أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

انسحاب محتمل:

لماذا تدعو فرنسا إلى تشكيل قوة أوروبية بالساحل الإفريقي؟

20 أكتوبر، 2019


دفع تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، رغم الجهود الدولية والإقليمية التي تبذل لمواجهتها، فرنسا إلى التحرك من أجل إقناع بعض الدول الأوروبية بإرسال قوات خاصة يطلق عليها "قوة العمل المشتركة للعمليات الخاصة"، على غرار فرق التدريب التي كانت تعمل في أفغانستان، من أجل تدريب جيوش دول تلك المنطقة ورفع مستوى قدراتها لتمكينها من التعامل مع تلك التنظيمات، التي باتت تفرض تهديدات مباشرة لأمنها ومصالحها، من خلال هجماتها المتتالية فى مناطق متعددة، حيث لم تقتصر على منطقة جغرافية محددة بل باتت عملياتها عابرة للحدود، وهو ما يوحي بأن الحرب على الإرهاب ربما تنتقل إلى تلك المنطقة تدريجياً. 

دوافع متعددة:

يبدو أن فرنسا تسعى عبر إرسال قوات أوروبية خاصة إلى منطقة الساحل الإفريقي، لتدريب الجيوش الوطنية على مكافحة الإرهاب، إلى تحقيق بعض الأهداف التي تتركز حول رغبتها في سحب قواتها على المدى البعيد، والتي تبلغ، وفقاً لبعض التقديرات، نحو 4500 جندي.

كما ترغب باريس في تخفيف الأعباء العسكرية التي يفرضها انخراطها في عمليات مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة، خاصة في ظل استمرار الهجمات التي تنفذها تلك التنظيمات، التي تمكنت من استهداف مناطق حيوية وغير متوقعة، على غرار الهجوم الذي شهدته مالي، في 2 أكتوبر 2019، عندما قامت بعض العناصر الإرهابية باستهداف معسكرين وسط البلاد في بولكيسى وموندورو، مما أسفر عن مقتل 25 جندياً على نحو أثار استياءً شعبياً واسعاً.

وقد انعكست تلك السياسة الفرنسية في تصريحات وزيرة الدفاع فلورانس بارلي التي قالت فيها أن "الأوروبيين هم المعنيون مباشرة بهذا الأمر"، في إشارة إلى مدى التهديدات التي تتعرض لها المصالح الأوروبية بسبب استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة.

ومن هنا، أشارت اتجاهات عديدة إلى أن فرنسا ربما تسعى إلى تبني السياسة نفسها التي سبق أن انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية عندما بدأت تسحب قسماً من قواتها في سوريا بعد الضربات القوية التي تعرض لها تنظيم "داعش" وتراجع نفوذه بشكل كبير خلال العامين الأخيرين.

إلا أن اتجاهات عديدة ترى أن الانسحاب يمكن أن يفرض تداعيات عكسية، في ظل عدم قدرة الجيوش الوطنية في دول تلك المنطقة، حتى الآن، على مواجهة تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، لاسيما بعد تمكنها من استقطاب أعداد جديدة من الإرهابيين ورفع مستوى التنسيق فيما بينها. ومن هنا، ترى باريس أن الأولوية تكمن خلال الفترة الحالية في تدريب القوات المحلية ورفع مستوى قدراتها العسكرية من أجل تمكينها من مواجهة هذه التنظيمات ومحاصرة أنشطتها.

عقبات مختلفة:

على الرغم من أهمية الدعوة التي وجهتها فرنسا إلى بعض الدول الأوروبية في هذا السياق، إلا أن ثمة تحديات عديدة قد تقف حائلاً دون ترجمتها إلى خطوات إجرائية على الأرض، يتمثل أبرزها في:

1- عزوف الأوروبيين: لا تبدي الدول الأوروبية ترحيباً ملحوظاً بتلك الدعوة، لاسيما في ظل رغبة العديد منها في عدم الانخراط في أية تحالفات جديدة في تلك المنطقة، على نحو يمكن أن يزيد من الأعباء العسكرية التي تتعرض لها ويفرض ضغوطاً داخلية قوية على بعض الحكومات، مع ظهور اتجاهات داخلية أوروبية تدعو إلى عدم الانخراط في مثل هذه الجهود، مثلما حدث في الفترة الماضية عندما تشكل التحالف الدولي لمحاربة "داعش".

2- تنوع التنظيمات الإرهابية: استقطبت منطقة الساحل والصحراء تنظيمات إرهابية عديدة سعت إلى استغلال تصاعد حدة الأزمات الداخلية على المستويات المختلفة وسيولة الحدود فيما بينها من أجل تعزيز أنشطتها وعملياتها الإرهابية، وذلك بعد أن كان تنظيم "القاعدة" هو المسيطر على خريطة التنظيمات الإرهابية فيها. إذ عاد تنظيم "داعش" إلى واجهة الأحداث من جديد في تلك المنطقة مع بداية عام 2018، عقب مرحلة من التراجع دامت ما يقرب من عامين، حيث بدأ في استهداف قوات محلية وأجنبية، على غرار ما حدث في 4 أكتوبر 2017، عندما أعلن عن قتل 4 جنود أمريكيين و4 جنود نيجيريين، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية، في 4 أكتوبر 2019، بمناسبة الذكرى الثانية لهذا الحادث، إلى الإعلان عن تقديم مكافأتين قيمة كل منهما 5 مليون دولار للحصول على معلومات أو تحديد موقع عدنان أبوالوليد الصحراوي زعيم التنظيم في الصحراء الكبرى، الذي انتقل من "القاعدة" إلى "داعش" وتم إدراج اسمه على اللائحة الأمريكية السوداء.

3- ضعف جيوش المنطقة: تشير اتجاهات عديدة إلى أن الجيوش الوطنية في منطقة الساحل والصحراء تعاني من ضعف واضح في الإمكانيات والتمويل، وهو ما خصم من قدراتها، لاسيما في مواجهة حرب العصابات التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة.

4- تصاعد الإرهاب العرقي: لم يعد الإرهاب يقتصر في منطقة الساحل والصحراء على نشاط التنظيمات "القاعدية" والمجموعات "الداعشية"، بل تعداها إلى الإرهاب القبلي أو العرقي، والذي يتمثل في المجموعات المسلحة التي تضم، في الغالب، أبناء عرقية واحدة تستخدم العنف من أجل تحقيق مكاسب ومصالح سياسية واقتصادية، لكن تحت شعارات جهادية ودينية، على غرار حركة "تحرير ماسينا" وجماعة "أنصار الإسلام" في بوركينافاسو، التي تنتمي كل منها إلى عرقية الفولاني، وتهدف، حسب رؤيتيهما، إلى إعادة "إمبراطورية الفولاني" من جديد، وكذلك حركة "أنصار الدين" في شمال مالي، والتي تعبر عن قبيلة الطوارق.

إن ما سبق في مجمله يشير إلى أن منطقة الساحل والصحراء سوف تكون إحدى أبرز المناطق التي ربما تتصاعد فيها أنشطة التنظيمات الإرهابية خلال المرحلة القادمة، على نحو يضع مزيداً من العقبات أمام جهود باريس لسحب قواتها منها حتى لو بشكل تدريجي.