أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

حقوق الفلسطينيين.. سابقاً وراهناً

06 أغسطس، 2018


قبل أربعين عاماً انقضت تركت وظيفة تدريس دائمة وانتقلت إلى واشنطن العاصمة لإدارة حملة معنية بالقضية الفلسطينية، ولم يكن من السهل حينئذ الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني، ولم تكن مدينة واشنطن على وجه الخصوص ترحب بتلك المساعي التي تنطوي عليها وظيفتي الجديدة. ورغم أن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين لا يزال أمراً صعباً، لكن أموراً كثيرة تغيرت خلال العقود الأربعة الماضية جعلتني أشعر بأنه من المفيد تسليط الضوء على ما كان يحدث في سبعينيات القرن الماضي وما وصلنا إليه راهناً. 

فآنفاً، كانت المنظمات الأميركية، اليهودية منها والموالية لإسرائيل، تُلقي بثقلها من أجل تهميش جهود الدفاع عن القضية الفلسطينية. ومن ثم دأبت على شجب أعمالنا وتشويه سمعتنا، ووصمنا بأننا داعمون للإرهاب، وقد كان الهدف من ذلك بالطبع إسكاتنا وعزلنا لأننا ندافع عن حقوق الفلسطينيين، وخصوصاً حقهم في تقرير المصير. 

واللغة التي استخدموها كانت قاسية والاتهامات التي وجهوها ضدنا كانت محرضة لدرجة أنها تسببت لنا في خسائر فادحة. فتلقينا تهديدات بالقتل، ورسائل كراهية، ووصل الأمر إلى تنفيذ هجمات عنيفة بل وجريمة قتل. وكانت حملتهم تهدف إلى جعل القضية الفلسطينية من المحرمات، وهو ما أثر أيضاً على قدرتنا في تكوين تحالفات. فلم يدعم سوى عدد قليل جداً من أعضاء الكونجرس دفاعنا عن الضحايا الفلسطينيين للتعذيب والاعتقال الإداري والعقوبات الجماعية والطرد غير القانوني من الوطن. وقد نأى معظم الأعضاء، حتى أصحاب السجلات الراسخة في الدفاع عن حقوق الإنسان، بأنفسهم معربين عن خشيتهم من أن دفاعهم عن الفلسطينيين قد يقوض حياتهم السياسية. 

وفي مرحلة ما، امتنعنا عن الإدلاء بشهاداتنا أمام لجان الكونجرس الأميركي، لأنها كانت قد أضحت محبطة وغير مثمرة، وبدلاً من السماح لنا بعرض قضيتنا، كان مثولنا أمام تلك اللجان يمنح أعضاء الكونجرس الموالين لإسرائيل فرصة تشويهنا وإهانتنا بهجمات زائفة معدة سلفاً، فكانوا يوجهون لنا أسئلة من قبيل: «هل أنتم حقاً تؤيدون الإرهابيين؟»، وهراء آخر من هذا القبيل!

وحتى المنظمات التقدمية المعنية بالسياسات الخارجية تعرضت للتخويف. وفي مناسبتين حرمنا من العضوية في ائتلاف سياسة خارجية يساري، رغم فوزنا في تصويت الانضمام بأغلبية ساحقة. وكانت أسباب حرماننا ومطالبتنا بالانسحاب من الائتلاف أن مجموعة قليلة من المنظمات اليهودية هددت بترك الائتلاف إذا ما سمح لنا بالانضمام، وهو ما سبب قلقاً من خسائر دعم أعضاء ليبراليين في الكونجرس ومساعدات مالية من مانحين ليبراليين. وفي الحقيقة، بدا كل شيء مشؤوماً ومحتوماً!

وبرغم السباحة ضد التيار، تمكنا من نيل بعض التأييد لأنشطتنا، فقدمت بعض الطوائف المسيحية صاحبة المبادئ المساعدة، وكذلك فعل كثير من قادة الحقوق المدنية الذين كانوا ضمن دائرة الدكتور مارتين لوثر كينج. وشارك أيضاً كثير من نشطاء السلام البارزين، الذين كانت لهم جهوداً مضنية ضمن الحركة المناهضة للحرب في فيتنام، في حملاتنا وبرامجنا. وبفعل ذلك التأييد، تمكنا من التكيف مع العواصف وواصلنا النمو. 

وأسهم عدد من التطورات التي وقعت بين سبعينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي في تحسين قدرتنا على الدفاع عن حقوق الفلسطينيين. وكان أول تلك التطورات صدور تقريرين يفصلان اتهامات بجرائم التعذيب الإسرائيلية، الأول نشرته صحيفة «واشنطن بوست» وتضمن برقيات من القنصلية الأميركية في القدس وثّقت الاستخدام الممنهج من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية للتعذيب كوسيلة لإجبار الأسرى الفلسطينيين على الإقرار بجرائم لم يقترفوها، ودراسة موسعة نشرتها «لندن تايمز» حول التعذيب الإسرائيلي للأسرى. وفي أعقاب هذين التقريرين الصادمين، أضحى من الصعب على بعض قادة منظمات حقوق الإنسان البقاء صامتين.

وفي 1979، تم الكشف عن «قضية أندرو يونج»، التي أظهرت أن «يونج»، سفير أميركا لدى الأمم المتحدة آنذاك، التقى مع ممثل منظمة التحرير الفلسطينية لدى المنظمة الأممية. وبفعل ذلك، كسر حاجز منع المسؤولين الأميركيين من إجراء أية اتصالات مع منظمة التحرير. ورغم أن «يونج» خسر وظيفته، لكن الأميركيين الأفارقة استشاطوا غضباً، وهو ما أدى إلى سفر كثير من قادة منظمات حقوق الإنسان إلى بيروت للقاء ياسر عرفات في تحدٍ مباشر لحماقة «سياسة عدم التحدث»، وعند عودتهم، انضم أولئك القادة إلى حملتنا للدفاع عن حقوق الفلسطينيين. 

وفي ثمانينيات القرن الماضي، شعر أميركيون كُثُر بالترويع جراء ما اقترفته إسرائيل من احتلال وقصف مروّع لبيروت، والأساليب القاسية والوحشية التي استخدمتها الحكومة الإسرائيلية لسحق الانتفاضة الأولى، التي واجهت فيها نيران الأسلحة الثقيلة لقوات الاحتلال الإسرائيلية الغاشمة حجارة الشباب الفلسطيني. 

وعلاوة على ذلك، أسهمت اتفاقات أوسلو عام 1993 في تغيير المشهد الأميركي وتحويل الوضع من «تأييد اليهود ضد العرب» إلى «تأييد السلام العادل ضد الظلم». ورغم ضعف اتفاقات أوسلو، فإنها فتحت الباب أمام مناقشات بشأن حقوق الفلسطينيين، وأضفت الشرعية على جهود المدافعين عن القضية الفلسطينية الذين لطالما عانوا بسبب أنشطتهم.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد