أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

ضربات محدودة:

تقييم أولي لتأثيرات الهجوم الثلاثي على سوريا

14 أبريل، 2018


أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" فجر يوم 14 أبريل الجاري، بدء العمليات العسكرية الأمريكية ضد النظام السوري بمشاركةٍ بريطانية وفرنسية، وذلك على خلفية الاتهامات الموجهة لقوات النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية في عملياتها العسكرية بمدينة دوما بالغوطة الشرقية لدمشق.

ملامح الهجوم:

قامت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضربات عسكرية للعديد من المواقع السورية، وتمثلت أهم ملامح هذا الهجوم فيما يلي: 

1- استهداف مراكز الأبحاث العلمية: استهدف الهجوم مركز الأبحاث العلمية في منطقة برزة في ريف دمشق، ومركز الأبحاث العلمية في ريف حماة، ومبنى المختبرات العلمية في جمرايا في ريف دمشق، بزعم أنها مواقع لإنتاج السلاح الكيماوي.

2- مهاجمة المواقع والمطارات العسكرية: شهدت الضربات الأخيرة قصف لواء الحرس الجمهوري 105 ضمن الفرقة الرابعة المدرعة، ومطار المزة العسكري، وقاعدة للدفاع الجوي أعلى جبل قاسيون، ومطار الشراعي في منطقة الديماس قرب الحدود اللبنانية، وكذلك مستودعات في شرق القلمون والكسوة جنوب دمشق، فضلًا عن مطار الضمير قرب حمص.

3- اعتراض صواريخ التحالف: استخدمت الدول الثلاث بحسب وزارة الدفاع الروسية 103 صواريخ، لم يصل حوالي 70 صاروخًا منها إلى أهدافها المحددة، ونجحت أجهزة الدفاع الجوي السورية في حرفها عن مسارها.

دوافع مُعلنة:

بررت الدول الثلاث العملية العسكرية باتهام النظام بضرب المدنيين بالسلاح الكيماوي في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، ويلاحظ على هذا الاتهام ما يلي:

1- لم يتم رصد أية حالات مصابة من جراء الكيماوي في مستشفى دوما أو جوارها، وذلك حسب ما أعلنه مركز المصالحة الروسي في سوريا بعد زيارته لمستشفي في دوما ولقاء مجموعة من الأطباء السوريين الذين أكدوا عدم وصول مرضي مصابين بأعراض تسمم كيمائي وغياب ذلك عن تقارير المنابر الإعلامية للتنظيمات الإرهابية.

2- قامت إسرائيل سابقًا بقصف منشآت الأبحاث العلمية في كلٍّ من منطقة برزة وجمرايا أكثر من مرة، بزعم أنها تُجري أبحاثًا نووية، كما أن منشأة الأبحاث في برزة بالذات كانت تحت سيطرة فصائل إرهابية إلى أن استعادها النظام في منتصف العام الماضي.

3- بررت هذه الدول أيضًا عملياتها العسكرية بضرورة تحجيم نفوذ النظام، وإن كانت كل من فرنسا وبريطانيا قد حرصتا على تأكيد عدم انخراطهما في التطورات العسكرية في سوريا بصورة مباشرة، بعكس الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحدث عن الانسحاب من سوريا وتواصل الانخراط في تطوراتها.

تقييمات أولية: 

يُلاحظ من خلال تقييم مجمل أبعاد العملية العسكرية مجموعة من النقاط التي تتمثل فيما يلي:

1- الابتعاد عن المواقع الروسية: لم تقترب عمليات القصف من القواعد الروسية أو مناطق تمركز القوات المسلحة السورية والشرطة العسكرية في العديد من المناطق على اتساع سوريا، وكذلك المواقع العسكرية الروسية القريبة منها، وكذلك من القواعد الإيرانية.

وكان من الواضح تأثير القيادات العسكرية في الدول الثلاث -خاصة في الولايات المتحدة- على موقف الرئيس الأمريكي في تجنب الاصطدام أو المساس بالقوات الروسية في ظل تصاعد التهديدات الروسية قبل العملية، وبالتالي كانت العملية على أهداف منتقاة بدقة شديدة.

