أخبار المركز
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)

الخليج الصلب:

آليات تفعيل الشراكة الأوروبية ـ الخليجية

18 أكتوبر، 2015


إعداد: عبدالغفار الديواني


برزت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد الانتفاضات العربية عام 2011، ككتلة مهمة إقليمياً لها ثقل استراتيجي في المنطقة، في ظل حالة الفوضى التي تمر بالشرق الأوسط، وتصدع الدولة في عد من الدول العربية الأساسية.

وبالتوازي مع ذلك، تمثل التطورات واقعاً جديداً لأوروبا، لأن سياسات دول الخليج باتت تؤثر بشكل كبير في بوصلة الأحداث في هذه المنطقة لمواجهة الصراعات والإرهاب وتدفق المهاجرين، وكلها قضايا تهدد بشكل متزايد المصالح الأوروبية.

في هذا الإطار، تأتي الدراسة المُعنونة: "الاستجابة إلى الخليج الصلب" Responding to an assertive Gulf، الصادرة عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، للباحث Julien Barnes-Dace، وهو زميل أول في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية؛ حيث تتناول الدراسة التحول الذي شهدته دول الخليج بعد الانتفاضات العربية، والعلاقات الأوروبية - الخليجية في مجالي التجارة والدفاع، بالإضافة إلى القيود المفروضة على كل طرف. وفي نهاية الدراسة، يشير الباحث إلى ما يتعين على الدول الأوروبية اتخاذه لبناء نهج استراتيجي للعلاقات الأوروبية ـ الخليجية.

تنامي دور دول الخليج

مثلت الانتفاضات العربية في بداية العقد الثاني من القرن الحالي، نقطة تحول كبيرة في دور دول مجلس التعاون الخليجي بالمنطقة، خاصةً دول السعودية وقطر والإمارات. فحسب الدراسة، اضطرت الدول الثلاث إلى الانخراط المباشر لإعادة الاستقرار في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، وأنفقت أكثر من 109.9 مليار دولار على سياسات الدفاع في عام 2014 فقط.

وأرجع الكاتب أسباب تنامي دور دول مجلس التعاون إلى التخوف من وصول الاضطرابات إلى الداخل الخليجي، وأيضاً بسبب الصراع مع إيران على المستوى الإقليمي، والموقف الغربي المتراخي من الملف النووي الإيراني، وكذلك الموقف الإماراتي والسعودي (خاصةً في عهد الملك الراحل عبدالله) الرافض لجماعة الإخوان المسلمين. كما أن ثمة تأثراً بالظروف الإقليمية مثل الفراغ السياسي في المنطقة، وكذلك من خلال الشعور بانسحاب الولايات المتحدة وتخليها عن حلفائها التقليديين في المنطقة، وعدم رغبتها في الوقوف في وجه إيران.

ويُضاف إلى ذلك تزايد نفوذ وخطر تنظيم "داعش"، وانضمام دول الخليج للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في محاربة هذا التنظيم الإرهابي الذي يمثل تهديداً أمنياً مباشراً لدول مجلس التعاون.

مخاوف أوروبية

أكد الكاتب أن الخليج أصبح لاعباً رئيسياً في الأحداث التي لها تأثير مباشر على الاتحاد الأوروبي والمصالح الأوروبية، خاصةً في ظل شرق أوسط غير مستقر. ويتمثل القلق الأوروبي فيما يلي:ـ

1 ـ المخاطر الأمنية المتعلقة بتزايد المناطق غير المحكومة التي تنتشر فيها الجماعات المتطرفة ذات الأجندات المعادية للغرب، لاسيما مع وجود أكثر من 4 آلاف مقاتل من الأوروبيين الغربيين في المنطقة. ومن ثم، يكون خطر الهجمات الإرهابية المنطلقة من الشرق الأوسط الآن هو الشاغل الأمني الأول للحكومات الأوروبية.

2 ـ الهجرة إلى الداخل الأوروبي، حيث يفر اللاجئون من الصراعات الإقليمية، كما يستغل المهاجرون انهيار النظام في ليبيا للسفر إلى أوروبا عبر أفريقيا جنوب الصحراء. وتُمثل الهجرة عِبئاً مُتزايداً، فضلاً عن كونها تؤدي إلى تغذية موقف اليمين المتطرف، وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب.

