وقّع وزيرا الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، والسعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، على بيان مشترك، بالعاصمة الصينية، بكين، في 6 إبريل 2023، ينصّ على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في غضون شهرين، وذلك وفقاً لما نص عليه الاتفاق الثلاثي الذي وقُع بين البلدين، برعاية الصين، في 10 مارس 2023.
أبعاد لقاء بكين
في ضوء البيان المُشترك الذي وقّع عليه وزيرا خارجيتي إيران والسعودية في بكين، يمكن الوقوف على عدد من الملاحظات الأساسية يتمثل أبرزها فيما يلي:
1- تفعيل اتفاق بكين: اتفق الجانبان، خلال اللقاء، على تفعيل بنود الاتفاق الذي وقع بينهما في 10 مارس الماضي، والذي نص على إحياء اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين، والتي تم توقيعها في 17 إبريل 2001، وكذلك الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في 27 مايو 1998، هذا إلى جانب اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وقنصليتيهما العامتين في جدة ومشهد في غضون شهرين، بالإضافة إلى استئناف الرحلات الجوية، وتسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين بما في ذلك تأشيرة العمرة.
2- تبادل الزيارات الرسمية: دعا بن فرحان، خلال اللقاء، نظيره الإيراني لزيارة الرياض لعقد اجتماع ثنائي، ورحب الأخير بالدعوة، وبادل نظيره السعودي ذات الأمر، حيث دعاه لزيارة طهران، وهو ما لاقى تجاوباً من بن فرحان.
ويأتي في هذا السياق، دعوة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لزيارة الرياض، وهي الدعوة التي رحّب بها الأخير، وأشار النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد مخبر، إلى أن لقاء وزيري الخارجية السعودي والإيراني في بكين، سيتبعه زيارة رئيسي إلى الرياض، كما أعلن عبد اللهيان أن بلاده سوف ترسل دعوة للملك سلمان لزيارة طهران.
3- متابعة تنفيذ البنود غير المُعلنة: يلاحظ أن ما نُشر، رسمياً، حول الاتفاق الإيراني السعودي كان محدوداً باستثناء بنود عامة، مثل النص على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، غير أنه لم تتم الإشارة إلى الموقف من الصراع اليمني، على سبيل المثال، خاصة وأن جولات المفاوضات بين الرياض وطهران خلال العام الماضي بوساطة عراقية كانت تركز على هذه النقطة.
وكشفت مصادر أمريكية، منتصف مارس 2023، عن أن اتفاق 10 مارس، تضمن التفاهم بين الجانبين على وقف طهران تزويد المليشيات الحوثية في اليمن بالأسلحة سراً، وذلك لوقف تهديدات المليشيا ضد الأراضي السعودية، إلى جانب دعم طهران فرص التوصل لحل سلمي للأزمة اليمنية، وهو ما يُعد، في حال تحققه، تنازلاً مهماً من جانب إيران، والتي كانت تتعنت في تقديم أي تنازلات تسهم في حلحلة الصراع اليمني، وهو ما يكشف عن دور بكين في ممارسة ضغوط على طهران، فضلاً عن تحول الصين إلى فاعل أمني يتابع تنفيذ إيران لاتفاقها مع السعودية. وقد يكون اللقاء الأخير شهد متابعة لهذا الملف، وتقييماً لمدى التزام طهران به، ومن ثم المضي قدماً في خطوات إضافية على مسار تسوية الصراع اليمني.
دلالات الاجتماع الثاني
يكشف اللقاء بين وزيري خارجية السعودية وإيران عن عدة دلائل، يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
1- جدية جهود التطبيع الصينية: يُدلل اللقاء بين الجانبين على رغبتهما في استكمال مساعي الانفتاح بينهما، والذي بدأه الطرفان بتوقيع الاتفاق في بكين، إذ يمثل اللقاء ذاته تنفيذاً لأحد بنود الاتفاق، والذي نصّ على عقد لقاء بين وزيري الخارجية لبحث ترتيبات عودة السفراء واستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وأكد بن فرحان وعبد اللهيان في بكين أهمية متابعة تنفيذ الاتفاق وتفعيله، بما يعزز الثقة المتبادلة ويوسّع نطاق التعاون، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة. ويُشير ذلك إلى عزم الطرفين المضي قدماً في مسار التطبيع رغم وجود ملفات خلافية بين الجانبين، والتي أشار وزير الخارجية السعودي إلى إنها ما زالت موجودة برغم توقيع الاتفاق، والتي قد تتمثل في أحد جوانبها، بالتحديات التي يفرضها البرنامج النووي الإيراني.
2- سعي واشنطن لاستعادة دورها: سعت واشنطن إلى التهوين من الاتفاق السعودي الإيراني مؤكدة أنه لا ينتقص من دورها الإقليمي، غير أنه بدا من الواضح أن هذا الادعاء لم يكن صحيحاً تماماً، فقد كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 5 إبريل، عن أن مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، قام بزيارة غير معلنة للسعودية، أعرب خلالها عن استيائه من قرار سلطات المملكة العربية السعودية بتحسين العلاقات مع إيران وسوريا، وهو ما يكشف عن أن موقف واشنطن الحقيقي لم يكن مرحباً بالكامل بالاتفاق السعودي الإيراني، كما سعت للتأكيد في ردودها الأولية على الاتفاق، بل بدا من الواضح أن واشنطن تسعى لاستعادة جانب من مصداقيتها الإقليمية، وذلك عبر تأكيد الصحيفة أن بيرنز أكد للرياض رغبة واشنطن في تعزيز التعاون مع الأولى في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب.
3- انفتاح إيراني على الإقليم: أعلنت طهران تعيين رضا عامري سفيراً لها في دولة الإمارات قبل يوم واحد من اجتماع وزيري خارجية السعودية وإيران. وجاء إرسال السفير الإيراني في ضوء زيارة قام بها شمخاني إلى دولة الإمارات، والتقى فيها كبار المسؤولين، في 16 مارس 2023.
وتُشير بعض الدوائر الإيرانية، ومنها مراكز فكر تابعة لوزارة الخارجية الإيرانية، إلى رغبة طهران في اتخاذ الاتفاق مع الرياض منصة لإطلاق حوار شامل بين إيران وباقي دول الخليج العربية. ويعكس هذا الموقف، في حالة جدية إيران في تبنيه، أن إيران تسعى للتوصل لتسوية إقليمية واسعة تستهدف إيجاد علاقات تعاونية مع دول المنطقة، ومن ثم تخفيف الضغوط والحصار والعزلة التي تسعى واشنطن لفرضها عليها، بل إن طهران قد تسعى لاستثمار المفاوضات الإقليمية لدعم أي جهود مستقبلية ترمي لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وذلك على أساس أنها ناقشت تدخلاتها الإقليمية مع دول المنطقة، وتوصلت لتفاهمات حولها، خاصة وأن دول المنطقة كانت ترغب في أن يكون هذا الملف جزءاً لا يتجزأ من مفاوضات البرنامج النووي الإيراني.
وبطبيعة الحال، فإن هذا الأمر يتطلب من طهران تغييراً جوهرياً في سياستها، وتقديم تنازلات جدية في سلوكها تتمثل في التوقف عن جهودها للهيمنة على بعض دول الصراعات العربية، وإقامة علاقات تقوم على الندية والمساواة، وهو أمر، في حال حدوثه، قد يؤسس لاستقرار إقليمي ينعكس إيجاباً على دول المنطقة.
4- مواجهة طهران الضغوط الأمريكية: تسعى إيران من جراء استكمال مساعي التطبيع مع السعودية ودول الجوار العربي، إلى مواجهة ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، على أساس أن تلك المصالحات تمثل، وفقاً للرؤية الإيرانية، إحباطاً لمساعيهما في حصار طهران، وعزلاً لموقف الأطراف التي تجري التصالح معها عن موقف واشنطن وتل أبيب من إيران، خاصة في ضوء ما تم الإشارة إليه، في 6 إبريل 2023، بشأن تصريحات لمدير الاستخبارات الأمريكية وليام بيرنز، خلال لقائه مسؤولين استخباريين سعوديين، بأن واشنطن محبطة من الاتفاق بين الرياض وطهران.
وتزامن لقاء وزيري الخارجية مع تصاعد الهجمات المتبادلة بين المليشيات الإيرانية والقوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، وتكثيف إسرائيل لضرباتها على مواقع تابعة لتلك المليشيات في الأراضي السورية، وهو ما أسفر عن مقتل نحو 14 من عناصر تلك المليشيات نتيجة القصف الأمريكي، فضلاً عن مقتل مستشارين تابعين للحرس الثوري الإيراني نتيجة الغارات الإسرائيلية في سوريا.
مسارات التطبيع المحتمل
قد يأخذ الانفتاح بين الجانبين السعودي والإيراني أحد المسارات الآتية:
1- مسار الانفتاح الجزئي: يرتكز هذا المسار على أساس أن الاتفاق بين إيران والسعودية وما تلاه من اتصالات بين وزيري خارجية البلدين سيسهم في حل الملفات العالقة بين الجانبين، أي إيجاد تسوية للصراع اليمني، بالإضافة إلى تحجيم تهديدات إيران، بالصواريخ والطائرات المسيرة، إلى دول المنطقة، غير أنه لن يطال التوصل لتفاهمات حول برنامج إيران النووي بالضرورة. وتسعى طهران، في المقابل، بموجب هذا السيناريو لاستثمار الاتفاق مع السعودية لتحقيق مزايا اقتصادية تسهم في تخفيف الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها جراء العقوبات الأمريكية.
2- مسار السلام البارد: يعتمد هذا المسار على تهدئة طهران والرياض لحدة الصراعات القائمة بينهما، ولكن دون التوصل إلى حلول نهائية بشأن الملفات الخلافية، مثل الصراع اليمني، وذلك في ضوء تعقد وتشابك تلك الملفات.
3- العودة لما قبل 2016: يرتكن هذا المسار إلى عودة طهران والرياض إلى ما كان عليه الوضع بينهما قبل عام 2016، وهو عام القطيعة الدبلوماسية بين الجانبين، على إثر اقتحام السفارة السعودية في طهران والقنصلية العامة في مشهد، بمعنى استئناف العلاقات الدبلوماسية، مع استمرار التصعيد في الملفات الأخرى واستمرار حالة عدم الثقة وتبادل الاتهامات بين الطرفين، وذلك في ضوء تمسك إيران بموقفها تجاه تلك الملفات وعدم رغبتها في تغيير سلوكها.
وفي التقدير، يمكن القول إن مصير الانفتاح الإيراني على السعودية يظل مرهوناً بسلوك طهران حيال الصراعات الإقليمية، وفي القلب منها الصراع اليمني، ويلاحظ أن تعهدها بمنع توريد الأسلحة للحوثيين يُعد خطوة مهمة باتجاه إيجاد تسوية جدية للصراع اليمني، خاصة وأنه من الواضح أن الصين، تؤدي دوراً في مراقبة امتثال إيران لالتزاماتها، بل إن واشنطن نفسها قد تكون طرفاً هي الأخرى، خاصة بعد تأكيد بيرنز أنه يسعى لتعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني مع الرياض.