أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مماطلة مستمرة:

فرص عودة إيران للمفاوضات النووية في فيينا

09 أغسطس، 2022


أعلن الوسيط الأوروبي المكلف بالمفاوضات حول الملف النووي الإيراني أنريكي مورا، في 3 أغسطس الجاري، استئناف جولة مباحثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة في فيينا، وذلك بعد طرح مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل مقترح مسودة لنص جديد يهدف إلى إحياء الاتفاق النووي المُبرم مع إيران في 2015، والذي اعتبره أفضل اتفاق ممكن، على الرغم من أنه ليس مثالياً، كما حذر من "أزمة نووية خطيرة" في حال فشل الاتفاق.

دوافع التراجع الإيراني:

يأتي قبول إيران المشاركة في المفاوضات النووية في فيينا، في إطار عدد من الدوافع والأسباب، والتي يمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:

1- تفادي العقوبات الغربية: تأتي موافقة طهران على مقترح بوريل في إطار محاولاتها للحيلولة دون فرض واشنطن المزيد من العقوبات عليها، إذ أتت هذه الموافقة بعد يومين من فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على كيانات تسهّل المعاملات غير المشروعة المتعلقة بتهريب النفط الإيراني والمنتجات البترولية والبتروكيماوية، وذلك لإجبار إيران على العودة للمفاوضات، خاصة أن واشنطن حذرتها بأن عدم قبولها الصفقة المطروحة سوف يعرضها لمزيد من الضغوط. 

كما حذر رفائيل جروسي، في 22 يوليو الماضي، من أن تقليص إيران قدرات المراقبة والتفتيش الخاصة بالوكالة قد أصابها بحالة من "العمى النووي"، الأمر الذي قد يعيق أي فرص من شأنها إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران. وتهدف تصريحات جروسي إلى الضغط على إيران للعودة للاتفاق بسرعة. 

2- ترك باب المفاوضات مفتوحاً: تهدف إيران من استئناف المفاوضات مع واشنطن إلى منع إعلان فشلها بشكل نهائي، خاصة بعد تعثر جولات التفاوض الثماني التي عُقدت في فيينا من قبل، بالإضافة للجولة الأخيرة التي عُقدت في الدوحة، والتي وصفت واشنطن فرص إحياء الاتفاق النووي بعدها بأنها باتت أسوأ مما كانت قبلها، هذا إلى جانب التحذيرات الأمريكية بأنه لا يمكن انتظار إيران إلى الأبد للقبول بالعودة للاتفاق.

وبالتوازي مع ذلك، تبدي الأطراف الأوروبية الأطراف في المفاوضات تذمراً إزاء انتهاكات إيران للالتزامات النووية، إذ أعربت، في بيان مشترك، في 1 أغسطس 2022، عن أسفها لعدم استغلال إيران الفرصة لإحياء الاتفاق حتى الآن. كما شكك رئيس الاستخبارات البريطانية، ريتشارد مور، في 21 يوليو الماضي، في موافقة المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي على إحياء الاتفاق النووي، وهو ما يمهد لإعلان واشنطن والترويكا الأوروبية فشل المفاوضات مع إيران، بما يعنيه ذلك من إعادة ملفها لمجلس الأمن. 

3- استمرار ضغوط الداخل: تتصاعد الضغوط الداخلية على الحكومة الإيرانية لرفع العقوبات التي تسببت في ظروف معيشية صعبة لقطاعات واسعة من الشعب الإيراني، تمت ترجمتها في احتجاجات واعتصامات اندلعت في مدن إيرانية عدة، والتي نددت بسياسات النظام التي ترفض تخفيف العقوبات عن الشعب الإيراني.

وحذرت أصوات إصلاحية من أن طهران ستصبح الخاسر الأكبر في حال تأخير إبرام الاتفاق النووي، وطالبت بضرورة استغلال فرصة الحظر المفروض على الإمدادات الروسية من النفط والغاز، للدخول بقوة إلى أسواق الطاقة العالمية، للاستفادة منها في جني العوائد المالية التي تسهم في انتعاش الاقتصاد. 

