أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (خمسة سيناريوهات للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران)
  • مهاب عادل يكتب: (رسائل الإصلاح: كيف انعكست أزمات الشرق الأوسط في الدورة الـ79 للأمم المتحدة؟)
  • د. هايدي عصمت كارس تكتب: (بين العزلة والانقسام: دوافع تفضيل أوروبا هاريس على العودة المحتملة لترامب)
  • مركز "المستقبل" يُشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (قوة صاعدة: فرص الإمارات في سباق الذكاء الاصطناعي)

تباطؤ محتمل:

كيف يؤثر فيروس "كورونا" على أسواق الطاقة بالشرق الأوسط؟

25 فبراير، 2020


يفرض انتشار فيروس "كورونا" بالصين وبعض دول العالم، بلاشك، تداعيات على استقرار أسواق الطاقة العالمية، حيث من شأنه أن يؤدي إلى تراجع الطلب العالمي على النفط والغاز الطبيعي والمسال، وذلك بالتوازي مع تعطل كثير من أنشطة التصنيع والخدمات المختلفة، وهو ما سيضر، على نحو ما، باقتصادات منطقة الشرق الأوسط، حيث قد يؤثر على عائدات صادرات منتجي النفط الخام والغاز المسال بالمنطقة، وكذلك على توازن المالية العامة بها، على نحو سوف يُضعف، بنهاية المطاف، من آفاق النمو الاقتصادي للمنطقة في عام 2020.

أضرار عالمية:

أصاب ظهور فيروس "كورونا" في الصين وأنحاء مختلفة حول العالم، منذ نهاية يناير الماضي، الاقتصاد العالمي بحالة من الارتباك الواسع، حيث أثر بشكل لافت على أنشطة التصنيع وعمليات النقل البحري والجوي، بجانب خدمات السياحة في كثير من دول العالم، وهو الأمر الذي أثار مخاوف من حدوث تباطؤ في أداء الاقتصاد العالمي والآسيوي في الربع الأول من عام 2020 على أقل تقدير.

​وفي هذا الإطار، اضطرت كثير من الشركات العالمية الكبرى لوقف الإنتاج من مصانعها بالصين وخارجها نتيجة انتشار الفيروس الذي تسبب في انقطاع سلاسل إمدادات لوازم الإنتاج القادمة من المصانع الصينية. وعلى جانب قطاع النقل العالمي، فقد تم تعليق خدمات النقل البحري والجوي من وإلى الصين وكذلك عدد من الدول الآسيوية الأخرى.  

وعلى هذا النحو، فقد ألغت كثير من شركات الطيران العالمية الرحلات الجوية الخارجية ومعظمها إلى الصين والدول الآسيوية وبعدد وصل إلى 238.9 ألف رحلة جوية في الفترة من 23 يناير إلى 18 فبراير 2020، حسبما ذكرت شركة استشارات الطيران (Cirium). وعلى الأرجح، سوف يؤدي تعطل الأنشطة الصناعية والخدمية بالصين إلى تباطؤ في اقتصادها بما قد يتراوح بين نصف نقطة مئوية إلى نقطة مئوية كاملة بحسب تقديرات العديد من المؤسسات الدولية. 

وطبقاً لصندوق النقد الدولي، فإن فيروس "كورونا" سيقلص، على الأرجح، النمو الاقتصادي في الصين هذا العام بنحو 0.4 نقطة مئوية وصولاً إلى 5.6%، بينما من المتوقع أن يصل نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.2% في العام الجاري وبانخفاض 0.1 نقطة مئوية. وسيتوقف أداء الاقتصادات الكبرى والاقتصاد العالمي في هذا العام على الاستجابات الاقتصادية والمالية المتخذة من جانب الحكومات لاحتواء الفيروس والتقليل من حدة تداعياته على الأنشطة الاقتصادية.

تراجع الطلب:

تعرضت أسعار النفط لضغوط قوية في عام 2019 نتيجة وفرة المعروض العالمي من الخام والحروب التجارية بين الولايات المتحدة وكل من الصين والاتحاد الأوروبي، ولم تزد عن نطاق يتراوح بين 50 إلى 60 دولار دولار للبرميل باستثناء فترات قليلة في العام الماضي كسرت فيها حاجز الــ70 دولار للبرميل نتيجة تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.

​ومن المحتمل أن تواجه أسواق النفط ضغوطاً أقوى في الفترة المقبلة بالتوازي مع انتشار فيروس "كورونا"، حيث يرجح انخفاض الطلب العالمي على الخام نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي والآسيوي. وكأثر أولي لظهور الفيروس، فقد قلصت مصافي النفط الحكومية الصينية، وفي مقدمتها "مؤسسة البترول الوطنية الصينية"، و"بتروتشاينا"، طاقة تكرير النفط الخام بنحو 1.5 مليون برميل يومياً حتى الأسبوع الثاني من فبراير الجاري، وهو ما اضطر الشركات الصينية لإعادة جدولة شحنات استيراد الخام من بعض دول العالم بما فيها منتجي النفط في الشرق الأوسط.   