ويُشار في هذا السياق إلى أن روسيا سبق وحذرت كذلك في اتصالاتها مع إسرائيل قبل العملية من أن توجيه أية ضربات لمناطق وقواعد إيرانية أو لحزب الله، يمكن أن يؤدي لتصعيد الحرب إقليميًّا، خاصة من جانب إيران وحزب الله، مع وجود نية لانسحاب أمريكي من الاتفاق النووي، وهو ما يمكن أن يخلط الأوراق بصورة كبيرة. وتُفيد مصادر متعددة بأن إسرائيل أجرت حوارًا بهذا الخصوص مع مسئولين عسكريين وأمنيين في الدول الثلاث.

2- استباق التحقيقات الدولية: تمت العملية بصورة سريعة قبل وصول مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية اليوم السبت إلى منطقة دوما لتأكيد اتهام النظام باستخدام السلاح الكيماوي خوفًا من صدور تقرير لا يتفق مع هذا الاتهام. ومن المتوقع أن يركز الجانب الروسي خلال الفترة المقبلة في رفضه للعملية العسكرية الأمريكية على أن الولايات المتحدة كان يتعين عليها أن تنتظر تقرير فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

3- التأديب البريطاني غير المباشر لروسيا: جاءت المشاركة اللافتة من الجانب البريطاني في العمليات قبل انعقاد مجلس العموم البريطاني يوم الاثنين القادم، والذي كان من المتوقع خلاله أن يصدر توصية يمكن أن تحد من حرية حركة الحكومة البريطانية في المشاركة في العملية، كما أن بعض المصادر البريطانية أرجعت المشاركة البريطانية في جزء منها للرد على اغتيال الجاسوس الروسي في لندن.

ويُشار في هذا الإطار إلى تصريح وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"، والذي أشار خلاله إلى أن موسكو تملك أدلة دامغة على أن الكيميائي المزعوم في دوما كان مجرد مسرحية تقف وراءها مخابرات إحدى الدول المنخرطة في الحملة المضادة لروسيا، وذلك في إشارة ضمنية للجانب البريطاني، والتي ترى موسكو أنها تحاول التربص بالجانب الروسي على خلفية أزمة الجاسوس "سكريبال".

4- استهداف مواقع متعددة للنظام السوري: ركزت الضربات الأمريكية والبريطانية والفرنسية على أهداف متعددة للنظام السوري، وليس ضد هدف واحد مثلما حدث في أبريل 2017 عندما استهدفت الولايات المتحدة هدفًا عسكريًّا واحدًا هو قاعدة الشعيرات في محافظة حمص ردًّا على استخدام الأسلحة الكيماوية أيضًا في مدينة خان شيخون في محافظة إدلب.

وبرغم أن الخبرات السابقة تُشير إلى أن الولايات المتحدة اعتادت عقاب النظام السوري في المواقع العسكرية التي اعتقدت أنه استخدمها كمنصه في هجماته بالأسلحة المحرمة دوليًّا، إلا أن العملية الجارية تتجاوز فكرة ضرب المكان الذي تعتقد واشنطن أن هجوم دوما نُفِّذ عبره. 

5- عدم تأثر التوازنات العسكرية: لم تنجح العملية العسكرية في معالجة اختلال معادلة التوازن العسكري في سوريا بعدما أسفرت العمليات العسكرية خلال الشهور الأخيرة عن نجاحات صبت في صالح النظام وروسيا وإيران، خاصة ما يتعلق بتصفية الوجود العسكري المعارض في حزام العاصمة دمشق، ولم يعد هناك من وجود للفصائل العسكرية إلا في منطقة درعا في الجنوب وبعض الجيوب في مدينة الضمير والقلمون الغربي وهي مناطق خفض توتر اتُّفق أخيرًا على خروج المسلحين منها.

6- تنوع مصادر الضربات (جوًّا وبحرًا): تمت الضربات الصاروخية من مواقع قامت بها وحدات البحرية الأمريكية وطائرات فرنسية وبريطانية لم تدخل الأجواء السورية، فضلًا عن طائرات "بي 1" الأمريكية من قاعدة التنف الأمريكية التي أقامتها واشنطن في الأراضي السورية مؤخرًا.

