أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

آليات المواجهة:

ظاهرة المقاتلين الأجانب في الاتحاد الأوروبي

15 مايو، 2016


إعداد: د/ إسراء أحمد إسماعيل


في عام 2012، ظهرت التقارير الأولى التي تناولت ما يُسمى بظاهرة "المقاتلين الأجانب" الذين تركوا بلدانهم للانضمام إلى المعارضة السورية ضد نظام "بشار الأسد". ومنذ ذلك الحين، ازداد عدد المنضمين إلى ساحات القتال العراقية والسورية بشكل كبير، حيث تضاعف العدد خلال الفترة من سبتمبر 2014 إلى سبتمبر 2015، وبلغ نحو 30 ألف مقاتل قادمين من 104 دول مختلفة. وحذر خبراء ومسؤولون حكوميون من التهديدات الأمنية المتزايدة المحتملة جرّاء هذه الظاهرة، والتي قد تشمل دولاً أوروبية وغيرها.

وفي هذا الصدد، أصدر المركز الدولي لمكافحة الإرهاب(ICCT)  تقريراً تحت عنوان: "ظاهرة المقاتلين الأجانب في الاتحاد الأوروبي.. الملامح والتهديدات والسياسات". ويهدف التقرير إلى تحديد ملامح هذه الظاهرة، والحقائق المرتبطة بها في سياق الصراعات بكل من سوريا والعراق، فضلاً عن تقييم التهديدات، والاستجابات السياسية لها على مستوى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه.

أعداد وسمات المقاتلين الأجانب

وفقاً للتقرير، فقد بلغ العدد الإجمالي للمقاتلين الأجانب في 23 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي الدول التي تضمنها الاستبيان الخاص بالمركز الدولي لمكافحة الإرهاب، 3710 مقاتلين. وعند استكمال هذه البيانات مع المصادر المعلوماتية الأخرى، فإن تقدير الاتحاد الأوروبي يتراوح بين 3922 و4294 مقاتلاً أجنبياً، غالبيتهم بنحو 2838 مقاتلاً من أربع دول فقط، وهي: بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، مع ملاحظة أن بلجيكا لديها أعلى معدل من المقاتلين الأجانب. ويعتبر الكثيرون أن المقاتلين الأجانب العائدين يمثلون تهديداً أمنياً محتملاً، ويشير التقرير إلى أن متوسط 30٪ من هؤلاء المقاتلين قد عادوا إلى بلدانهم.

ويستطرد التقرير في تسليط الضوء على أبرز سمات المقاتلين الأجانب في أوروبا، كالتالي:

  • نحو 17% من المقاتلين الأوروبيين من الإناث، كما أن غالبية المقاتلين (90٪ - 100٪) جاءوا من مناطق حضرية كبيرة أو الضواحي المحيطة بها. ويُلاحظ أن العديد من المقاتلين الأجانب من الأحياء أو المناطق نفسها، الأمر الذي يشير إلى وجود شبكات متطرفة تعمل في هذه الأنحاء، وتمكنت من تجنيد دائرة من الأصدقاء الذين قرروا أن يغادروا معاً إلى سوريا أو العراق.
  • ثمة عدد كبير من المتحولين إلى الإسلام بين المقاتلين الأجانب، حيث إن حوالي ما بين 6٪ و23٪ من هؤلاء المقاتلين الأجانب تحولوا إلى الإسلام.
  • شخصية المقاتلين الأجانب ضعيفة اجتماعياً، حيث إنهم بالأساس أفراد مهمشون، أو مجموعات من الشباب تمر بمراحل انتقالية في حياتها، وتم تجنيدهم خلال فترة قصيرة نسبياً من الزمن.

التهديدات في دول الاتحاد الأوروبي

  • وفقاً للوثائق الرسمية في الاتحاد الأوروبي، حدد التقرير أربعة جوانب خاصة بظاهرة المقاتلين الأجانب، والتي تشكل مصادر التهديد لأوروبا، وهي:
  • الأشخاص الذين يسعون للسفر من دول الاتحاد الأوروبي من أجل القتال في سوريا والعراق.
  • المقاتلون الأجانب العائدون، والذين نالوا تدريباً عسكرياً، وأصبحوا يتمتعون بخبرة قتالية.
  • تأثير ظاهرة المقاتلين الأجانب والأنشطة الإرهابية ذات الصلة على التماسك الاجتماعي داخل دول الاتحاد الأوروبي.
  • التهديد الذي يشكله من كانوا ينوون السفر للقتال في سوريا أو العراق، وتم منعهم من السفر، حيث قد يقوم هؤلاء بشن هجمات داخل دول الاتحاد الأوروبي بدلاً من سفرهم.

أربع ركائز أوروبية لمكافحة الإرهاب

يذكر التقرير أن استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب تعتمد على أربع ركائز أساسية، هي: (المنع، والحماية، والمتابعة، والاستجابة)، وهذه الاستراتيجية لاتزال تُعتبر المنظور الرئيسي الذي يتم من خلاله النظر إلى ظاهرة المقاتلين الأجانب، وتُصاغ من خلاله الخيارات السياسية. وفي حين تم وضع الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة الإرهاب في عام 2005، إلا أن استجابة الاتحاد الأوروبي لم تبدأ إلا في عام 2013 في ظل الرد على تهديدات المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق.

