أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الجماعة الخرساء:

الإخوان.. إما إجابات جديدة أو النهايات!

15 يناير، 2016


الإخوان هي الجماعة الكبرى الأم في ترك الأسئلة بلا إجابات، فهي جماعة فضفاضة لا تجيب عن أسئلة بل تدع كل واحد من أعضائها يجيب هو عن أسئلته بطريقته الخاصة، وقد عرفها مؤسسها بأنها سلفية وسنية وصوفية وحتى قال إنها شركة رياضية، فهي جماعة فضفاضة يتجاور فيها السلفي والسني والصوفي والتاجر والمغامر والمخدوع والمقلد والتائه والمناضل والإصلاحي والثوري دون أن تسعى لاتخاذ مواقف واضحة أو محددة تعكس موقفاً فكرياً نزيهاً ومستقيماً، فقط رسائل البنا هي التي تمثل الموقف الفكري للجماعة، وقد كتبها الرجل في سياقات مختلفة عن تلك التي تعرضت لها الجماعة في مسارات متعرجة وتحديات كبرة.

غياب الوضوح والشفافية

لم نعرف تاريخاً رسمياً للجماعة.. فقط مذكرات يكتبها منتسبون لها دون أن تعلن أن لديها تاريخاً أو موقفاً رسمياً تتبناه. وحين كتب أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص للجماعة، كتابه "النقط فوق الحروف" ، رد عليه مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة ومؤسس التيار التنظيمي فيها، بأنه لم يستشر أحداً في الجماعة، فرد عليه: "إنه لا يكتب وفق المقرر وإنما يكتب وفق ما يمليه عليه ضميره"، وقد كانت الجماعة تفرض للكتاب مقرراً دون أن تعلن أنه يعبر عنها أبداً.

جماعة بضخامة الإخوان لا يُعرَف عنها اجتهاد فكري واضح يعبر عن أفكارها ومواقفها باستثناء ما كتبه البنا، وهو كلام عام يؤخذ منه ويترك، لكنه لا يصلح إجابة لكل سؤال تواجهه الجماعة التي بدت رغم ضخامتها وكأنها خرساء لا تنطق أو تكتب لتجيب على الأسئلة الكبرى، فهي قد عاصرت الفترة شبه الليبرالية في العصر الملكي وعاصرت نظام عبد الناصر والسادات ومبارك، وهي تترك الأمور فضفاضة دون أن تطرح إجابات واضحة وجادة تتمتع بالنزاهة والشفافية والمسؤولية تجاه الأسئلة التي تطرح في مجتمعها على مستوى الأفكار أو مستوى الشبهات المثارة أو حتى مستوى المواقف السياسية التي يجب التعامل معها في المواقف المختلفة من منظور مبدأي وأخلاقي.

المراوغة الفكرية

فقط حين اضطرت الجماعة أن تواجه فتنه التكفير في السجون الناصرية حينما ظهر سيد قطب وحاول أن يطرح إجابات مختلفة عن تلك  التي قدمها حسن البنا، وحينها - ولهشاشة المواقف الواضحة للجماعة - فإن كثيراً من أعضائها قد ذهب مذاهب التكفير. وهنا خرجت الجماعة بأول منتج فكري واضح في الموقف من التكفير، وهو كتاب "دعاة لا قضاة"، وبقيت الجماعة في الحقيقة بلا منتج فكري واضح يحدد مواقفها بلا مسك للعصا من المنتصف، وهو ما جعلها فريسة لفكر سيد قطب وأبي الأعلى المودودي القادم من الهند، والذي تأثر به سيد قطب خاصة كتابه "المصطلحات الأربعة".. وهذه المراوغة الفكرية في الحقيقة تبدت في ثنايا كتاب "دعاة لا قضاة" الذي كان يرد على أبي الأعلى المودودي في كتابه سالف الذكر دون ذكر إطلاقاً لسيد قطب على الرغم من أن المقصود بالرد عليه كان في الكتاب، وكان ذلك مراعاة للتيار القطبي في الجماعة القريب من شخصية الرجل وأفكاره.

اليوم تواجه الجماعة نفس القضية، حيث فتنة العنف والقتال، ولكن من دون أن تطرح موقفاً فكرياً واضحاً منهما، خاصة وأن رسائل البنا ظلت تتحدث عن الكتائب واستخدام العنف حين تكتمل أدواته، ومن هنا ظل موقف الجماعة من العنف موارباً. صحيح أن الجماعة كرست في مرحلة السبعينيات كل جهدها للتخلص من وصمة التنظيم السري وأعماله وممارسته للعنف، لكن لخرس الجماعة عن مناقشة الموقف من العنف والانفتاح عليه وإمكان استخدامه وقت اللزوم جعلها تواجه مأزق اليوم، وهو غياب اجتهاد فكري حقيقي للموقف من العنف والثورية، خاصة وأن الجماعة ظلت تعرف نفسها بأنها جماعة "إصلاحية"، وفي دراستنا لخطاب حسن البنا لم نجده يذكر الثورة أبداً بخير وإنما ذكرها في معرض الذم، وأن ثورة ستقوم في البلاد لكننا لن نكون نحن – أي الإخوان من الداعين إليها أو من القائمين بها.