​وعلى ضوء ذلك، خفّضت العديد من المؤسسات الدولية توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط. وطبقاً لوكالة الطاقة الدولية، فمن المحتمل أن ينخفض نمو الطلب العالمي على الخام خلال العام الحالي بواقع 365 ألف برميل يومياً وإلى 825 ألف برميل يومياً، وهو أدنى مستوى منذ عام 2011، ومقارنة مع توقعات سابقة بــ1.190 مليون برميل يومياً. وبدورها، خفّضت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" الطلب على نفطها في عام 2020 بنحو 200 ألف برميل يومياً مقارنة بالتوقعات السابقة إلى 29.3 مليون برميل يومياً.  

وعلى جانب آخر، فقد تسبب انتشار فيروس "كورونا" في إعلان عدد من الشركات الصينية، وأبرزها "المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري"، الظروف القاهرة في استلام شحنات الغاز المسال المستوردة، بما يعني عدم قدرتها على استقبال واردات الغاز المسال نتيجة ظروف خارجة عن إرادتها.

وقد أدت الظروف السابقة إلى تعطل تدفقات الغاز المسال من الأسواق العالمية، مثل أستراليا وبعض منتجي الشرق الأوسط للسوق الصينية. وفي العام كله، فمن المرجح أن ينخفض الطلب الصيني على الغاز المسال بما يتراوح بين 2.6 مليون طن و6.3 مليون طن، وذلك في وقت تعاني فيه السوق بالأصل من فائض في المعروض نتيجة تدشين المشاريع الجديدة للإنتاح وبطاقة متوقعة بــ27 مليون طن في العام الجاري.  

آثار جانبية: 

يرجح أن تنخفض أسعار النفط والغاز في العام الجاري تأثراً بالأوضاع الاقتصادية العالمية المرتبكة مع انتشار فيروس "كورونا" مؤخراً. وطبقاً لمعهد التمويل الدولي، فمن المتوقع أن تفقد أسعار النفط الخام ما لا يقل عن ثلاث دولارات نتيحة انتشار "كورونا" وليصل إلى 57 دولار للبرميل، ومقارنة بتوقعات سابقة بـ60 دولار للبرميل قبل ظهوره.

وفي الوقت ذاته، فقد تخضع أسعار الغاز المسال لضغوط هى الأخرى ولتنخفض إلى ما دون 2.5 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية نتيجة تباطؤ الطلب الصيني على الخام ومقارنة بتوقعات سابقة عند مستوى 3.3 دولار للمليون وحدة حرارية.

وبناءً عليه، فمن المرجح أن يفقد منتجوا النفط والغاز المسال في الشرق الأوسط عائدات كبيرة من التصدير سواء نتيجة تراجع مستويات الأسعار أو بسبب انخفاض الشحنات إلى الأسواق العالمية وبما فيها الصينية.  

وسوف يؤدي ذلك أيضاً إلى اختلال المالية العامة لدى عدد من الدول المصدرة للطاقة بالمنطقة، وقد تتسع فجوة العجز المالي لدى بعضها، ولاسيما شديدة الانكشاف منها على الأسواق الصينية أو التي تعتمد على النفط والغاز في توفير معظم إيراداتها الحكومية.

أما بالنسبة للدول للمستوردة للطاقة، فإن هبوط أسعار الطاقة سوف يتيح فرصاً لها للحصول على النفط الخام والغاز بأسعار أقل تكلفة، وهو ما سيفيد ميزانياتها العامة بشكل عام، لكن ذلك لا ينفي أن أنشطة اقتصادية أخرى بها، مثل السياحة والصناعة وقطاع التجارة الخارجية وغيرها، سوف تتأثر بانتشار الفيروس.

ويعني ذلك أن الأثر الكلي لـ"كورونا" سيكون، في الغالب، سلبياً على اقتصادات المنطقة، حيث من شأنه أن يضعف من آفاق النمو الاقتصادي بالمنطقة ككل، ويقوِّض، على نحو مؤقت، من استقرار مراكزها المالية، علماً بأن البنك الدولي كان قد توقع، في يناير الماضي، نمو اقتصادات الشرق الأوسط بنحو 2.4% في العام الجاري. إلا أن ما تمتلكه الدول المصدرة للنفط من أصول مالية وفيرة قد يجعلها أكثر قدرة على تحمل تبعات الفيروس على أسواق الطاقة العالمية.