وفي عام 2014، حدد مجلس العدل والشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي (JHA) أربعة مجالات ذات أولوية، وهي: منع التطرف، وتبادل المعلومات على نحو أكثر فعَّالية مع البلدان الأخرى ذات الصلة، ورصد وإعاقة سفر المشتبه بهم، والتحقيق مع المقاتلين الأجانب ومحاكمتهم، وذلك على النحو التالي:

1- منع التطرف: أكدت المفوضية الأوروبية، في عام 2014، أهمية منع التطرف، والتطرف العنيف الذي يؤدي إلى الإرهاب، وتعزيز استجابة الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب. وكانت المفوضية قد أطلقت، في عام 2011، ما يُسمى "شبكة التوعية ضد التطرف"(RAN) ، بهدف المساعدة في تبادل الخبرات المتعلقة بمكافحة هذه الظاهرة.

وفي نوفمبر 2015، تم تأسيس مركز لجمع ونشر الخبرات بشأن مناهضة التطرف، واستكمال جهود "شبكة التوعية ضد التطرف". ونظراً لأهمية شبكات التواصل الاجتماعي بالنسبة لتنظيم "داعش"، قررت المفوضية الأوروبية دعم فريق استشاري يتمثل دوره في مساعدة الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي على تطوير ردود فعَّالة ضد الدعاية الجهادية لتنظيم "داعش". وبالإضافة إلى ذلك، تم التركيز على إزالة المحتوى المتطرف الموجود على شبكة الإنترنت. وفي يوليو 2015، أنشأت وكالة تطبيق القانون الأوروبية "يوروبول" Europol وحدة لمحاربة الجرائم المعلوماتية بناءً على طلب مجلس العدل والشؤون الداخلية.

2- تبادل المعلومات: تم تعزيز التعاون الدولي خاصةً مع الدول القريبة جغرافياً من سوريا والعراق. كما أنشأت وكالة تطبيق القانون الأوروبية ما يُسمى المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب في لاهاي في يناير 2016، كمنصة للتنسيق وتبادل المعلومات، مع التركيز على التحديات ذات الصلة بالمقاتلين الأجانب، والاتجار غير المشروع في الأسلحة، وتمويل الإرهاب.

3- متابعة وإعاقة سفر المُشتبه بهم: في أبريل 2013، انطلق الجيل الثاني من نظام معلومات شنغن، والذي سمح بسهولة تبادل المعلومات بين سلطات مراقبة الحدود الوطنية، وسلطات الجمارك، والشرطة حول الأشخاص المشتبه تورطهم في جرائم خطيرة، وهو يُعد أداة حاسمة لمكافحة ظاهرة المقاتلين الأجانب، فضلاً عن تبادل المعلومات بين دول الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى فيما يتعلق بالأشخاص المشتبه بهم.

4- مقاضاة المقاتلين الأجانب: قام الاتحاد الأوروبي بتعديل وتحديث قرار مجلس الاتحاد الأوروبي لعام 2002 لكي يكون قادراً على التعامل مع التحديات القانونية الجديدة الناجمة عن ظاهرة المقاتلين الأجانب. وفي ديسمبر 2015 وافقت المفوضية الأوروبية على توجيهات جديدة لتحل محل القرارات الإطارية الصادرة عامي 2002 و2008 بشأن مكافحة الإرهاب، خاصةً ما يتعلق بتقديم التدريب والتمويل للإرهابيين.

تدابير وقائية

أكد التقرير أن كل دولة في الاتحاد الأوروبي وضعت نهجها الخاص بمكافحة الإرهاب والتطرف، والتصدي لظاهرة المقاتلين الأجانب. وقد لجأت بعض الدول، بما في ذلك التي عانت بشكل محدود الحوادث الإرهابية ولديها عدد صغير من المقاتلين الأجانب، إلى وضع استراتيجيات شاملة في هذا الشأن، أو هي حالياً في طريقها إلى ذلك.

ويضيف التقرير أن الدول الأوروبية لديها مجموعة واسعة من التدابير الأمنية والتشريعية لمواجهة مشكلة المقاتلين الأجانب، والتي تتراوح بين تبادل المعلومات إلى إسقاط الجنسية. وفي أعقاب هجمات باريس الإرهابية في يناير 2015، أعلنت دول الاتحاد الأوروبي تعزيز وتقوية أجهزة الأمن والاستخبارات، فضلاً عن تكثيف الرقابة على الحدود، وتوسيع استخدام أساليب التحقيق الخاصة.

كما اهتمت بعض الدول بأساليب الوقاية من التطرف، ومعالجة أسبابه، عبر اتخاذ العديد من التدابير، مثل: الحوار بين الثقافات والأديان، والتواصل والتفاعل مع المجتمعات الإسلامية، ومكافحة الدعاوى الجهادية.

ختاماً، عرض التقرير عدداً من التوصيات للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي للتعامل مع ظاهرة المقاتلين الأجانب، وجاء في مقدمتها ضرورة إيجاد تعريف مشترك لهذا التهديد لضمان اتساق السياسات، والدقة في جمع البيانات وتحليلها، والتركيز على برامج الوقاية من التطرف، والتطرف العنيف، والتعلم من التجارب السابقة والممارسات الجيدة الخاصة بتطوير برامج تأهيل وإعادة إدماج المقاتلين العائدين، إلى جانب الاهتمام بتعديل السياسات الحالية، وإعادة تقويم آليات الإنذار المبكر.

* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "ظاهرة المقاتلين الأجانب في الاتحاد الأوروبي.. الملامح والتهديدات والسياسات"، والصادر  في أبريل 2016 عن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب(ICCT) .

المصدر:

Bibi van Ginkel and Eva Entenmann (eds.), The Foreign Fighters Phenomenon in the European Union: Profiles, Threats & Policies, (The Netherlands: The International Centre for Counter-Terrorism, April 2016).