أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الهندسة الخارجية:

ملامح الموجة الثالثة من التنافس الدولي والإقليمي على إفريقيا

14 مارس، 2018

الهندسة الخارجية:

استضاف مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، في 8 مارس 2018، كلًّا من: الدكتور حمدي عبدالرحمن، الأستاذ بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة زايد بدولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتورة أماني الطويل، مدير وحدة العلاقات الدولية والبرنامج الإفريقي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، وذلك للحديث حول أبعاد تدافع القوى الدولية على إفريقيا، وخاصة منطقة القرن الإفريقي.


وقد أشار الدكتور حمدي عبدالرحمن -في البداية- إلى أن القارة الإفريقية تشهد ما أسماه "الموجة الثالثة" من التكالب الدولي، موضحًا أن الموجة الأولى بدأت مع مؤتمر برلين الأول (1884 - 1885)، والذي قام بتقسيم القارة الإفريقية بين القوى الأوروبية الرئيسية آنذاك. أما الموجة الثانية، فقد بدأت مع الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وقد كانت القارة الإفريقية إحدى ساحات التنافس الرئيسي بها.

وأضاف الدكتور عبدالرحمن أن أحد ملامح الموجة الثالثة من التكالب الدولي على إفريقيا هي زيارة وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون" إلى خمس دول إفريقية في مارس 2018. فالمتابع لهذه الزيارات يجد أنه سعى لزيارة القوى الرئيسية المهمة للمصالح الأمريكية، والتي تتمثل في: إثيوبيا التي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي، وكينيا وتشاد وهما من الحليفة لواشنطن في مكافحة الإرهاب، وجيبوتي التي تتمتع بأهمية استراتيجية باعتبارها الممر الجديد للتجارة العالمية، وأخيرًا نيجيريا التي تتمتع بأهمية نفطية كبيرة.

متغيرات إقليمية ودولية:

أشارت الدكتورة أماني الطويل في مداخلتها إلى ثلاثة متغيرات أساسية أوجزتها في النقاط التالية:

1- احتدام الصراع الصيني-الأمريكي: وقد ارتبط التدافع الدولي هذه المرة باكتشاف الثورات الطبيعية في بعض دول القارة، خاصة النفط، ومحاولة القوى الدولية الاستفادة منه، وهو ما يتمثل في ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الدول الإفريقية والصين إلى حوالي 220 مليار دولار في عام 2014. وقد أثار الدور الصيني الصاعد في إفريقيا المخاوف الأمريكية، فبدأت تتبنى مبادرات لتطويق نفوذ الصين هناك.

وهو ما أكده التقرير الاستراتيجي للأمن القومي الصادر في 2006 من أهمية استراتيجية وجيوسياسية للقارة الإفريقية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ثم إنشاء واشنطن للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (يو إس أفريكوم) في عام 2008. ومن جهة ثانية، فإن تصاعد الدور الصيني أدى إلى تصاعد أدوار القوى الآسيوية المناوئة له، خاصة في ضوء التحالف الهندي-الياباني لتحجيم النفوذ الصيني في إفريقيا.

وقد تمكنت الصين، رغم هذه المحاولات، من تعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، وهو ما وضح في مشروع "الحزام والطريق" الذي أعلنت عنه بكين، والذي يهدف إلى إقامة ممر تجاري بري وبحري بتكلفة تقدر بحوالي مائة تريليون دولار، والتي نظر إليها البعض باعتبارها تأسيسًا لحقبة "العولمة الصينية". ويمر الممر البحري لهذا المشروع بكلٍّ من باب المندب وقناة السويس. وقد سعت الصين كذلك لتعزيز وجودها العسكري من خلال القاعدة البحرية التي افتتحتها هناك.

وقد أوضحت الدكتورة أماني أن الدور الصيني لا يختلف كثيرًا عن نظيره الأمريكي أو الغربي، فعلى الرغم من أن الغرب يتهم الصين بالإمبريالية؛ إلا أن علينا ألا نغفل أن بكين قامت بمساعدة العديد من الدول الإفريقية في بناء بنيتها التحتية، وتطويرها، في حين أن الدول الغربية ارتبط دورها تاريخيًّا بالتدخل في الصراعات والحروب الأهلية التي شهدتها الدول الإفريقية. وعلى جانب آخر، يجب ألا نغفل أن الدور الصيني له تكلفته السلبية تنمويًّا على الدول الإفريقية، سواء فيما يتعلق باستنزاف الموارد الطبيعية لدول القارة، أو من خلال تصدير الصين منتجات متدنية السعر والجودة أضرت بالصناعات الوطنية في القارة الإفريقية، مثل تضرر مصانع المنسوجات في السنغال، وإغلاق بعضها بسبب عجزها عن منافسة المنتجات الصينية. 

