أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

افتعال الأزمات:

دور الإعلام الإيراني والتركي في توتر العلاقة مع القوميات

29 أبريل، 2018


تمارس وسائل الإعلام، نظريًا، دورًا مهمًا يساهم في إدماج القوميات داخل مجتمع ما، والمحافظة على تجانسه رغم تنوعه، بل وتحويل هذا التنوع، في بعض الأحيان، إلى متغير إيجابي يدعم عملية التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال تمثيل متوازن لهذه القوميات في المساحات الإعلامية، المقروءة والمرئية، والتعامل مع قضاياها بقدر من الاهتمام الذي يعكس احترام وجودها كمكون اجتماعي.

وعلى النقيض من هذا الدور المفترض، يمكن أن تساهم وسائل الإعلام في توتر العلاقة بين الدولة والقوميات، وتتعدد نماذج وأنماط هذا التوتر حسب مجمل أوضاع الأخيرة داخل الدولة، بحيث تتزايد الأزمات التي يتسبب في ظهورها الإعلام أو يفاقم منها في تلك الدول التي تعاني قومياتها من التهميش السياسي والاجتماعي، بينما يضيق هامش تأثير الإعلام كلما مارست حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

نمطان رئيسيان:

اللافت في هذا السياق هو أن الدور السلبي الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام يتزايد في بعض دول المنطقة التي تتسم بالتنوع العرقي، على غرار تركيا وإيران، حيث تؤدي إلى تفاقم شعور تلك القوميات بالإقصاء والتهميش، بالتوازي مع تكريس صور ذهنية مغلوطة، سواء كان ذلك مرتبطًا بتوجهات سياسية تركز على التمييز ضدها، أو بانتشار نظرة مجتمعية سلبية لها، أو حتى كان ناتجًا عن عدم تعامل العاملين في المجال الإعلامي مع القضايا المتعلقة بها بقدر من الوعى والاحترافية.

وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى نمطين رئيسيين للتمييز ضد القوميات في وسائل الإعلام الإيرانية والتركية، بما يؤدي إلي اندلاع أزمات متعددة على اختلاف مستوياتها مع الدولة، وهما:

1- تهميش وإقصاء: ويعد الإعلام الإيراني مثالاً واضحًا في هذا الصدد، حيث أثار نمط تعامله مع قضايا القوميات العديد من الأزمات، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح أنه يمثل نهجًا مقصودًا، خاصة أنه يأتي بالتوازي مع تكريس نفوذ القومية الفارسية على مختلف مؤسسات وسلطات النظام السياسي.

ورغم أن الأخير سعى إلى تأسيس قنوات تليفزيونية مناطقية للتعبير عن كل إقليم من أقاليم الدولة، بما فيها الأقاليم التي تقطنها القوميات، إلا أن قنوات التليفزيون الرسمي العامة لا تزال تحظى بالاهتمام الأكبر من جانب الدولة وباتت تثير توجهاتها أزمات عديدة مع القوميات.

فعلى سبيل المثال، فتح برنامج بثته القناة الثانية في التليفزيون الرسمي المجال أمام احتجاجات واسعة شهدها إقليم الأحواز لعدة أيام تعبيرًا عن استياء المتظاهرين مما ورد في البرنامج بحق سكان الإقليم.

واعتبر المتظاهرون البرنامج استمرارًا للسياسة التي تتبناها مؤسسات النظام تجاه القومية العربية، والتي لا تنفصل عن محاولات التغيير الديمغرافي داخل الإقليم من خلال تهجير قوميات أخرى إليه منها اللور والفرس، حيث أظهر البرنامج، الذي يخاطب النشء، خريطة توزيع السكان في إيران، والتي ألغى بمقتضاها الوجود العربي من الأحواز، وذلك بوضع دمى ترتدي الأزياء الشعبية للقوميات المختلفة في البلاد، باستثناء القومية العربية، التي استبدلت بدمية ترتدي زى القبائل البختيارية.

فضلاً عن ذلك، تمارس بعض الصحف الدور نفسه، حيث تحاول ترسيخ صور ذهنية سلبية للقوميات، خاصة العربية والآذارية، فعلى سبيل المثال، يُصور الآذاري، في بعض الأحيان، على أنه شخص لا يهتم بالنظافة والنظام، بشكل تسبب في اندلاع احتجاجات عديدة داخل مناطق الآذاريين.

2- فرز سياسي: وهو نمط من التمييز الإعلامي ضد قومية معينة داخل المجتمع، يركز على الفرز السياسي لمواقفها وانتماءاتها السياسية. ويمثل ذلك أحد آليات تعامل الإعلام التركي مع الأكراد، على سبيل المثال، حيث يصنف الأكراد ما بين أخيار وأشرار، حسب مواقفهم الداعمة أو المعارضة لحزب العدالة والتنمية الحاكم.

ففي البرامج السياسية عادة ما يتم التشهير بداعمي الأحزاب الكردية المعارضة، مع التأكيد علي أنهم قليلي العدد ولا يعبرون عن باقي المنتمين للقومية التركية، كما تبدي الدراما التركية حرصًا على وجود المكون الكردي في الأعمال الدرامية، ويتم فيها أيضًا التمييز بين الأكراد المؤيدين والمعارضين على أساس سياسي، حيث يدمج الأكراد المؤيدون ضمنيًا في الأحداث الدرامية بشكل إيجابي، بينما يظهر المعارضون كإرهابيين وهاربين من العدالة في الجبال وعلى حدود البلاد، في الوقت الذي يتم فيه إنتاج أعمال درامية كاملة لتصوير الحياة الكردية وفق الفرز السياسي نفسه.

وقد بدت هذه السياسة التي يتبناها الإعلام التركي في تعامله مع الأكراد خلال الفترة الماضية جلية في تطورين سياسيين مهمين: أولهما، الاستفتاء علي استقلال إقليم كردستان العراق. وثانيهما، التدخل العسكري التركي في عفرين السورية، حيث حاول الإعلام الرسمي "شيطنة" موقف الأكراد الداعمين للاستفتاء والمعارضين للعملية العسكرية، معتبرًا أنه موقف ضد الدولة التركية ككل وليس موقفًا ضد إجراءات النظام الحاكم.

وأدى تزايد مخاوف أنقرة من مشروع الدولة الكردية وتضافر جهود الأكراد في تركيا وسوريا لدعم محاولات تأسيسها، إلى شن حملات إعلامية لتبرير التدخل العسكري، وتخوين معارضيه، على نحو أثار استياء الأكراد في تركيا.

وبالطبع، فإن إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في 24 يونيو 2018، أى قبل عام ونصف من موعد الانتخابات، سوف يدفع بعض وسائل الإعلام إلى تكريس تبني هذا النمط، خاصة في ظل رفض بعض الأحزاب الكردية لهذه الخطوة التي اعتبرتها محاولة من جانب أردوغان لاستغلال العملية العسكرية في عفرين تحديدًا من أجل تعزيز سلطاته في الداخل، على نحو دفع حزب "الشعوب الديمقراطي" المؤيد للأكراد، وهو ثالث حزب في البرلمان، إلى الانسحاب من جلسة التصويت قبل إقرار طلب أردوغان.  

وفي النهاية، يمكن القول إن تصاعد حدة التوتر في العلاقة بين إيران وتركيا والقوميات العرقية الموجودة فيهما يمثل احتمالاً قويًا خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية التي تتعرض لها كل منهما، على نحو سوف يفرض تداعيات مباشرة على أنماط تعامل وسائل الإعلام مع قضايا القوميات، خاصة مع تزايد اهتمام المجتمع الدولي بها خلال الفترة الأخيرة.