أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

متغيرات مترابطة :

هل تنجح الإصلاحات الحكومية في إنقاذ الاقتصاد اللبناني؟

29 أكتوبر، 2019


أطلقت الحكومة اللبنانية خلال الأيام الماضية ما يمكن تسميته بـ"خطة الإصلاح الاقتصادي" في مواجهة ما يعانيه الاقتصاد من مشكلات تسببت في اندلاع الاحتجاجات الشعبية واستمرارها لما يقرب من أسبوعين حتى الآن، والتي خرجت مدفوعة بعدد من الضغوط الاقتصادية، المتمثلة في ارتفاع الأسعار، وعدم توافر بعض السلع الأساسية، وتدني مستويات الأجور في بعض القطاعات، وانتشار الفساد. وتضمنت الخطة ما يربو على 17 بنداً، فيما بدا وكأنه استجابة للاحتجاجات الشعبية في البلاد. وفي مثل هذه الظروف، تتبادر إلى الأذهان تساؤلات عديدة حول فرص نجاح الحكومة في القيام بتلك الإصلاحات، وما إذا كانت ستكون في حاجة إلى مساعدات خارجية من عدمه، وفرص حصولها على تلك المساعدات.

مؤشرات الأزمة: 

قدّر البنك الدولي نمو الاقتصاد اللبناني بنحو 0.2% في عام 2018. وتتمثل محركات الاقتصاد في ثلاثة قطاعات هى العقارات والبناء، والتمويل، والسياحة، وبحسب البنك، فإن جميع هذه القطاعات تعاني إما تباطؤاً شديداً في النمو أو انكماشاً صافياً، متأثرة بالعوامل الجيوسياسية في الإقليم، ولاسيما الأوضاع في سوريا. ويبدو أن تأثير هذه العوامل على أداء الاقتصاد قد ازداد خلال الشهور الأخيرة، ودللت على ذلك تصريحات حاكم مصرف لبنان المركزي، على هامش مؤتمر "يوروموني" الذي انعقد في بيروت في يونيو 2019، والذي قال أن "معدل النمو في لبنان تراجع إلى الصفر تقريباً منذ بداية عام 2019". وهذه التصريحات تزيد من احتمالات تراجع معدلات النمو الكلية في لبنان إلى النطاقات السالبة بنهاية العام الجاري، أو في العام المقبل على أقصى تقدير.

وإذا كان معدل النمو المتباطئ يعكس الصورة الكلية المتراجعة للاقتصاد، فإن المؤشرات التفصيلية بدورها تؤكد هذا الحكم. ويمكن هنا التطرق إلى مؤشر عجز الحساب الجاري، الذي تجاوز مستوى 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك نتيجة أسباب عدة، كتباطؤ نمو الصادرات، بالتزامن مع تسارع نمو الواردات، نتيجة تزايد استيراد المحروقات؛ هذا بجانب تراجع صافي تحويلات العاملين في الخارج. ويعد ارتفاع عجز الحساب الجاري أحد أهم التحديات الاقتصادية التي تواجهها لبنان، تلك الدولة التي تعد من أكثر الاقتصادات اعتماداً على العالم الخارجي. 

ويمثل تراجع أداء قطاع التجارة الخارجية بهذا الشكل بوابة للعديد من المشكلات الاقتصادية بالنسبة للبنان، والتي ليس أقلها شُح المعروض من العملات الأجنبية، والذي يعد بدوره هو المحرك الأساسي لتراجع قيمة الليرة الذي بدأ منذ فترة ومازال مستمراً. ويبلغ سعر صرف الليرة حالياً  1515.15 ليرة مقابل الدولار الواحد، وهو أدنى مستوى لها منذ ما يزيد عن 22 عاماً. وتظل الليرة -في مثل هذه الظروف- مرشحة للمزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة، لاسيما وأنها قد فقدت  نحو 0.5% من قيمتها خلال الأسبوع الماضي، إذ أن سعر صرفها كان قد بلغ 1507.2 ليرة للدولار الواحد قبل بداية ذلك الأسبوع. وما يعزز من احتمال تراجع الليرة أيضاً هو أن سعر صرفها تجاوز مستوى الـ1600 ليرة للدولار الواحد في السوق الموازية، وهو مستوى لم تصله كذلك منذ ما يزيد عن 22 عاماً. 

بالإضافة إلى ذلك، يعاني الاقتصاد من أوضاع مالية حرجة للغاية، حيث توضح تقديرات صندوق النقد الدولي ارتفاع عجز الموازنة في العام المالي الجاري إلى ما يزيد عن 11% من الناتج المحلي الإجمالي، بجانب بلوغ الدين الحكومي نسبة تفوق الـ 155% من الناتج المحلي الإجمالي.

فرص النجاح: 

يحمل تراجع قيمة الليرة دلالات ذات أهمية كبيرة بالنسبة للأوضاع الاقتصادية الكلية في لبنان، فهو تسبب في ارتفاع معدل التضخم في البلاد خلال الفترة الماضية إلى 6.1%، ويعد هذا الأمر ذا تأثير سلبي كبير على الأوضاع المعيشية للسكان هناك، ويمثل تهديداً للنمو الاقتصادي، الذي يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الاستهلاكي الخاص. وتظهر البيانات أن هذا الإنفاق بلغ 88.4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2004 وحتى 2016.

ولعل هذا الأمر هو ما دفع الحكومة إلى تبني خطة إصلاحات اقتصادية خلال الأسبوع الماضي، مركزة على معاجلة المشكلات الأكثر إلحاحاً، وشملت بنوداً عديدة أهمها:

• تخفيض عجز الموازنة إلى 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي.

• تخصيص 20 مليار ليرة إضافية لبرنامج دعم الأسر الأكثر فقراً.

• تخصيص 160 مليون ليرة لدعم القروض السكنية.

• خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50%.

• خفض موازنات مجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجرين ومجلس الجنوب بنسبة 70%.

• إعداد مشروع قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد.

• إقرار ضمان الشيخوخة قبل نهاية السنة الجارية.

• إعداد مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة.

وختاماً، فإنه برغم أن هذه الإصلاحات تتصدى في ظاهرها إلى المشكلات الاقتصادية الملحة في لبنان، وخاصة مشكلة عجز الموازنة، كما أنها تسعى إلى تخفيف الأعباء المعيشية من على كاهل العديد من الفئات السكانية في البلاد، ومحاربة الفساد، إلى غير ذلك من أهداف اقتصادية مهمة، لكن في الحقيقة من المتوقع أن تواجه الحكومة مشكلات كبيرة في الوفاء بتلك الإصلاحات، التي جاءت في صورة تعهدات، لاسيما أنها جاءت استجابة للاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ أيام عديدة في بيروت. ويرجح أن تجد الحكومة نفسها محدودة القدرات في ظل محدودية إمكاناتها المالية الذاتية، وكذلك عدم إمكانية التعويل على تدفقات الاستثمار الأجنبي والسياحة والميزان الجاري من أجل تمويل تلك الاحتياجات، وفي المجمل يمكن القول أن قدرة الحكومة على الوفاء بتلك الإصلاحات ستكون مرهونة في المقام الأول بفرص حصولها على دعم مالي خارجي، سواءً من حكومات الدول الأخرى أو المنظمات الاقتصادية الدولية، وهو ما ستوضحه الأيام المقبلة.