3 ـ استمرار الوضع الحالي يُقلل من فرص تحقيق الاستقرار في النظام الإقليمي، بل قد يكون له آثار بعيدة المدى على كامل الخريطة السياسية والأمنية في المنطقة، ما يؤثر على المصالح الأوروبية، وعلى دول أخرى تربطها علاقات وثيقة مع أوروبا، مثل الأردن وإسرائيل.

الاستراتيجية الأوروبية

تواصل أوروبا رؤية الخليج من خلال كونه "فرصة"، حيث اتخذت أوروبا من الاضطرابات الإقليمية ودور دول الخليج في مواجهتها، فرصة لتعزيز وتوسيع العلاقات التجارية والدفاعية بين دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا، على حساب خلق جبهة سياسية مشتركة، ويتضح ذلك من خلال الآتي:ـ

1 ـ على المستوى التجاري:

  • تنامي تجارة الأسلحة: أدت الاضطرابات الإقليمية إلى صعود الطلب على السلاح، فخلال عام 2014 فقط، وقعت فرنسا اتفاقيات لبيع مقاتلات رافال إلى مصر بدعم إماراتي، وأيضاً لقطر، وصفقة - برعاية سعودية بقيمة 3 مليار دولار - لتقديم أسلحة إلى الجيش اللبناني. كما تضاعفت صادرات الأسلحة الألمانية إلى دول الخليج لتصل إلى 1.2 مليار يورو بعد عام 2011. وتعد الرياض حالياً ثالث أكبر مشتر للسلاح من إسبانيا، كما تعتبر الإمارات أكبر مستورد سلاح من إيطاليا.
  • المصالح التجارية: يمثل حجم التدفقات التجارية بين الدول الخليجية والأوروبية 148 مليار يورو، بزيادة قدرها 50% منذ عام 2010، أي ما يعادل 4.4% من حجم التجارة العالمية الإجمالية للاتحاد الأوروبي، و13.9 % من حج تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع العالم، وهذا ما يجعل الاتحاد الأوروبي أكبر كتلة تجارية في منطقة الخليج.

ولا يمكن إغفال دور صناديق الثروة السيادية الخليجية في ضخ رأس المال في الاقتصاديات الأوروبية. كما تدير هذه الصناديق السيادية حالياً أكثر من 2.6 تريليون دولار في الأصول العالمية، منها ما يقدر بنحو 73 مليار يورو في جميع أنحاء أوروبا، بعدما كانت 8.8 مليار يورو عام 2004 في أوروبا.

2 ـ على المستوى الدفاعي: سعت فرنسا والمملكة المتحدة إلى عدم التركيز على العنصر التجاري فقط في العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، بل أكملتها بالعلاقات الدفاعية من خلال التواجد العسكري. ففي عام 2009 أسست فرنسا قاعدة عسكرية لها في الإمارات، كما أعلنت المملكة المتحدة مؤخراً عن وجود بحري دائم لها في البحرين. وثمة تدريبات مشتركة، جنباً إلى جنب مع تبادل المعلومات الاستخباراتية. وفي عام 2014، أبرمت المملكة المتحدة اتفاق تعاون أمني جديد مع قطر.

قيود متبادلة

يشير الباحث إلى أن الوضع القائم في العلاقات الأوروبية - الخليجية، لا يعني فقط تفوق دول الخليج، ولكن على الجانب الآخر هناك قيود على كلا الطرفين، تتمثل في الآتي:

1 ـ أوروبياً:

تقع على أوروبا بعض القيود التي تحد من تحركاتها في علاقاتها مع دول الخليج، ومنها:ـ

  • توفر الترتيبات العسكرية المُمولة من دول مجلس التعاون الخليجي وسيلة أساسية تساعد في تعويض خفض الإنفاق الدفاعي الأوروبي، والذي يمكن أن يكون له تأثير ضار على القدرات الأوروبية على المدى الطويل. كما لا يمكن التقليل أيضاً من شأن الأرقام المتعلقة بتجارة الأسلحة، إذ يرتبط بها الآلاف من فرص العمل في الصناعات الدفاعية الأوروبية.
  • يعتمد الاستقرار الاقتصادي في أوروبا بشكل كبير على أمن أسواق الطاقة التي تهيمن عليها دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تعتبر كذلك مصدراً محتملاً لإمدادات جديدة، خاصةً أن أوروبا تسعى إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن روسيا.
  • الانقسام الداخلي الذي طال أمده في الاتحاد الأوروبي في ظل الاعتماد على العلاقات الثنائية، حيث يظل الأمل ضعيفاً في إيجاد صوت مُوحد بشأن المسائل الاستراتيجية. ومثال على ذلك الموقف من الأزمة في اليمن وقبلها مسألة تسليح المعارضة السورية.

