صُدم كثيرون من المواقف الدولية من الأزمة الراهنة مع النظام القطري منذ تفجرها، وكان مصدر الصدمة أن جوهر الأزمة يتصل بواحدة من أخطر المشكلات التي لا تهدد أمن المنطقة واستقرارها فحسب، وإنما باتت تهدد أمن العالم أجمع على نحو ما شاهدنا في الآونة الأخيرة من عمليات إرهابية أوجعت عدداً يُعتد به من الدول، وبالذات في أوروبا، وبالتالي كان المنطقي والمتوقع أن تهب هذه الدول لمساندة الدول الأربع التي فضحت دعم النظام القطري للإرهاب وممارساته التخريبية.
ولكن المواقف الفعلية لتلك الدول بُنيت على تصريحات وتحركات لا علاقة لها بجوهر الأزمة وهو الحرب على الإرهاب وما يمثله الإرهاب من تهديد لأمن الإنسان والدول، إذ إنه باستثناء التصريحات الأولى للرئيس الأميركي التي اعترف فيها بأن لقطر تاريخاً في دعم الإرهاب -وإن تكفل سلوك إدارته اللاحق بتبديد الأثر الفعلي لهذه التصريحات- لاحظنا شبه إجماع من دول عديدة على مواقف «خشبية» تتحدث عن ضرورة الحفاظ على الاستقرار في منطقة الخليج ووحدة مجلس التعاون الخليجي، وأن الحوار يبقى الوسيلة الوحيدة لحل الأزمة.
وتكررت هذه المعاني على نحو بالغ الإملال، فالدول المقاطعة تتهم النظام القطري صراحة بالضلوع في دعم الإرهاب وممارسة أعمال تخريبية بحقها وحق غيرها من الدول، ومن ثم فإن رد الفعل المتوقع هو الدعم الدولي لهذا الموقف دون قيد ولا شرط. فإذا كان المجتمع الدولي لا يصدق هذه الاتهامات عليه أن يطالب الدول المقاطعة بالبراهين على اتهاماتها وهي جاهزة بالصوت والصورة والوثائق، ولكن أحداً لم يفعل ذلك لأنه يعلم صدق الاتهامات، بل إن عدداً من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين في الولايات المتحدة وأوروبا صرح غير ما مرة بإدانات صريحة للنظام القطري بسلوكيات داعمة للإرهاب ومتورطة فيه، فما هي الحكاية؟
سبق لي أن فسرت حقيقة المواقف الدولية بلغة المصالح، فالممسكون بالعصا من المنتصف كافة تجمعهم بالنظام القطري مصالح اقتصادية ضخمة ولا شك في أنهم يخشون عليها إن هم تبنوا كلمة الحق، فضلاً أن بعضهم على الأقل متواطئ معه في تنفيذ مخططات له يستخدم هذا النظام في تنفيذها. وهكذا لا يبدو أن ثمة أملاً قريباً في «صحوة ضمير» لتلك المواقف «الخشبية»، وآخر حلقاتها جولة وزير الخارجية الروسي الأخيرة في الخليج والمكالمة الهاتفية للرئيس الأميركي مع العاهل السعودي يوم الأربعاء الماضي. فقد قال الوزير الروسي مجدداً في هذه الجولة، إن روسيا تقف على المسافة نفسها من طرفي الأزمة، ومن ثم فهي تؤيد الوساطة الكويتية، وأنها على استعداد للمساهمة في جهود إنجاحها! وأنها تريد لمجلس التعاون الخليجي أن يكون في موقف يمكنه من حل المشاكل الإقليمية، وهو ما يذكرني بمثل شعبي مصري نصه «نقول لهم ثوراً فيقولون احلبوه»! فكيف تنجح الجهود الخيرة للوساطة الكويتية والنظام القطري مصرٌّ على أنه بريء من تهمة دعم الإرهاب؟ وكيف يكون مجلس التعاون الخليجي في موقف يجعله قادراً على حل المشكلات الإقليمية والمشكلة الأكبر التي تواجهه، كما تواجه غيره، هي خطر الإرهاب الذي يصر أحد أعضائه على دعمه بل ونشره في الدول التي قاطعته؟ أما الرئيس الأميركي فلم يخرج في مكالمته الهاتفية مع العاهل السعودي، الأربعاء الماضي، عن النهج ذاته، فقد كان جوهر موقفه في المكالمة حث جميع أطراف الأزمة على إيجاد حل دبلوماسي لها، مؤكداً أن الحل يجب أن يستند إلى التزامات قمة الرياض بالوحدة في مواجهة الإرهاب! كلام جميل ومعقول، ولكن لماذا يُقال لنا، فالأحق به هو النظام صاحب الممارسات الداعمة للإرهاب والتخريب، والذي ضرب عرض الحائط بمخرجات قمة الرياض.
هكذا يستمر هذا المسلسل الممل الذي تمنع المصالح بموجبه قوى دولية كبرى عن دعم الحرب على الإرهاب دعماً حقيقياً، فبدلاً من أن تتصدى بحسم لداعمي الإرهاب ومموليه تواصل التعامل معهم وتبيعهم السلاح وتجري معهم المناورات العسكرية وتتخفى وراء عبارات دبلوماسية لا معنى لها تتصور أنها سترفع عنها مسؤولية التقاعس عن مواجهة الإرهاب، ولذلك سيبقى قدر الدول التي كشفت داعمي الإرهاب وفضحتهم أن تواصل ما بدأته حفاظاً على أمنها ومساهمة منها في حماية العالم من خطر الإرهاب.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد