أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تهديدات غير تقليدية:

مستقبل العنف في ظل التطورات التكنولوجية

24 نوفمبر، 2015


إعداد: أحمد عبدالعليم


يشهد العالم تهديدات أمنية غير تقليدية ترتبط في أغلبها بالتطورات التكنولوجية المتسارعة، والتي تأخذ أشكالاً مختلفة من وقت لآخر. ولم تعد هذه التهديدات قائمة فقط بين الدول وحدها، ولكن بات هناك فاعلون من غير الدول لديهم القدرة على إحداث أضرار بالغة وخسائر كبيرة بالدول، وهؤلاء الفاعلين قد يكونوا جماعات أو حتى أفراد لديهم القدرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة. وكل تلك التهديدات من شأنها أن تؤثر على مستقبل العنف في العالم، حيث لم يعد هذا العنف حكراً على استخدام الجيوش أو الأسلحة التقليدية، وإنما أضحت الدائرة تستوعب العديد من الأدوات المستحدثة والآليات الأخرى الجديدة.

وفي هذا الإطار، يأتي الكتاب الصادر في مارس 2015 بعنوان: "مستقبل العنف.. الروبوتات، الجراثيم، القرصنة الإلكترونية، والطائرات المُوّجهة بدون طيَّار - مواجهة عصر جديد من التهديد"، وهو كتاب شارك في تأليفه كل من Benjamin Wittes وهو زميل بارز في مؤسسة بروكنجز الأمريكية، وGabriella Blum وهي أستاذ حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بكلية الحقوق في جامعة هارفارد.

ويتطرق الكتاب إلى بحث المخاطر الأمنية غير التقليدية وما يمكن أن ينتج عنها من تأثير على طبيعة العنف في العالم، وذلك في ظل أن العالم يشهد طفرة في استخدام الطائرات الموجهة بدون طيّار، والتجسس الإلكتروني من قِبل وكالات الأمن القومي، بالإضافة إلى التوجُّه العالمي نحو استخدام الروبوتات؛ فكل هذه الأدوات من شأنها أن تؤثر على مستقبل العنف سواء من حيث التحديّات أو المخاطر الهائلة المرتبطة بها.

المخاطر الأمنية الجديدة والتحوُّل في طبيعة العنف

يشير الكاتبان إلى ما يمكن تسميته "تقنيات التمكين الشامل" أي الإنترنت وما يرتبط به من تكنولوجيا مثل الروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها من التقنيات الجديدة التي لها استخدامات مفيدة وإيجابية، لكنها في الوقت نفسه تمثل تهديداً كبيراً في ظل أنها قادرة على إنتاج بيئة من الحرية غير المسئولة، وما يمكن أن يترتب على ذلك من إحداث أضرار كبيرة.

ويوضح الكاتبان أن هذه التهديدات غير التقليدية ليست جديدة، لكنها قديمة وآخذة في التطور بشكل كبير، وأنه تمّ استخدام تلك التقنيات في مرحلة ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث أصبح هناك فاعلون دوليون من غير الدول، وهم الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة.

وفي ذات السياق؛ يبرز الكتاب الهجمات الإلكترونية باعتبارها أحد تلك التحديّات الكبرى التي تواجه العالم وتفاقم من مستقبل العنف، حيث أن هذه الهجمات من شأنها أن تُلحق أضراراً بالغة بالمؤسسات الحكومية الهامة، وكذلك بالشركات الخاصة. وذلك يعني أن الدول مُطالبة بتعظيم قوتها بشكل متزايد من أجل مواجهة مثل هذه المخاطر الكارثية.

ويحذر الكتاب في هذا الصدد من انتشار استخدام الطائرات الموجهة بدون طيار، والتي تتطور بشكل كبير وتنتشر في أرجاء العالم بعيداً عن احتكارها لصالح أطراف بعينهم. وثمة مخاوف من احتمالية وصول هذه الطائرات إلى الأفراد، وهو ما يجعل العالم قد يبدو - بحسب عبارات الفيلسوف "توماس هوبز" - بمثابة "حرب الكل ضد الكل"، ما يستدعي ضرورة حماية الدولة كبنيان قوي قادر على مواجهة تلك المخاطر.

وبالتالي، فإن الكاتبين يجادلان بأن التهديدات الكبرى لم تعد تأتي فقط من الجيوش الوطنية، ولكنها قد تأتي من أي شخص أو جماعة، ومن أي مكان. ومن ثم، فإن التهديدات الأمنية المرتبطة بالتقدم التكنولوجي قد نجحت في تحويل طبيعة العنف إلى نقطة أصبح فيها التمييز بين "الحرب واللا حرب" أقل وضوحاً من أي وقت مضى. ومن جانب آخر، فإن ثمة تراجعاً لدور الدول في مواجهة الجماعات، وكذلك فإن هناك تضاؤلاً لدور الحكومات في حماية مواطنيها بشكل كبير.

تفاقم المخاطر العالمية وسُبل مواجهتها

يشير الكاتبان إلى أن كل شخص بات مُضطراً أن يخاف أكثر من أي وقت سابق، وذلك لأنه حتى مع انتشار التجارة العابرة للحدود في ظل العولمة إلا أن هذا التواصل الآمن لا يعكس تراجع دائرة العنف، حيث أن التكنولوجيا جعلت دائرة العنف تتسع لتشمل تهديدات جديدة، وتمتد لمساحات مختلفة عن تلك التي عرفها العالم لعقود، إذ انتقلت التهديدات بشكل كبير إلى الفضاء الإلكتروني.

وفي هذا الإطار؛ يقترح الكاتبان ضرورة زيادة وعي المواطنين من أجل ضمان حمايتهم من أي مخاطر إلكترونية محتملة، وذلك من خلال تأكيد الدولة على أن يستخدم مواطنوها كلمات مرور قوية وتحديث البرامج الإلكترونية الخاصة بهم. كما يشير الكاتبان إلى أهمية أن تكون الشركات المُصنعة للبرامج التكنولوجية هي المسئولة عن أي اختراقات قد تحدث وثؤثر سلباً على أمن الأفراد أو الدول.

وفي ذات السياق؛ فإن الكاتبين يؤكدان على أن هذه التهديدات الجديدة من شأنها أن تؤثر على مفاهيم الحكم وسيادة الدول داخل إقليمها في ظل تلاشي الحدود عبر الفضاء الإلكتروني من جانب، وتضاؤل قبضة الدولة على مواطنيها من جانب آخر.

وكذلك بيرز الكاتبان أن التهديدات الأمنية غير التقليدية المرتبطة بالأدوات التكنولوجية خلقت أبعاداً جديدة للعلاقة بين الأمن والخصوصية والحرية، حيث أن الأفراد باتوا وبحسن نية يقومون بتبادل بياناتهم الشخصية وجعلها متاحة لأفراد وجماعات لا يعرفونهم بشكل شخصي، وهي بيانات قد تستخدم لأغراض حسنة ومنها التجارية، ولكنها من ناحية أخرى قد تُستخدم لتنفيذ أعمال إرهابية أو للجرائم المنظمة عبر الإنترنت.

مستقبل العنف في ضوء تزايد التهديدات غير التقليدية

يتطرق الكتاب إلى مستقبل العنف في ظل المعطيات القائمة، ومع انتشار عدوى التطورات السريعة في مجال (التكنولوجيا الحيوية، الروبوتات، وتكنولوجيا الإنترنت)، مشيراً إلى أنه بالرغم مما أوجدته هذه التقنيات من فرص غير مسبوقة للنمو الاقتصادي والتقدم في مجالات عديدة ومنها الرعاية الصحية، بيد أن تلك التطورات قد زادت من ضعف الدول لصالح الأفراد والجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهو ما يعني زيادة مخاطر مستقبل العنف في العالم خلال السنوات المقبلة بأدوات وآليات مستحدثة لم يشهدها المجتمع الدولي من قبل خلال العقود الماضية.

فعلى سبيل المثال؛ انتشرت الأجهزة المحمولة المتصلة بالإنترنت والتي ساعدت على تمكين الأفراد من إنجاز مهام وأعمال كثيرة، غير أن ذلك أوجد فضاءً سيبرانياً يُمكن من خلاله استغلال الأفراد وابتزازهم وسرقتهم والهجوم عليهم.

وفي هذا الإطار، يظل مستقبل العنف مرهوناً بشكل كبير بالهجمات الإرهابية، حيث أن هذه الهجمات تتسم بأنها عابرة للحدود وقادرة على إحداث أضرار بالغة من قبل جماعات في مواجهة الدول، وهو ما يخلق إشكالية مرتبطة بالحرية والخصوصية.

كما أن تلك الهجمات الإرهابية الإلكترونية تتسم بأنها متصلة بين دول العالم، أي أن الهجوم الإرهابي على دولة ما يمكن أن يؤثر على الأمن في دولة أخرى، وهو ما يستدعي التدخل في بعض الأوقات من الدول. وبالتالي تبرز إشكالية أخرى مرتبطة بفكرة السيادة ومدى قدرة الدول على حماية مصالحها في مواجهة الجماعات أو الدول الأخرى. ومن ثم، في ضوء هذه التحديات لن يصبح مستقبل الأمن في العالم مضموناً بكل تأكيد.

ختاماً، يحاول هذا الكتاب استكشاف التهديدات الأمنية غير التقليدية المرتبطة بظهور التكنولوجيا الجديدة وتطورها، كما أنه يفتح نقاشات جديّة حول مستقبل العنف في العالم من أجل الوصول إلى صيغة أفضل يمكن من خلالها بذل مزيد من التعاون الدولي لمواجهة التهديدات والمخاطر المتزايدة سواء كانت قائمة أو متحملة بشكل يجعل مستقبل العنف في العالم أكثر تفاؤلاً من اللحظة الراهنة التي تصف العنف في المستقبل بأنه قد يكون أمر كارثياً.


* عرض مُوجز لكتاب بعنوان: "مستقبل العنف.. الروبوتات، الجراثيم، القرصنة الإلكترونية، والطائرات الموّجهة بدون طيَّار - مواجهة عصر جديد من التهديد"، والصادر في مارس 2015.

المصدر:

Benjamin Wittes and Gabriella Blum, The Future of Violence: Robots and Germs, Hackers and Drones—Confronting A New Age of Threat, (New York: Basic Books, March 2015) pp 336 .