أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

خلافات قائمة:

أبعاد المبادرة الأممية لتهدئة التصعيد الراهن في ليبيا

11 مارس، 2022


أطلقت المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، في 4 مارس 2022، مقترحاً للوساطة بين مجلسي النواب والدولة الليبيين، يتمثل في تشكيل لجنة مشتركة من قبل المجلسين لوضع قاعدة دستورية توافقية، على أن تجتمع اللجنة في 15 مارس، وتنهي عملها بعد أسبوعين. كما شهدت الأيام الأخيرة تصاعد وتيرة الحشد العسكري في العاصمة طرابلس، مع استمرار تمسك الدبيبة بالبقاء في السلطة.

تطورات متلاحقة

يمكن عرض أبرز المواقف من مقترح ويليامز للوساطة في التالي:

1- موقف داخلي منقسم: التزم مجلس النواب الليبي الصمت حيال المبادرة الأممية، حتى الآن، إلا أن بعض أعضائه عبروا بشكل منفصل عن رفضهم للمبادرة الأممية، كما أعلن 93 من أعصاء البرلمان، في 7 مارس الجاري، في بيان مشترك، عن رفضهم تشكيل لجنة مع مجلس الدولة لوضع قاعدة دستورية، باعتباره مساراً موازياً غير مبرر.

وفي المقابل، أعلن رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، عن ترحيبه بالمبادرة الأممية، كما صوت المجلس، في 6 مارس الجاري، على عناصر اللجنة التي ستمثله في اللجنة المشتركة مع مجلس النواب. كذلك، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقال، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة الجديدة، فتحي باشاغا، عن دعمهما المبادرة الأممية، وهو الموقف نفسه الذي تبناه رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي.

2- دعم دولي للمبادرة: أصدرت سفارات كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بياناً مشتركاً، في 4 مارس الجاري، طالبوا خلاله كافة الأطراف الليبية بالتعاون الكامل مع المبادرة الأممية، مشيرةً إلى ضرورة إرساء أساس دستوري توافقي، تمهيداً لإجراء الانتخابات العامة في أسرع وقت.

كما أعربت الدول المشاركة في هذا البيان عن قلقها من تصاعد حدة العنف الداخلي، ملوحةً إلى إمكانية فرض عقوبات على الأفراد والكيانات التي تهدد الاستقرار في ليبيا. كذا، أعرب الاتحاد الأوروبي عن دعمه للمبادرة الأممية.

دلالات مهمة

عكست المتغيرات الأخيرة التي شهدها الملف الليبي عن جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- قلق دولي وأممي: عكست التحركات الأممية الأخيرة والدعم الدولي لها مدى القلق إزاء تصاعد احتمالات حدوث مواجهات مسلحة بين الحكومتين الليبيتين المتنافستين، خاصةً بعد الاتهامات التي وجهها باشاغا، للدبيبة، بعرقلة وصول أعضاء حكومته لمقر البرلمان لأداء اليمين الدستورية، من خلال فرض حظر للطيران، فضلاً عن اتهامات لاحقه وجهها باشاغا للدبيبة بتحريك عدد من الميليشيات المسلحة التابعة له في طرابلس لاحتجاز ثلاثة من الوزراء الجدد في الحكومة الجديدة، هم وزير الخارجية، حافظ قدور، والثقافة، صالحة التومي، والتعليم التقني، فرج سالم، قبل أن تقوم هذه المليشيات بالإفراج عن اثنين منهم في وقت لاحق.

كما أصدر الدبيبة أوامره بالقبض على باشاغا ووزرائه حال وصولهم إلى طرابلس، وهو ما أدى إلى تأجيج الأوضاع الداخلية والدفع نحو سيناريو المواجهات لمسلحة، كما أعلنت كتيبة النواصي في طرابلس عن حالة الطوارئ ونشرها عدداً كبيراً من الآليات العسكرية في محيط مطار معيتقة لمنع هبوط طائرة تحمل باشاغا إلى العاصمة الليبية، فيما أعلن الأخير تمسكه بتسلم مهام عمله كرئيس للحكومة في طرابلس، وخاطب باشاغا الأجهزة الأمنية في غرب ليبيا بعدم الاعتداد بأي تعليمات تصدر عن حكومة الدبيبة.