7- تفادي مواقع "داعش" جنوب دمشق: كانت هناك ضربات عسكرية لبعض المواقع في برزة والمزة على القوات العسكرية التابعة للنظام التي كانت تحاصر مجموعات "داعش" في بعض مناطق ريف دمشق خاصة حي القدم، وبالتالي فإن الضربات خففت بصورة عملية من الضغط العسكري الذي كانت تفرضه القوات النظامية على مجموعات "داعش" في جنوب دمشق. 

8- تصدي الدفاع الجوي السوري للهجمات: برز دور سلاح الدفاعات الجوية السورية في التصدي لبعض الهجمات التي قامت بها الدول الثلاث. ومن الواضح -في هذا الإطار- نجاح روسيا في تطوير منظومات الدفاع الجوي السورية القديمة بصورة مكّنتها من تقليل خسائر العملية العسكرية، وهو ما يعكس وجود تعاون عسكري روسي سوري على مستوى متقدم.

9- تطوير روسيا للدفاع الجوي السوري: رغم محاولات روسيا التأكيد على أنها كانت سندًا للنظام السوري، وأنها أخطرته بالتفاصيل المتوقعة للعملية فأخلى المواقع المرجحة للضربات، إلا أن العملية في مجملها تمثل نوعًا من التعريض بالهيبة الروسية التي تركت النظام يواجه وحده هذه العملية، واكتفت بتأمين مواقعها، الأمر الذي قد يدفع الرئيس الروسي إلى تقديم منظومات دفاع جوي أكثر حداثة لسوريا (إس 300 التي تطالب بها سوريا منذ فترة طويلة)، وكان يؤخر ذلك الاعتراض الإسرائيلي بصورة أساسية.

تحركات متصاعدة:

إذا كانت العملية العسكرية لم تؤدِّ إلى اختلال واضح في معادلة التوازن العسكري؛ إلا أنها تمثل رسالة قوية لكلٍّ من النظام السوري وحلفائه (إيران - حزب الله) ولروسيا كذلك، بأنها يمكن أن تتكرر بصورة أكبر. وتراهن الدول الثلاث على أن يؤدي ذلك إلى السير بخطوات أكثر إيجابية في المفاوضات المتوقعة للحل السياسي للأزمة السورية.

ويعني الواقع السياسي والعسكري الحالي في سوريا أن الدخول في مراحل الحل السياسي لن يكون على أساس القواعد التي حكمت المفاوضات في السنوات الماضية، ولكن سيرتبط بصورة كبيرة بما صار يمتلكه النظام من أوراق وحضور عسكري وسياسي لم يحظَ به من قبل طوال السنوات السبع الماضية.

ويُرجَّح أن تؤخر الضربات الأمريكية البريطانية الفرنسية لفترة من خطط النظام العسكرية التي كان من المقرر أن ينفذها بعد سيطرته على الغوطة الشرقية، خاصة ما يتعلق بإطلاق معارك جديدة لتطهير الجبهة الجنوبية مما تبقى فيها من فصائل معارضة.

وستواصل الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة القادمة مساعيها لإقامة الإقليم الكردي شرق الفرات، مع الحرص على تفاهمات مع تركيا لاستيعاب مخاوفها لتحقيق هدف استراتيجي هو بداية تقسيم الدولة السورية، وإقامة حاجز استراتيجي كبير يحول دون تمدد النفوذ الإيراني من العراق إلى سوريا، وإقامة قواعد تمركز في المنطقة.

ختامًا، يُتوقع أن تشهد الفترة القادمة استمرار تغاضي روسيا عن الاحتلال التركي لمناطق في شمال سوريا وممارستها لضغوط على النظام السوري بهذا الخصوص واستثمار ذلك في دعم التحالف أو التفاهمات الروسية مع تركيا، وهو ما يعني أن تركيا ستحقق الكثير من المكاسب.

ومن المتوقع كذلك استمرار التحالف الروسي الإيراني في مستوياته المتعددة داخل الساحة السورية، وهو ما سيفرض تأثيره داخل تطورات الصراع خلال الفترة القادمة، ويتضح أيضًا غياب دور الدول العربية وعلى رأسها جامعة الدول العربية من الضربة على سوريا وما سبقه من تهديدات عسكرية.