للخدمة في فبراير 2018، مؤكدًا أن "الوقت قد حان لكي تُثبت الهند أنها لن يتم ترهيبها من جانب واشنطن" في إطار تعليقه على احتمالات فرض عقوبات أمريكية على نيودلهي عقب استيراد "إس – 400".

3- إشكاليات الإحلال العسكري: على الرغم من تسارع وتيرة استبدال الأسلحة السوفيتية لدى القوات المسلحة الهندية بنظيرتها الأمريكية خلال العقدين الماضيين، وتزايد واردات التسلح الهندية من واشنطن؛ إلا أن الهند وجدت هذه السياسة غير مجدية نظرًا لاستنزافها كمًّا هائلًا من الموارد المالية، وعدم إمكانية استبدال كافة منظومات التسلح الروسية لديها بنظيرتها الأمريكية، بالإضافة إلى ما يتطلبه ذلك من تدريب وإعادة تأهيل لقواتها وتغيير في عقيدتها العسكرية.

ولا تزال القوات المُسلحة الهندية تعتمد بصورة رئيسية على الأسلحة الروسية، وهو ما يجعل التعاون العسكري مع موسكو أولوية في ظل الاحتياجات التشغيلية والفنية، وقيام روسيا بتحديث وتطوير منظومات التسلح لدى نيودلهي وتوفير قطع الغيار وخدمات الصيانة، كما يتسق ذلك مع توجهات الهند لتنويع مصادر الأسلحة وتجنب الاعتماد على مصدر واحد للأسلحة، والاستفادة من التطور في منظومات التسلح الروسية منخفضة التكلفة مقارنة بنظيرتها الأمريكية.

4- احتواء التمدد الصيني: تَعتبر الهند "مشروع الحزام والطريق" الذي تقوم بتنفيذه الصين محاولة لتطويق حدودها بريًّا وبحريًّا عبر تأسيس شبكة تحالفات في جنوب آسيا، حيث يرى "رافيندرا دايشابيريا" المحاضر بكلية لندن للاقتصاد أن تركيز الصين على تطوير الموانئ البحرية في جنوب آسيا يستهدف بالأساس تعزيز الحضور العسكري الصيني في المحيط الهندي، حيث تقوم الصين بتطوير ميناء "جوادار" في باكستان. وفي أغسطس 2017، حصلت الشركة القابضة للموانئ التجارية الصينية المحدودة، وهي ذراع متفرعة عن الحكومة الصينية، على 70% من أسهم ميناء "هامبانتوتا" في سيريلانكا مقابل 1.12 مليار دولار لمدة 99 عامًا.

ويستدل على هذه التوترات بالصدامات الحدودية بين القوات التابعة للدولتين خلال شهري يونيو ويوليو 2017، وشهدت منطقة هضبة دوكلام والمنطقة الجبلية على الحدود بين الهند والصين وبوتان صدامًا ومناوشات عسكرية عقب قيام عمال صينيين بشق طريق في المنطقة الحدودية المتنازع عليها. كما قامت الهند في مايو 2017 بإعلان تجميد مشاركتها في منتدى "الحزام والطريق" في الهند بسبب مشروعات ضمن "المحور الاقتصادي الصيني- الباكستاني" (CPEC) في منطقة "جيلجيت- بالتيستان" التي تعتبرها الهند ضمن إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه مع باكستان.

ولقد دفعت التوترات الهندية – الصينية إلى قيام الهند بزيادة إنفاقها العسكري بصورة ملحوظه ليصل إلى 52.2 مليار دولار لتحتل المركز الثالث بين دول القارة الآسيوية في الإنفاق العسكري بعد الصين وروسيا وفقًا لبيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن في فبراير 2018، وقامت نيودلهي كذلك بزيادة عدد القوات الهندية ليصل إلى 1.39 مليون جندي، وحوالي 1.115 مليون جندي في الاحتياط. 

ولا ينفصل ذلك عن تصاعد وتيرة المناورات العسكرية الهندية التي كان أهمها المناورات العسكرية المشتركة مع فيتنام في مايو 2018، ومناورات مالابار المشتركة بين الهند والولايات المتحدة واليابان في يونيو 2018 التي تكشف عن تصاعد التحالف العسكري بين الدول الثلاث في مواجهة الصين.

5- مواجهة التقارب الروسي – الصيني: تسعى الهند لمواجهة التقارب الروسي – الصيني الذي تسارعت وتيرته في الآونة الأخيرة نتيجة لسياسات إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" العدائية تجاه الصين، واتهامها بمحاولة التدخل في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وعرقلة وصول الشركات التكنولوجية الصينية للسوق الأمريكية ضمن الحرب التجارية التي تشنها واشنطن على بكين، وهو ما تواكب مع فرض عقوبات مشددة ضد روسيا من جانب الولايات المتحدة نتيجة للاتهامات الأمريكية لموسكو بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، ومحاولة اغتيال العميل الروسي في لندن "سيرجي سكريبال" في مارس 2018.  

وفي تقدير نشرته مؤسسة "أوبزيفر" للأبحاث في 4 أكتوبر 2018 بعنوان: "قمة مودي - بوتين: ما القضايا على أجندة الترابط الدفاعي بين روسيا والهند؟"، تم التأكيد على أن الشراكة الاستراتيجية الوثيقة بين الصين وروسيا والتي وصلت مراحل متقدمة خلال العامين الماضيين باتت تثير قلقًا لدى نيودلهي من انعكاساتها على الأمن الإقليمي في جنوب آسيا، خاصة في ظل تزايد واردات الأسلحة المتقدمة من جانب موسكو إلى بكين وتأثيراتها على توازن القوى الإقليمي، والتطور الملحوظ في القدرات البحرية الصينية، واتجاه الصين لتعزيز انتشارها العسكري في المحيط الهندي.

إجمالًا، يكشف التطور في العلاقات العسكرية بين الهند وروسيا عن سعي نيودلهي لاستكمال الانتقال من كونها قوة إقليمية محورية في جنوب آسيا إلى القيام بدور مؤثر دوليًّا ضمن نظام عالمي جديد يغلب عليه التعددية القطبية وفقًا للرؤية الهندية لمستقبل توازن القوى العالمي، ويرتبط ذلك بالتعارض الحاد في المصالح بين الصين والهند، وسعي الأخيرة للتصدي للتمدد الصيني في جنوب آسيا ومشروع "الحزام والطريق" الذي تعتبره تطويقًا لحدودها عبر تعزيز التواجد العسكري الصيني في المحيط الهندي.