2- تصاعد الدور الإيراني: بدأ النشاط الإيراني في أفريقيا عام 1991، وذلك ارتباطاً بتوتر العلاقات نسبياً بين مصر والسودان، حيث استطاعت طهران توثيق علاقاتها مع السودان، وقدمت الخرطوم تسهيلات بحرية لإيران في مقابل مساندتها للشمال في حربه مع الجنوب خلال هذه السنوات.

كما سعت إيران لتعزيز نفوذها منذ عام 2006، عقب حرب إسرائيل ضد "حزب الله" اللبناني، وذلك في محاولة منها لمد نفوذها الإقليمي بحرياً ومحاولة محاصرة دول الخليج العربية، ولدعم وكلائها المسلحين في المنطقة؛ حيث كانت إيران تستخدم الأراضي السودانية كقناة لتهريب الأسلحة إلى حماس وحزب الله، وسعت أيضاً لتعزيز علاقاتها مع إريتريا في عام 2009، من خلال إبرام عدد من الاتفاقيات التي حصلت بموجبها على تسهيلات عسكرية.

وأدى ذلك بمرور الوقت إلى تصاعد الخطر الإيراني في شرق أفريقيا، وهو ما أكده الدعم الإيراني بأشكاله المختلفة إلى الحوثيين في اليمن، وسعي العديد من الدول الإقليمية والدولية لمواجهة النفوذ الإيراني عبر إقامة قواعد عسكرية في جيبوتي وصومال لاند لمنع طهران من الهيمنة على واحدة من مناطق الممرات البحرية الحيوية في العالم، حيث يمر من مضيق باب المندب حوالي 11% من التجارة الدولية، وأكثر من 8,3 ملايين برميل نفط يومياً.

ونظراً لهذا الخطر الإيراني، فقد سعت بعض الدول العربية، ومنها السعودية والإمارات، إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع القارة الأفريقية، فعلى سبيل المثال بلغ حجم الاستثمارات السعودية والإماراتية في إثيوبيا حوالي 13 و2 مليار دولار على التوالي، وركزت هذه الاستثمارات على القطاع الزراعي، خاصة أنها ترتبط بمحاولة الدولتين سد فجوة الأمن الغذائي.

وبدأت مصر في تنشيط وجودها العسكري في هذه المنطقة الحيوية، وهو ما وضح في تدشين الأسطول الجنوبي في مدينة سفاجا بمحافظة البحر الأحمر في يناير 2017.

3- تصاعد الدور التركي: فقد بدأت تركيا في تبني سياسة نشطة تجاه الدول الإفريقية، خاصة تلك المطلة على البحر الأحمر، فاستطاعت أن تقيم قاعدة عسكرية لها في الصومال، بالإضافة إلى التواجد التركي في جزيرة سواكن السودانية، والحديث عن إمكانية تحويلها لقاعدة عسكرية، فضلًا عن افتتاح الخطوط الجوية التركية خطوطًا ملاحية تُغطي أكثر من 29 دولة، بالإضافة إلى الزيارات الرسمية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العديد من الدول الإفريقية.

وقد نتج عن التطورات الثلاثة السابقة أنه لم يعد بالإمكان النظر إلى البحر الأحمر باعتباره بحيرة عربية، بل أصبحت الدول العربية والإفريقية بل والإقليمية والدولية فاعلًا أساسيًّا في ترتيبات الأمن في هذه المنطقة، بما رتبه ذلك من تحديات، خاصة في ضوء أن تواجد بعض القوى الإقليمية صار يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن الدول العربية.


أوضاع داخلية مأزومة:

أكدت الدكتورة أماني أن هذا التكالب الإقليمي والدولي على القارة الإفريقية يرافقه تراجع في المؤشرات التنموية، فلا تزال العديد من الدول الإفريقية تعاني من الفقر، على نحو ما هو واضح في حالتي جيبوتي وإريتريا، كما أن بعض الدول الأخرى تشهد تراجعًا للأوضاع الأمنية بها؛ إذ تشهد الصومال تناميًا واضحًا لحركة شباب المجاهدين، والتي شهدت عملياتها المسلحة ازديادًا واضحًا.