الغرق تحت موجات السلفية الجهادية

إن غياب اجتهاد فكري واضح مبين للجماعة تجاه الموقف من العنف والقتال جعلها تغرق في بحور الكتابات السلفية الجهادية وتستخدم مصطلحاتها لأنها لا تجد لدى الجماعة الخرساء التي لا تنطق ولا تجيب على الأسئلة مواقف فكرية واضحة أو إجابات محددة في الموضوع، ومن ثم فإن الأقرب إلى أعضائها هو الذهاب إلى مصطلحات السلفية الجهادية والأخذ بها لتبرير مواقف أعضائها من العنف مثل مصطلح "دفع الصائل"، فهو مصطلح استخدمته السلفية الجهادية لمقاومة السلطات في بلدانها أو مقاومة النظم السياسية بالقوة والذهاب للتغيير عبر وسائل العنف، وهو مصطلح لم يستخدمه الإخوان في كل تاريخهم الفكري أو الحركي أبداً لا عند البنا ولا عند سيد قطب ولا عند أي من مرشدي الجماعة بما في ذلك المرشد الأخير محمد بديع.

واجهت الجماعة نتائج خرسها وصمتها وسيطرة تنظيم حديدي مغلق عليها حرمها في الحقيقة من نمو أفكار مختلفة عن أفكار أولئك التنظيميين الذين كان كل همهم الحفاظ على التنظيم بأي ثمن بصرف النظر عن المواقف الفكرية والأخلاقية والمبدأية للجماعة، وهو ما جعلها مثار استغراب دائم من حلفائها السياسيين، ومثار استغراب دائم من أعضائها لتحالفها مع نظم مستبدة، وحين دقت ثورة يناير أبواب مصر فإن الجماعة لم تكن مهيئة لها وسارعت لتحذر وتفصل شبابها الذي اشترك في الثورة دون الرجوع إلى المكاتب التنفيذية والشورية في الجماعة والتي تحولت لقيود مكبلة للجماعة.

كان خرس الجماعة وغياب أي موقف فكري واضح لها سبباً في تحالفها مع التيارات السلفية بأنواعها المختلفة بما في ذلك السلفية الجهادية بعد وصولها للحكم في مصر، فقد كان السلفيون الجهاديون لساناً أكثر فصاحة وبياناً من ألسن الجماعة الخرساء، وهنا ظهر محمد عبدالمقصود على منصة الرئيس وإلى جواره في قصر الرئاسة، فقط انفك خرس لسان الجماعة على منصة رابعة لتعبر عن موقف وعظي ذات طابع حشدي وتعبوي وذات طابع ملحمي، بل ومهدوي يؤكد عودة الرئس الغائب كما لو كان الإمام الغائب.

إجابات جديدة أو النهايات

اليوم تواجه الجماعة لحظة الحقيقة، فسيطرة التيار التنظيمي عليها لم يعد ممكناً كما كان من قبل وقت ركودها وخرسها، واستمرار ترك الأمور فضفاضة معتمدة على مبادئ الجماعة في الثقة والطاعة من جانب أعضائها لم يعد ممكناً، مع فشل الجماعة في إدارة أزمة الحكم في مصر دون أن تكون قد تسلحت بأسبابها، فشبابها يقولون بفساد القيادات وبمسؤوليتهم عن فشل مسارات الجماعة وخياراتها، وهنا تسنم القيادة ما أطلق عليها اللجنة الإدارية العليا ومكتب إدارة الأزمة في الخارج وهم ينتسبون لأجيال أقل سناً ويتصورون أن البعد الإصلاحي المتردد في الجيل القديم هو سبب أزمة الجماعة؛ لذا فقد ذهبوا من منظور حركي إلى تغيير المسار إلى بعد ثوري لا يُحسِنون معرفة أبعاده ولم تسعفهم التجارب في بنائه. وهنا تسلل بعض شبابهم إلى استخدام العنف، وساد خطاب أن ما دون القتل سلمية، وذهب بعضهم إلى القتل عملا بمبدأ "دفع الصائل" كما أشرنا، فلا الشباب الجديد حقق ما كان يتصور أنه قادر على إنجازه، ولا الجيل القديم نجح في إنجاز أهدافه.

ومع خيبات الرجاء والأمل في إسقاط ثورة يونيو وكسرها باعتبارها "انقلاباً كما شاعت أدبيات الجماعة؛ فإن الأخبار تتوالى عن انقسامات الجماعة العتيقة والعميقة والصراعات تخرج من السر إلى العلن ومن الانقسام الأفقي التشاوري إلى الانقسام الرأسي الضارب من أعلى إلى أسفل في بنية الجماعة وقواعدها، ولأول مرة تخرج الجماعة الخرساء ليكتب لنا جيلها القديم محمود عزت ومحمود غزلان عن الثورة المستمرة الباقية سلمية، بيد أـن كل تلك الكتابات لن تحرر الجماعة من خرسها؛ فموقفها أعمق من أن يجيب على أسئلتها الكبرى مجرد بيانات يكتبها جيل قديم لا يحمل رؤية فكرية متماسكة تشفي الغليل، هنا لحظة الحقيقة الجماعة الخرساء جاء وقت لا يمكنها أن تؤجل الإفصاح فيه وفق القاعدة الأصولية "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة"، وهذا وقت الحاجة، بيد أن ألسنتها التي تعودت الخرس والصمت غير قادرة على إبداع أجوبة يبدو أنه إذا لم يُجب عليها، فأكبر جماعة وصفت بأنها أم الجماعات الإسلامية تودعنا إلى نهايتها.