أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

الاقتصاد محركاً:

أبعاد الانفتاح الأوروبي الجديد على إيران

07 أغسطس، 2015


منذ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى في 14 يوليو الماضي، تواترت، فيما يشبه "هرولة دبلوماسية"، زيارات وفود أوروبية عدة إلى العاصمة الإيرانية طهران، في محاولة لاقتناص الفرص الاقتصادية الواعدة التي توفرها احتمالات رفع العقوبات الاقتصادية الدولية. ففي 20 يوليو الماضي، زار وزير الاقتصاد الألماني، نائب المستشارة أنجيلا ميركل، سيجمار جابرييل طهران، ضمن وفد من ممثلي الشركات الألمانية، كأول مسؤول ألماني رفيع المستوى يزور طهران خلال 13 عاماً، معلناً أن اجتماعاً وزارياً للجنة الاقتصادية الألمانية ـ الإيرانية سيعقد أوائل العام القادم في طهران.

وفي 29 يوليو الماضي، زار لوارن فابيوس، طهران، في أول زيارة يقوم بها وزير خارجية فرنسي لإيران منذ 12 عاماً، في محاولة لتبديد أي توتر في العلاقة بين الجانبين بسبب الموقف المتشدد الذي اتخذته فرنسا أثناء المفاوضات النووية مع إيران، وسوف يرسل اتحاد الشركات الفرنسية (ميدف) وفداً مكوناً من نحو 80 شركة إلى طهران في أواخر شهر سبتمبر المقبل.

ونقل فابيوس دعوة الرئيس هولاند إلى نظيره الإيراني روحاني لزيارة باريس في نوفمبر القادم، وإذا لبى روحاني الدعوة سيكون أول رئيس إيراني يقوم بزيارة رسمية إلى فرنسا منذ زيارة الرئيس الأسبق محمد خاتمي لها عام 1999، خلال عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك.

وفي 3 أغسطس الجاري، حل وزير الخارجية الإيطالي، باولو جنتيلوني، في طهران، وأعلنت روما في 5 أغسطس الجاري أن الرئيس روحاني قبل دعوة لزيارة من رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي إلى روما "في الأسابيع المقبلة"، في أول زيارة له لعاصمة أوروبية.

ويعتزم وزير خارجية النمسا، سباستيان كورتس، القيام بزيارة إلى طهران في سبتمبر المقبل. وكان كورتس قال إن "اتفاق إيران النووي له آثار جيوسياسية وكذلك اقتصادية على الاتحاد الأوروبي".

وكان وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، قال بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، إن "بلاده ما زالت ملتزمة بإعادة فتح سفارتها في إيران قبل نهاية العام بمجرد حل بعض القضايا العالقة". وكانت بريطانيا أعلنت العام الماضي أنها تعتزم إعادة فتح سفارتها في طهران بعد أن تم تعليق العلاقات الدبلوماسية وإغلاق السفارة البريطانية بعد أن اقتحم مئات المتظاهرين المبنى في نوفمبر عام 2011.

أسباب الانفتاح الأوروبي على إيران

في محاولة لمعالجة التعثّر الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها القارة العجوز منذ نشوب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، تسعى بعض الحكومات والمؤسسات والشركات الأوروبية إلى توسيع نشاطاتها الاقتصادية التي توفرها السوق الإيرانية الضخمة، حيث يقارب الناتج المحلي الإجمالي 400 مليار دولار، وحركة مالية سنوية تقدّر بـ600 مليار دولار، ويقارب تعدادها السكاني 80 مليون شخص، وكذلك تعتبر إيران صاحبة ثالث أكبر احتياطي للغاز، ورابع أكبر احتياطي نفطي في العالم.

وتنتظر طهران حالياً استلام أموالها المفرج عنها من الخارج نقداً، والتي لا تقل عن 30 مليار دولار، كما سيتسلّم البنك المركزي الإيراني عائدات أخرى في حساباته في الخارج، ما يجعل هذه الأرقام تصل إلى أكثر من 100 مليار دولار.

وقد ذكر تقرير اقتصادي صادر عن شركة "ميد" للمشاريع الخاصة في دبي في 2 أغسطس الجاري، نقلاً عن مدير المحتوى والتحليل في الشركة، أيد جيمس، إن: "إيران تمثل أرضاً خصبة مليئة بالفرص لمشاريع الطاقة، التي تصل قيمتها إلى 167 مليار دولار للشركات الإقليمية والدولية، حيث يوجد حوالي 197 مشروع طاقة منفرداً في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات والصناعة والخدمات، إما مخطط لها أو قيد الإنشاء في إيران، وهو رقم من المحتمل أن يتضاعف في ظل رفع العقوبات بشكل تدريجي.

