أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مُبادرات جديدة:

هل ستُسهم زيارة وزير الخارجية الإيراني لعُمان في حلحلة المفاوضات النووية؟

26 أبريل، 2023


أجرى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في 25 إبريل 2023، زيارة رسمية إلى مسقط، على رأس وفد سياسي، تلبية لدعوة من وزير خارجية سلطنة عُمان بدر بن حمد البوسعيدي، واستغرقت الزيارة يومينْ. والتقى عبد اللهيان خلال الزيارة، نظيره العُماني، ووزير المكتب السلطاني العُماني، سلطان بن محمد النعماني، وتبادل معهما وجهات النظر حول قضايا العلاقات الثنائية والمستجدات في المنطقة والقضايا ذات الاهتمام المشترك في الشأن الدولي.

أبعاد الزيارة 

اشتملت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى سلطنة عُمان على عدد من الأبعاد والمحاور يمكن تناولها على النحو التالي:

1- التشاور حول إحياء الاتفاق النووي: أكد وزير الخارجية الإيراني، خلال الزيارة، أن لدى مسقط "مبادرات جديّة"، وأنها ستسهم في إعادة المفاوضات النووية بين طهران والغرب، وهي المفاوضات المتوقفة بين الجانبين منذ سبتمبر 2022، على إثر مماطلة وتعنت إيران وإصرارها على شروط ومطالب، ترى واشنطن والأطراف الأوروبية استحالة تحقيقها. 

ولم يُشر أي من الطرفين الإيراني أو العُماني إلى فحوى تلك المبادرات، واكتفى عبد اللهيان بالتأكيد أنه قد تم إجراء المشاورات اللازمة بين الطرفين بشأنها، مشيراً إلى أداء مسقط دور بناء في المحادثات النووية بين طهران والغرب.

وتكتسب تلك المساعي أهميتها في ضوء إشارة بعض المصادر الإعلامية الغربية، في 4 إبريل 2023، إلى مباحثات جرت أخيراً بين مسؤولين أمريكيين ونظرائهم في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإسرائيل، بشأن اقتراح عقد اتفاق مرحلي لحلحلة النزاع حول الملف النووي الإيراني، يقضي بأن يتم تجميد العمل ببعض العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، مقابل وقف الأخيرة لأجزاء من أنشطة برنامجها النووي، ولاسيما تخصيب اليورانيوم فوق مستويات الـ 60%، وإن كان من الملاحظ أن أياً من الجانبين الأمريكي أو الإيراني لم يؤكد صحة ذلك.

ويُشير ذلك إلى إمكانية أن تكون الزيارة قد تضمنت نقلاً للرسائل بين الجانبين الإيراني والغربي عبر الوسيط العُماني، خاصة وأن الأخير أدى دوراً مشابهاً قبل توقيع الاتفاق المؤقت بين الطرفين في 2013، والذي مهّد لتوقيع الاتفاق النووي في 2015.

2- تعزيز التعاون الاقتصادي: اتفق الجانبان الإيراني والعُماني خلال الزيارة على عقد اللجنة الاقتصادية المُشتركة بينهما اجتماعها الـ 20 قريباً، كما اتفقا على المضي قدماً في زيادة التعاون التجاري بين البلدين، والذي وصل إلى ملياري دولار في العام الإيراني السابق (الذي انتهى في 21 مارس 2023)، في مجالات المنتجات الغذائية والزراعية واتفاقية تشجيع ودعم الاستثمار المتبادل، إلى جانب استكمال التعاون في مجال الطاقة، ولاسيما بعد إعلان طهران بدء مد خط أنابيب تصدير الغاز إلى عُمان منذ بداية العام الإيراني الحالي. ويطمح الجانبان الإيراني والعُماني إلى الوصول بحجم التبادل التجاري بينهما إلى 5 مليارات دولار.

هذا بالإضافة إلى تأكيد تسريع تفعيل اتفاق "عشق آباد الترانزيتي"، الذي تم توقيعه عام 2011 بين إيران وعُمان وتركمانستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، وذلك لتسهيل نقل السلع بين آسيا الوسطى والخليج، وهو الممر الذي يمثل أهمية خاصة لإيران في محاولتها كسر الحصار المفروض عليها بسبب العقوبات.

3- الوقوف على تطورات الأزمة اليمنية: التقى وزير الخارجية الإيراني، خلال زيارته سلطنة عُمان، برئيس الوفد المفاوض للحوثيين والمتحدث باسمهم محمد عبدالسلام. وأعرب عبد اللهيان، خلال اللقاء، عن ترحيب بلاده بأي مبادرة أو خطة تقضي بالتوصل لوقف إطلاق النار في اليمن. 

وتزامن ذلك اللقاء مع مساعي حل الأزمة في اليمن، إذ قام وفد سعودي وعُماني بزيارة إلى العاصمة صنعاء والتقى رئيس المجلس السياسي لجماعة الحوثي مهدي المشاط، لبحث تمديد اتفاق وقف إطلاق الذي انتهى في أكتوبر 2022، بالإضافة إلى الإفراج المتبادل عن مُحتجزين لدى السعودية وجماعة الحوثي.

وتبدي إيران استعدادها للمساعدة في إنجاح الحل السياسي في اليمن، كما صرّح بذلك مساعد وزير الخارجية الإيراني، علي رضا عنايتي، في 20 إبريل الجاري، وذلك في ضوء تقاربها مع الجانب السعودي، إذ تُشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن الاتفاق الذي أبرمته طهران مع الرياض في بكين، في 10 مارس 2023، قد تضمن إلزام إيران بعدم تزويد الحوثيين بالأسلحة والعتاد العسكري، بما يسهم في التوصل لحل للأزمة في اليمن. وربما تأتي دعوة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للمشاط، خلال اتصال هاتفي معه، في 21 إبريل، لزيارة طهران، بهدف المساهمة في جهود إنجاح الجهود الدبلوماسية الرامية إلى الضغط على الجماعة للقبول بالهدنة ووقف إطلاق النار.

دلالات متعددة 

تحمل تلك الزيارة عدداً من الدلائل، يمكن تسليط الضوء عليها على النحو التالي:

1- تسريع التقارب الإيراني السعودي: تعُد زيارة عبد اللهيان إلى سلطنة عُمان، الأولى له، إلى عاصمة خليجية، بعد اتخاذ خطوات عملية نحو تطبيع العلاقات بين الجانبين الإيراني والسعودي. وتهدف إيران من جراء تلك الزيارة إلى أن تؤدي عُمان دوراً في تسهيل التطبيع والانفتاح على الجانب السعودي، وكذلك المصالحات الإقليمية التي تجريها إيران مع عدد من دول المنطقة، وذلك في ضوء الدور الذي أدته مسقط في تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية، والذي أفضى لتوقيعها الاتفاق في الصين. كما أن لقاء وفد سعودي مع رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط، يوم 9 إبريل 2023، في صنعاء، تم بحضور وفد عُماني، وهو ما يشير إلى الدور الفاعل لسلطنة عُمان في التوصل لاتفاق حول اليمن. 

وأشاد عبد اللهيان، خلال الزيارة، بدور سلطنة عُمان في تسهيل الحوار الإيراني السعودي، مثمناً جهودها في تسهيل الحوارات الإقليمية، كما وصف وزير المكتب السلطاني العُماني الاتفاق بين إيران والسعودية بأنه مطمئن للمنطقة، وهو ما يؤشر على استمرار إيران في الحفاظ على الاتفاق، بما ينعكس إيجاباً على تهدئة الصراع في اليمن. 

2- الرغبة في الارتقاء بالعلاقات بين الجانبين: تُدلل الزيارة على رغبة الطرفين الإيراني والعُماني على استكمال الجهود للارتقاء بالعلاقات بين الجانبيْن، إذ من المُرتقب أن يجري سلطان عُمان، هيثم بن طارق، زيارة إلى طهران، تلبية لدعوة من الرئيس الإيراني، مطلع مايو 2023. 

وأعرب عبد اللهيان عن أمله في أن يتم استكمال الاتفاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية بين الجانبين، خلال تلك الزيارة المُحتملة. وستأتي تلك الزيارة رداً على زيارة أجراها الرئيس الإيراني إلى مسقط، في 23 مايو 2022، على رأس وفد سياسي واقتصادي كبير. 

وتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون التي شملت مجالات عدّة، الأمر الذي يؤشر على رغبة الطرفين في الحفاظ على مستوى العلاقات بينهما والارتقاء به إلى مستوى أعلى.

3- تخفيف الضغوط الأمريكية والإسرائيلية: تتزامن زيارة عبد اللهيان إلى عُمان مع تزايد التوتر بين إيران من جانب، وواشنطن والقوى الأوروبية وإسرائيل من ناحية أخرى، إذ تستمر واشنطن والأطراف الأوروبية في فرض العقوبات على طهران، على خلفية الملفات الخلافية معها. 

كما قامت تل أبيب بشن عدّة هجمات استهدفت مواقع تابعة لمليشيات إيرانية في سوريا خلال الفترة الأخيرة، وذلك بهدف منع أي محاولة إيرانية لزيادة نفوذها العسكري في سوريا، بعد وقوع كارثة الزلزال، وما أُشيع حول استغلال إيران لذلك في تكثيف عمليات نقل السلاح والعتاد العسكري لمليشياتها داخل سوريا. وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل مستشاريْن تابعيْن للحرس الثوري الإيراني. 

ومن جهة أخرى، تتحسب إيران لمحاولات إسرائيل تطويقها سياسياً من جهة الشمال، إذ أعلنت الأخيرة، في 20 إبريل 2023، عن افتتاح سفارة لها في تركمانستان، على بعد نحو 12 كم من حدود إيران، وذلك بعد أقل من شهر من إعلان أذربيجان عن افتتاح سفارتها في تل أبيب، في محاولات تنظر إليها إيران على أنها موجهة ضدها وتهدد أمنها، وهو ما تجلى في تصريح قائد عسكري إيراني بعد يوم واحد من افتتاح السفارة في عشق آباد، بأن بلاده ستعاقب أي دولة تمنح قاعدة عسكرية لإسرائيل في أراضيها. لذا يُنظر إلى زيارة عبد اللهيان إلى مسقط، وما تلاها من زيارته لبيروت، بأنها محاولة من جانب إيران للرد على التحركات الإسرائيلية التي تريد تطويقها في وسط آسيا. 

وفي التقدير، يمكن القول إن إيران تسعى خلال الفترة المقبلة لاتخاذ ما من شأنه تسهيل خطوات المصالحات الإقليمية مع دول المنطقة، بالتوازي مع الدفع بجهود حلحلة ملف المفاوضات النووية المتعثر مع واشنطن والغرب، ولاسيما مع إدراكها لأهمية الدور العُماني في هذيْن الشأنيْن، إلا أن تلك المساعي تظل مرهونة بمدى تغير السلوك الإيراني بشكل فعلي، أي مدى التزامها ببنود المصالحات التي تم توقيعها مع دول المنطقة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، إلى جانب تخليها عن بعض شروطها في المفاوضات النووية، والتي أدت إلى تجميدها، خاصة مع تزايد ضغوط الكونغرس الأمريكي على البيت الأبيض للتخلي عن مسألة توقيع اتفاق مع إيران أو عرقلته في حال تم إبرامه.