2- وساطة أمريكية: أعلن السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، في 5 مارس الجاري، أنه أجرى مشاورات مع رئيس الدبيبة وباشاغا، مشيراً إلى أنهما يحظيان بدعم أمريكي كامل، في إشارة صريحة لاعتراف واشنطن بشرعية حكومة باشاغا، ومحاولة تبني موقف وسط.

كما عقد نورلاند لقاءات مع الدبيبة وباشاغا، في مؤشر على سعيه للوساطة بين الرجلين لحلحلة للأزمة الراهنة، فضلاً عن المشاورات التي أجراها نوريلاند مع رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، حيث رحب السفير الأمريكي بالتزام صالح بالانخراط مع جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق دستوري سريع.

3- كسب مزيد من الوقت: تستهدف المبادرة الأممية بالأساس محاولة كسب مزيد من الوقت لحين التواصل مع كافة الفواعل الإقليمية والدولية وإيجاد حل لأزمة الصراع على منصب رئيس الوزراء، إذ إن البعثة كانت مضطرة لإصدار موقف واضح من حكومة باشاغا الجديدة، بيد أنها لاتزال متخوفة من التداعيات المحتملة لذلك، وبالتالي لجأت البعثة إلى الالتفاف على ذلك من خلال الإعلان عن مبادرة جديدة لحين التوصل إلى موقف واضح.

وتجدر الإشارة إلى أن المستشارة الأممية وضعت شروطاً لدعمها لباشاغا، تتمثل في ضرورة حصول حكومته على دعم مجلسي الدولة، والنواب، وبالتالي، فإنه في ظل الشكوك التي شابت عملية تصويت النواب على باشاغا، والتي عبر عنها الأمين العام للأمم المتحدة، فضلاً عن تراجع مجلس الدولة عن دعم حكومة باشاغا، فإن ستيفاني قد تراجعت هي الأخرى عن دعم باشاغا جزئي. 

ارتدادات واسعة

في إطار المعطيات السابقة، يمكن أن تفرز التطورات المتسارعة التي يشهدها الملف الليبي بعض الانعكاسات الواسعة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تحدي المبادرة الأممية: لايزال موقف مجلس النواب غير واضح تجاهها، خاصة بعد إبداء بعض نوابه رفضهم لها، فضلاً عن رفض عناصر عديدة داخل مجلس الدولة هذه المبادرة، وتعتبرها بمنزلة تجاوز للتعديل 12 الذي تم إدخاله على الإعلان الدستوري مؤخراً، والذي نص على تشكيل لجنة خبراء من 24 عضواً، يتم اختيار أعضائها مناصفة من قبل مجلسي الدولة والنواب، لمراجعة مسودة الدستور وطرحها على الاستفتاء. وعكس هذا الرفض تصريحات ويليامز، التي أعلنت عن أسفها للحملات الإعلامية التي تستهدف مساعيها لإنهاء حالة الانقسام الراهنة في ليبيا.

2- تردد مجلس الدولة: يجب الإشارة إلى أن موقف مجلس الدولة لا يزال متذبذباً إزاء حكومة باشاغا، فهو لم يعلن عن رفضه التام لها، وإنما ألمح إلى أن الرفض مرتبط فقط بمخالفة البرلمان الليبي للتوافق الذي كان قد تم بين المجلسين، فضلاً عن اعتراضه على عدد من الوزراء في حكومة باشاغا، ومن ثم فلا يزال الأمر معلقاً بشأن احتمالية اتجاه المجلس للإعلان عن دعمه لحكومة باشاغا حال تم التوافق مع مجلس النواب.