وفي الوقت الذي تؤمّن فيه إيران 40% من نفط الاتحاد الأوروبي، فإن الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى يعني انتعاش تجارة النفط والغاز بين إيران والاتحاد الأوروبي المتعطش للطاقة، إذ ستعمل إيران على مد أنابيب الغاز نحو أوروبا عبر الأراضي التركية، وهذا أمر سيعود بالنفع على الأطراف الأوروبية، لاسيما في وقت يسود فيه التوتر مع روسيا، المصدر الأول للنفط والغاز إلى أوروبا، على خلفية الأزمة الأوكرانية.

وفضلاً عن الجانب الاقتصادي، فإن ثمة قناعة أوروبية بأن منطقة الشرق الأوسط أصبحت تعرف هزات كبرى، وأن إيران تلعب دوراً أساسياً في معظم مناطق التوتر والاضطراب، وأنه من الممكن مستقبلاً الاعتماد على إيران إلى جانب القوى التقليدية بالمنطقة في تحقيق معالجات ما لأزمات المنطقة المختلفة، ومن أبرزها مواجهة تنظيم "داعش".

ألمانيا وإيران.. علاقة استثنائية

ثمة "علاقة استثنائية" تجمع بين ألمانيا وإيران منذ تدشين "الرايخ الثاني" وإتمام الوحدة الألمانية على يد بسمارك عام 1871، فبعد عامين من ذلك التاريخ، زار حاكم إيران (القاجاري) ناصر الدين شاه، برلين في زيارة رسمية.

وعلى مدى أكثر من نصف قرن مضى، حرص جميع المستشارين الألمان، بدءاً من كونراد أديناور (1949-1963)، على زيارة إيران، إلى أن سقط حكم الشاه في عام 1979. وحتى بعد قيام الثورة الخمينية، عزز الألمان تلك العلاقة الاستثنائية عبر القيام بزيارات رفيعة المستوى، بما في ذلك زيارة المستشار السابق جيرهارد شرودر في فبراير 2009.

وثمة بعد آخر في العلاقة الإيرانية - الألمانية، ألا وهو الأصول الآرية المشتركة، ففي عام 1986، كتب الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني حينذاك خطاباً إلى المستشار الألماني هلموت كول، ذكر فيه "جذورنا الآرية المشتركة"، وكان يحلو لكلاوس كينكل، وزير الخارجية في حكومة كول القول، في إشارة إلى العلاقات التي تجمعهم مع إيران، "تراثنا المشترك ومائة عام من التحالف".

ورغم أنها ليست عضواً في مجلس الأمن، فإن معادلة مجموعة "5+1" هي بمثابة مجلس أمن موازٍ لألمانيا، فيه فصل الخطاب، حيث وصف وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر بلاده بأنها تمثل "درعا لإيران في مواجهة الولايات المتحدة".

ومن الناحية الاقتصادية، كانت ألمانية، ولعقود طويلة، أكبر شريك تجاري أوروبي لإيران حتى تسعينيات القرن الماضي، كما يعيش أكثر من 200 ألف إيراني في ألمانيا. وبلغت الصادرات الألمانية إلى إيران 4.4 مليارات يورو في عام 2005، و4.7 مليار يورو في عام 2010، لكنها هبطت إلى 1.8 ملياراً بحلول عام 2013 بعد تشديد العقوبات الدولية على إيران منذ عام 2011.

بيد أن قيمة الصادرات الألمانية إلى إيران ارتفعت في العام الماضي لتسجل 2.4 مليار يورو توقعاً لاحتمال تخفيف العقوبات. وفي هذا السياق قال اتحاد الصناعات الألمانية إن "صادرات ألمانيا إلى إيران يمكن أن تتضاعف أربع مرات في السنوات القليلة القادمة".

وثمة أطراف اقتصادية في إيران، لاسيما تلك المنتمية للقطاع العام، تدعو لإعطاء ألمانيا حصة كبيرة في سوق السيارات الإيراني، فألمانيا أكثر جدية في التعاطي مع إيران. وتثبت التجربة الروسية مع ألمانيا هذا الأمر، حيث التزمت برلين بتعهداتها الاقتصادية إزاء روسيا رغم الأزمة مع أوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو.

فرنسا وإيران.. واقعية سياسية

تبنت فرنساً أكثر المواقف تشدداً بين القوى الست الكبرى التي ناقشت الاتفاق النووي مع إيران، وذلك رغم التاريخ الطويل لعلاقاتها التجارية والسياسية والاجتماعية مع طهران، حيث عاش زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني في المنفى قرب باريس.