4- تصاعد الضغوط الإقليمية: تواصل إسرائيل تنفيذ عمليات تخريبية ضد إيران من فترة لأخرى، بالإضافة إلى استهداف ميليشياتها في المنطقة، وتمنح واشنطن الضوء الأخضر لتل أبيب للقيام بتلك الهجمات، للضغط على إيران لإجبارها على التراجع عن بعض شروطها في المفاوضات. 

ويلاحظ أنه على الرغم من هذه العمليات، فإن إسرائيل أخفقت في وقف البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، كما أن وقف التعاون مع الوكالة الدولية في مراقبة المنشآت النووية، سوف يمنح إيران الفرصة لتطوير قدراتها النووية، من دون قدرة الوكالة على قياس درجة التقدم الذي تحرزه إيران. 

تصعيد إيراني: 

استبقت إيران جولة المفاوضات الحالية باتخاذ عدد من الإجراءات التصعيدية، والتي هدفت طهران من خلالها لفرض ضغوط على الولايات المتحدة لإجبارها على التسليم بالتنازلات التي تطالب بها طهران، خاصة أن مقترح بوريل، وعلى الرغم من عدم توضيح تفاصيله، فإنه يتضمن التسليم ببعض المطالب الإيرانية. وتمثلت أبرز مؤشرات التصعيد الإيراني في التالي: 

1- التهديد بامتلاك السلاح النووي: استبقت إيران إعلان قبولها العودة للمفاوضات بالقيام بتركيب ثلاث مجموعات من أجهزة الجيل السادس (IR6)، بالإضافة لإعلانها التخطيط لتركيب ست مجموعات إضافية من أجهزة الجيل الثاني (IR-2M)، وبدء تخصيب اليورانيوم في مجموعتين إضافيتين من أجهزة الجيل الأول (IR1) بموقع نطنز. 

هذا إلى جانب تهديد إيران الغرب بامتلاك القنبلة النووية، إذ أكد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيراني محمد إسلامي، في 3 أغسطس الجاري، امتلاك بلاده القدرات التقنية اللازمة لتصنيع الأسلحة النووية، وهي ذاتها التصريحات التي كان قد أطلقها رئيس اللجنة الاستراتيجية للعلاقات الخارجية التابعة لمكتب المرشد الإيراني، كمال خرازي، قبل أسبوع، متجاوزاً في ذلك فتوى المرشد الإيراني بتحريم حيازة تلك الأسلحة، حيث طالبت بعض الأوساط الإيرانية بتعديلها.

كما هدد الحرس الثوري الإيراني بإنتاج رأس حربي في منشأة فوردو حال تعرض منشأة نطنز لأي هجوم تخريبي، وذلك في إطار ما أطلقت عليه إيران اسم "مشروع عماد السري".

2- إصرار إيران على خطوطها الحمراء: أعلنت إيران قبولها مناقشة مسودة جوزيب بوريل، غير أنها أكدت أن تلك العودة مرتبطة بمراعاة خطوطها الحمراء، والتي تتمثل في رفع العقوبات بشكل كامل، والحصول على ضمانات من واشنطن بعدم الانسحاب مستقبلاً من الاتفاق النووي، بالإضافة إلى إغلاق وكالة الطاقة الذرية ملف آثار اليورانيوم المخصب التي تم العثور عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة.

ووفقاً لما يتم تداوله من تسريبات عن مفاوضات فيينا الجارية، تمت الإشارة إلى موافقة إيران على التراجع عن المطالبة بإزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، مقابل حصولها على ضمانات بالحصول على تعويضات من واشنطن لأي انسحاب محتمل من الاتفاق النووي مستقبلاً، غير أن وكالات رسمية إيرانية نفت ذلك في صباح 4 أغسطس، واستندت في ذلك إلى مصدر مسؤول في الفريق المفاوض النووي، الأمر الذي يؤشر إلى استمرار الخلافات حول هذا الملف.

3- الاستقواء بروسيا: توظف إيران علاقتها بموسكو في إطار مواجهة الضغوط الغربية المفروضة عليها. وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 5 أغسطس الجاري، أن موسكو تدعم موقف إيران في المفاوضات الحالية، مؤكداً أهمية العودة إلى الاتفاق النووي في شكله الأصلي، أي الاتفاق الموقع في 2015، وهو ما يتوافق مع موقف إيران، وفي الوقت نفسه يتعارض مع ما تطالب به واشنطن وحلفائها من ضرورة أن يراعي الاتفاق المُحتمل الأبعاد الجديدة للتطورات التي طرأت على برنامج إيران النووي منذ عام 2018، أي بعد انسحاب الإدارة الأمريكية السابقة من الاتفاق.