ونجحت في استهداف مناطق حيوية في العاصمة مقديشو، واستهداف قواعد عسكرية في مناطق متفرقة من جنوب وجنوب شرق البلاد، ومن المتوقع أن تزداد وتيرة العمليات الإرهابية، خاصة مع بدء قوات "بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال" في تقليص وجودها هناك وصولًا إلى الانسحاب الكامل بحلول 2020، في الوقت الذي لم تتمكن فيه حكومة الرئيس الصومالي "أحمد فرماجو" من بسط سيطرتها على البلاد.

وأضاف الدكتور عبدالرحمن أن منطقة الساحل الإفريقي تشهد هي الأخرى تصاعدًا للنشاط الإرهابي، خاصة مع انضواء المجموعات الإرهابية التابعة للقاعدة تحت لواء جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، بالإضافة إلى تصاعد نشاط تنظيم "داعش" في هذه المنطقة، وذلك ارتباطًا بحالة السيولة في ليبيا والهشاشة الأمنية لدول الساحل والصحراء، فضلًا عن عدم كفاية التمويل الذي أعلن عنه الاتحاد الأوروبي لتشكيل قوة إفريقية مشتركة لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل والمُقدَّرة بحوالي مائة مليار دولار، لا سيما وأن جيوش الدول الإفريقية في منطقة الساحل تحتاج إلى دعم تسليحي وفني، فضلًا عن تأمين المؤسسات الأمنية والعسكرية من الاختراق من جانب التنظيمات الإرهابية.

ملامح الموجة الثالثة:

تعقيباً على ورقة العمل الرئيسية للحلقة النقاشية، أكد الدكتور حمدي عبدالرحمن أن هناك سمتين أساسيتين للموجة الثالثة من التكالب الدولي على القارة الأفريقية، وهما:

1- الهندسة الخارجية: إذ إن القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في منطقة القرن الإفريقي باتت تفرض نفوذها على دول القارة، وتصيغ شكل العلاقات بين الدول العربية والإفريقية، دون إرادة من جانب الأفارقة أنفسهم. 

2- الاتجاه إلى العسكرة: فقد باتت الدول الإقليمية والدولية المؤثرة تلجأ إلى توظيف التواجد العسكري لحماية مصالحها ونفوذها، ولعل أبرز مثال على ذلك عسكرة النفوذ الصيني. ويعد أحد الأسباب التي دفعت إلى هذا التغير هو خسارة الصين لاستثماراتها في ليبيا عقب تدخل حلف الناتو عسكريًّا هناك.

ومن جهة ثانية فإن الولايات المتحدة تحتفظ بحوالي 4 آلاف جندي من قوات المارينز وقاعدة للطائرات بدون طيار في جيبوتي، بالإضافة إلى منصات درونز، لدعم جهودها في مكافحة الإرهاب، سواء في منطقة القرن الإفريقي، أو في اليمن. 

ومن جهة ثالثة، بدأت فرنسا هي الأخرى في تعزيز وجودها العسكري في غرب إفريقيا، وإن طرأ على السياسة الفرنسية تغير واضح، وذلك من خلال دعمها إنشاء قوة إقليمية مشتركة من دول الساحل الخمس (موريتانيا، ومالي، والنيجر، وبوركينافاسو، وتشاد) لمكافحة المجموعات الجهادية في تلك المنطقة.

وفي الختام، اتفق المشاركون في حلقة النقاش على تراجع الدور العربي في إفريقيا، بسبب الخلافات البينية بين الدول العربية، فضلًا عن ميل بعض الدول الغربية -خاصة فرنسا- إلى الربط بين العرب والإسلام من جانب، والإرهاب الإفريقي من جانب آخر، حيث نشطت هذه الأطروحات مع تنامي التنظيمات الإرهابية في منطقة القرن الإفريقي والساحل،  وثمة ضرورات قصوى تتعلق بمتطلبات الأمن الوطني للدول العربية تستلزم أن تحظى أفريقيا بمزيدٍ من الاهتمام الاقتصادي من كافة الدول العربية لعدم تحويل أفريقيا إلى ساحة خلفية للنفوذ الإقليمي الذي يعمل ضد مصالح الدول العربية.