2 ـ خليجياً:

يرى الكاتب أن افتقار أوروبا إلى علاقة أكثر استراتيجية مع دول الخليج لا يعني أن أوروبا لا تحمل أي كروت في علاقاتها مع دول الخليج. فعلى العكس من ذلك، فإن دول مجلس التعاون تريد الشراكة الأوروبية أيضاً، وذلك لعدة أسباب من بينها:

  • تُوفر الروابط الأمنية بين دول مجلس التعاون وأوروبا ضمانات هامة لمنطقة الخليج في ظل النظام الإقليمي المُنهار، كما توفر علاقات الدفاع "شرعنة دولية" لمواقف دول الخليج، هذا فضلاً عن تعزيز سياساتها الإقليمية. وحتى لو استمرت الولايات المتحدة كضامن أمني لا يمكن الاستغناء عنه لدول الخليج رغم وجود خلافات معها، فإن الشراكة الخليجية ـ الأوروبية تعكس رغبة دول الخليج في تنويع دعم الأمن الدولي.
  • تضع دول مجلس التعاون الخليجي أموالها في أوروبا ليس فقط كوسيلة لجذب سياسات داعمة، بل يُنظر أيضاً إلى الاقتصادات الأوروبية كوجهات استثمارية آمنة نسبياً ومستقرة ومربحة، كما أنها تُوفر مدخلاً لنفوذ عالمي، سواء من خلال رعاية أندية كرة القدم الكبيرة أو الاستحواذ على الشركات ذات العلامات التجارية.

ما تحتاجه أوروبا

يشير الباحث إلى عدة نقاط يحتاجها الجانب الأوروبي لتشكيل استراتيجية ناجحة للتعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومن أهمها:ـ

1 ـ الاقتراب من دول الخليج بما يكفي لتأسيس علاقات أكثر توازناً، وتوسيع قنوات الحوار حول القضايا الإقليمية، والعمل كجبهة موحدة، وطرح القضايا ومناقشتها داخل الاجتماعات الوزارية الأوروبية ـ الخليجية، والسعي إلى إقامة منتديات تشاورية مع دول مجلس التعاون الخليجي.

2 ـ يتعين على الحكومات الأوروبية العمل جنباً إلى جنب مع الفاعلين في منطقة الخليج لحل المشكلات الإقليمية. وكجزء من هذا، ينبغي تشجيع دول مجلس التعاون الخليجي على تجاوز منهج "الفائز يأخذ كل شيء"، وتطوير مسارات بديلة، وأن تضع الدول الأوروبية نفسها في طليعة الجهود الرامية إلى فتح مسارات الحل السياسي. فمثلاً، ينبغي على أوروبا أن تقدم الدعم لمحادثات ليبيا التي تقودها الأمم المتحدة، مع إمكانية نشر قوات حفظ السلام الأوروبية إذا وافقت الفصائل المختلفة على العملية السياسية.

3 ـ السعي لبناء حوار سعودي ـ إيراني، والذي يمكن أن يكون بداية نحو تشكيل بنية أمنية إقليمية جديدة، والتقليل من الصراعات بالوكالة. وتستطيع أوروبا أن تقود هذا الدور، حيث يمكن لدول الاتحاد الأوروبي استخدم التقارب النسبي في علاقاتها مع كل من الرياض وطهران لدفع وخلق فرص للحوار.

4 ـ يتعين على الحكومات الأوروبية أن تفكر في تعزيز التعاون مع دول الخليج في مجالات التقارب، ومساعدتها على تطوير القدرات، وتحمل مسؤولية أكبر في تحقيق الاستقرار الإقليمي. كما ينبغي على أوروبا أن تستكشف مزيداً من التعاون مع دول مجلس التعاون في ملفات مثل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، عن طريق دفع المصالحة السياسية الفلسطينية، وتمويل جهود إعادة الإعمار في غزة. وفي ليبيا أيضاً، قد يكون هناك الآن فرصة لإجراء محادثات مع العاهل السعودي الملك سالمان من أجل أن تُشجع دول الخليج قيام عملية سياسية شاملة.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "الاستجابة إلى الخليج الصلب"، والصادرة عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يونيو 2015.

المصدر:

Julien Barnes-Dacey, Responding to an assertive Gulf (London, European Council on Foreign Relations, June 2015).