لكن فرنسا عادت لتمارس منطق السياسة الواقعية المبنية على أساس مصالحها الوطنية. وفرنسا تجتاز أزمة اقتصادية، ولديها رغبة كبيرة في الاستثمار في إيران، ولم يتردد وزير الخارجية الفرنسي فابيوس في الحديث عن "فرص مهمة" أمام الشركات الفرنسية للاستثمار في إيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية، معتبراً أن "التجارة مهمة بالنسبة لنا وللإيرانيين".

وعبر فابيوس للمسؤولين الإيرانيين عن أمله في إعادة إنعاش التبادل التجاري بين البلدين، فحسب تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي، نشر العام الماضي، فإن العقوبات الدولية كانت كارثة بالنسبة للمبادلات التجارية بين فرنسا وإيران التي هوت من 4 مليار يورو عام 2004 إلى 500 مليون يورو عام 2013. وتم فرض غرامة قدرها نحو 9 مليارات دولار على بنك بي.إن.بي باريبا الفرنسي في عام 2014 بسبب معاملات انتهكت الحظر الأمريكي.

وعلى الرغم من ترحيب إيران بالشراكة الاقتصادية مع فرنسا، فإن صقور المحافظين في إيران يعارضون توثيق العلاقات مع باريس، إذ يتهمون فابيوس شخصياً بـتعطيل المفاوضات حول النووي الإيراني، وحملوه مسؤولية نسفها، تحديداً في نوفمبر 2013، عندما تشبث بموقفٍ معادٍ لطهران.

كما سارع البعض إلى التذكير بالدعم الفرنسي الكبير للعراق خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988)، حيث أرسلت فرنسا كميات من الدم الملوث بفيروس إتش.آي.في. إلى إيران في الثمانينيات، عندما كان فابيوس نفسه رئيساً للوزراء. هذا بالإضافة إلى روابط فرنسا الوثيقة مع حكومات دول الخليج العربية التي تخوض صراعاً على النفوذ الإقليمي مع طهران، فضلاً عن تشدد باريس في مسألة إزاحة بشار الأسد من السلطة وطريقة تعاطيها مع الأزمة السورية.

إيران وإيطاليا.. علاقة سلسة

كانت العلاقات بين إيران وإيطاليا أسهل وأكثر سلاسة مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي، حيث إن العلاقات بين البلدين غير متوترة تاريخياً، وبعد تسلم الرئيس حسن روحاني الرئاسة في إيران عام 2013 زار وفد من الخارجية الإيطالية العاصمة طهران، وكانت الزيارة الأولى لوزير خارجية إيطالي منذ عشر سنوات. 

وكان حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل في السنوات الماضية إلى 7 مليارات دولار، وأدت العقوبات التي فرضت على طهران بسبب برنامجها النووي إلى تراجع العلاقات الاقتصادية بينهما.

واستمر خلال السنوات الماضية تبادل البضائع بين طهران وروما رغم الحظر ولكن بوتيرة ضعيفة، إذ بلغت صادرات طهران إلى روما خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري حوالي 193 مليون و256 ألف دولار، فيما استوردت روما من طهران بضائع بقيمة 292 مليون دولار.

وتم توقيع أول عقد بين طهران وروما، إذ أعلنت وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية فيدريكا جوييدي، التي صاحبت وزير الخارجية في زيارته الأخيرة لطهران، عن توقيع اتفاقية تعاون بين شركة "ساتشه"، الإيطالية للتأمين وإيران، تبلغ قيمتها ملياري يورو. ويتوقع توقيع المزيد من العقود بينهما في قطاع الاستثمار النفطي بشكل خاص خلال الأشهر المقبلة.

بريطانيا وإيران.. علاقة شائكة

بالنسبة لبريطانيا، لطالما وضعت العلاقات السياسية المتوترة بين طهران ولندن آثارها على العلاقات الاقتصادية، ولعلها كانت العلاقات الأسوأ مع طهران من بين الدول الست خلال السنوات الماضية، فاقتصر التعامل الاقتصادي والتجاري بين البلدين على علاقات بين القطاع الخاص في كليهما.

وخلال عام 2014 احتلت بريطانيا المرتبة الـ 15 من بين الدول التي تصدّر البضائع لإيران، وقُدّرت قيمة بضائعها بـنحو 285 مليون دولار، في حين احتلت ألمانيا المرتبة الأولي في قائمة المصدرين الأوروبيين لإيران خلال الفترة ذاتها بمقدار مليار و800 مليون دولار، واحتلت الصين المرتبة الأولى من بين المصدرين الدوليين.

لكن من المتوقع أن تأخذ العلاقات بين بريطاني وإيران أبعاد جديدة في حالة البدء في تطبيق الاتفاق النووي والتزام طهران بتنفيذه، حيث تملك النفط والغاز البريطانية فرصاً جيدة للدخول بقوة لأسواق البتروكيماويات في إيران.