3- انقسام ميليشيات الغرب: أعلنت بعض التشكيلات المسلحة في طرابلس عن دعمها لحكومة الدبيبة، على غرار قائد "جهاز دعم الاستقرار"، عبد الغني الككلي، وقائد الكتيبة 301 مشاة، عبد السلام زوبي، وقائد اللواء 53 مشاة، محمود بن رجب، ولواء النواصي، بقيادة مصطفى قدورة، فضلاً عن إعلان نحو 65 كتيبة وتشكيل مسلح في مصراته عن دعمها للدبيبة. وفي المقابل، أعلنت حوالي 118 كتيبة مسلحة في مصراته عن تأييدها لباشاغا. 

كما أن هناك العديد من الميليشيات العسكرية الكبرى في طرابلس التي لم تعلن عن موقف محدد حتى الآن، منها اللواء 444 مشاة، بقيادة محود حمزة، وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، واللواء 777 بقيادة هيثم التاجوري، وكذا كتيبتا "رحبة الدروع"، و"فرسان جنزور".

وتكشف خريطة التوازن الميليشياوي عن أنها تصب في صالح باشاغا، ففي حين تبدو قوى مصراته غير راغبة في تأجيج حالة الانقسام بين اثنين من العناصر المنتمي لها، الدبيبة وباشاغا، فإن التعويل الأكبر على قوى الزاوية والزنتان، والتي ترتبط بعلاقات وثيقة بباشاغا، خاصةً أن الأخير عمد إلى اختيار وزير الداخلية بحكومته الجديدة من مدينة الزاوية، وهو عصام أبو زريبة. كما أن مستقبل باشاغا بات يعتمد كذلك على الترتيبات الأمنية للميليشيات المسلحة في طرابلس.

4- استخدام ورقة النفط: انخفض إنتاج النفط الليبي خلال الأيام الأخيرة بنحو 330 ألف برميل يومياً، ما أدى إلى خسارة تجاوزت الـ160 مليون دينار ليبي (حوالي 34.7 مليون دولار) يومياً، وذلك بعدما أغلقت عناصر مجهولة حقلي الشرارة والفيل، كما قامت المؤسسة الوطنية للنفط بإغلاق ستة موانئ لشحن النفط إلى الأسواق الدولية، في 4 مارس الجاري، قبل أن تعيد فتح أربعة منهم في وقت لاحق. 

وزادت هذه الأزمة من الأزمة الموجودة في أسواق النفط، والذي بلغ سعره في 7 مارس 2022، نحو 140 دولاراً للبرميل، وهو ما دفع العديد من التقديرات للإشارة إلى أن بعض أطراف الأزمة يسعون إلى استخدام ورقة النفط للضغط على خصومها، ودفع القوى الدولية لدعم باشاغا.

5- بقاء مسار التصعيد قائماً: لا ترغب الأطراف الليبية المتصارعة في الانزلاق نحو حرب أهلية جديدة، بسبب الإنهاك العام الراهن في الداخل الليبي، كما أن القوى الدولية حريصة على عدم تجدد المواجهات المسلحة مرة أخرى، بيد أن الاحتقان المتزايد بين الحكومتين الليبيتين يمكن أن يؤدي إلى تغيير هذه الحسابات، خاصةً حال إقدام أي طرف على اتخاذ خطوة غير محسوبة.

وكذا، يخشى أن ينعكس الصراع الروسي – الأمريكي على أوكرانيا على الأزمة الليبية، وتتسبب في اندلاع حرب جديدة بالوكالة، خاصةً أن موسكو تعد القوة الدولية الوحيدة التي رحبت بحكومة باشاغا.

وفي الختام، لا تزال الأمور غير واضحة بشأن المبادرة الأممية الأخيرة، خاصةً في ظل حالة الانقسام الداخلي، فضلاً عن تصاعد حدة الاحتقان الداخلي بين الحكومتين المتوازيتين واستمرار مساعيهما لاستقطاب الدعم السياسي والميليشياوي الداخلي، إلى جانب الدعم الدولي، ولذا، فإنه من غير المرجح أن يتبلور موقف واضح من المبادرة الأممية، ما لم يتم حسم هوية رئيس الوزراء أولاً.