وكشفت وكالة الفضاء الروسية إنها ستطلق في 9 أغسطس الجاري، قمراً اصطناعياً يُدعى "خيّام" بطلب من إيران، من شأنه تعزيز قدرة الأخيرة على التجسس على أهداف عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وإن كانت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية ذكرت أن روسيا سوف تستخدمه أولاً في أوكرانيا، وذلك قبل تسليمه لاحقاً إلى إيران.

مسارات مُحتملة: 

في ضوء المعطيات الحالية والخبرات السابقة للمفاوضات بين الجانبين الإيراني والأمريكي، يمكن الوقوف على المسارات المُحتملة للمفاوضات الحالية على النحو التالي:

1- انتظار الجولة التالية: أكد المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، روبرت مالي، بأن توقعات واشنطن بشأن هذه الجولة منخفضة، ولذا، فإنه من المتوقع فشل الجولة الحالية، واستئناف المفاوضات في جولات تالية. 

ويدعم هذا السيناريو وجود رغبة لدى الطرفين الأمريكي والإيراني في التوصل لاتفاق، ومن ثم امتناعهما عن الإعلان عن فشل المفاوضات، هذا إلى جانب إصرار كل طرف على جني أكبر مكاسب ممكنة مقابل تقديم أقل قدر من التنازلات، وهو ما يطيل أمد المفاوضات. 

2- الاتفاق الجزئي: يمكن للجانبين الإيراني والأمريكي التفاهم بشأن تعليق إيران بعض خطواتها النووية، في مقابل تخفيف واشنطن حزمة من العقوبات المفروضة عليها، بمعنى أن يتبنى الطرفان سياسة "خطوة مقابل خطوة". 

وقد تلجأ واشنطن لذلك حتى تُسهم الإمدادات الإيرانية من النفط والغاز في التخفيف من وطأة أزمة الطاقة العالمية، فقد أكدت نائبة وزير الخارجية الأمريكي، فيكتوريا نولاند، في 22 يوليو، أن عودة إيران إلى الاتفاق النووي سوف تسمح لها بإعادة نفطها إلى الأسواق العالمية، غير أنه في المقابل، فإن أي صفقة جزئية سوف تجعل إيران في غير عجلة من أمرها لإبرام اتفاق كامل، طالما أن أوضاعها الاقتصادية تحسنت، ولذلك، فإن هذا السيناريو، وإن كان قائماً، فهو مستبعد. 

3- فشل المفاوضات: يمكن أن تواصل إيران تعنتها وترفض التراجع عن خطوطها الحمراء، فقد عبّرت صحيفة "إيران"، الناطقة باسم الحكومة الإيرانية، صراحةً برفض المسودة المقترحة من جانب بوريل، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعلان فشل المفاوضات، وإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، وذلك بعد تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية انتهاك إيران الاتفاق النووي.

4- نجاح المفاوضات: قد تدفع الضغوط الداخلية على النظام الإيراني إلى تبني الأخير سياسة أكثر مرونة في المفاوضات، بهدف التوصل لاتفاق يرفع العقوبات عن كاهل الاقتصاد الإيراني، كما قد يعزز اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي عن رغبة الطرفين الإيراني والأمريكي في إعادة إحياء الاتفاق النووي، حيث من المرجح أن يكون هذا الأمر صعباً إذا ما فاز الجمهوريون في الانتخابات المقبلة.

وفي الختام، يمكن القول إن طهران ما زالت تراهن على عاملي الوقت وتردد الإدارة الأمريكية في وضع سقف زمني للمفاوضات، حتى لا تضطر إلى إعلان فشلها، والبحث في خيارات تصعيدية هي غير مستعدة لها، بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية والأزمة التايوانية. وقد وضح ذلك بجلاء في الجولة الحالية من المفاوضات، إذ تشير التسريبات إلى تقديم تنازلات إضافية لطهران، مثل الضمانات المالية، غير أنها لاتزال تصر على كامل مطالبها، بما في ذلك إغلاق ملف آثار اليورانيوم المخصب.