أخبار المركز
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)

اتجاهات متوازية:

هل تواصل إيران إجراءاتها التصعيدية في الملف النووي؟

13 سبتمبر، 2020


‎بعد أن أعلنت إيران، في 7 سبتمبر الجاري، أنها توصلت إلى هوية منفذي الهجوم على منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم، والذي وقع في 2 يوليو الماضي، أكدت على لسان رئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي، بعد ذلك بيوم واحد، أنها سوف تبدأ في بناء صالة أوسع قرب ناتانز لإنتاج أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً خلال المرحلة القادمة. إذ قال صالحي أن إيران سوف تتخذ خطوتين: الأولى قريبة والثانية على المدى البعيد. ويبدو أنه يحاول في هذا السياق الإشارة إلى أن إيران لن تكتف بتطوير أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً، وإنما ربما تحرص، في مرحلة لاحقة، على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، بشكل يتجاوز 4.5% الذي وصلت إليه عمليات التخصيب خلال الفترة الماضية.

اعتبارات عديدة:

‎يمكن تفسير حرص إيران على تبني هذه السياسة المتشددة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:  

‎1- سقف منخفض: ربما تحاول إيران في هذا الصدد توجيه رسالة إلى القوى المعنية بالاتفاق النووي بأن تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي انعكس في النتائج التي أسفرت عنها زيارة مدير الوكالة إلى طهران رافاييل غروسي في 26 أغسطس الفائت، سوف تكون له حدود غير مرتفعة. وبمعنى آخر، فإن إيران سعت عبر هذه الخطوة التي أعلن عنها صالحي إلى تأكيد أن موافقتها على مطلب الوكالة الخاصة بدخول موقعين كانت ترفض تفتيشهما قبل ذلك، ليس معناه أنها تراجعت عن سياستها المتشددة وإجراءاتها التصعيدية التي اتخذتها رداً على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي ثم فرضها عقوبات اقتصادية عليها.

‎إذ أن إيران ترى أن تلك الخطوات التصعيدية توفر لها مساحة أوسع من الحركة وهامشاً أكبر للمناورة، يمكن أن يعزز موقعها في مواجهة القوى المعنية بالاتفاق النووي، لاسيما الدول الغربية.

‎2- مواجهة الاختراقات: تشير تصريحات المسئولين الإيرانيين إلى أن الهجوم الذي تعرضت له منشأة ناتانز، ضمن الهجمات المتتالية التي وقعت في منشآت أخرى، كان نتيجة لعمل تخريبي، وهو إشارة إلى دور لأجهزة استخبارات أجنبية عملت على عرقلة جهود إيران لإعادة تنشيط برنامجها النووي من جديد. وتركز الاتهامات الإيرانية تحديداً على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية في هذا السياق.

‎ومن هنا، فإن إيران تريد أن تؤكد عبر تلك الخطوة أن أى محاولة لتعطيل نشاطها النووي لن تسفر سوى عن دفعها إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية لتطوير هذا النشاط، بما يعني أن هذه الهجمات سوف تفرض في النهاية مفاعيل عكسية، حيث أنها بدلاً من أن تقلص قدرتها على تطوير البرنامج النووي سوف تدفعها إلى توسيع نطاق عمليات تخصيب اليورانيوم وربما رفع مستوى التخصيب لدرجة سوف تثير حتماً قلق القوى المعنية باستمرار العمل بالاتفاق النووي.

‎3- ترقب الانتخابات: تتابع إيران بدقة تطورات الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية. ورغم أنها تؤكد، بين الحين والآخر، عدم اهتمامها بمن يصل إلى البيت الأبيض، في ضوء السياسة التي تتبناها - على الأقل ظاهرياً- وتقوم على أن الرئيس لا يمثل سوى قمة جبل الجليد في عملية اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة إزاء القضايا التي تحظى باهتمام خاص من جانبها أو تتحول فيها إلى طرف رئيسي، فإنها حريصة على ترقب النتائج التي سوف تسفر عنها الانتخابات ومعرفة هوية الرئيس الأمريكي القادم.

‎وهنا، فإن إيران تسعى إلى تحقيق هدفين يرتبطان بالنتائج المحتملة للانتخابات: أولهما، محاولة الوصول إلى أعلى مستوى من الإجراءات التصعيدية من أجل إضعاف موقف الرئيس دونالد ترامب وتأكيد عدم نجاح السياسة التي يتبعها تجاهها في تحقيق نتائج بارزة، خاصة فيما يتعلق بمحاولة تجميد الحظر المفروض عليها في مجال الأسلحة التقليدية أو إعادة العمل بآلية "سناب باك" الخاصة بالعقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها قبل الوصول للاتفاق النووي، وهى الخطوات التي تعارضها ليس فقط روسيا والصين وإنما الدول الأوروبية أيضاً، لاسيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

وثانيهما، تعزيز موقعها استعداداً لأى تحول محتمل قد تشهده الرئاسة الأمريكية في حالة نجاح مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن في الفوز بالانتخابات، والذي أشارت تقارير عديدة إلى أنه قد يقدم على إجراء تغيير في السياسة الأمريكية تجاهها في ضوء تحفظاته الحالية على نتائج السياسة التي تتبناها إدارة الرئيس ترامب.

‎وهنا، فإن إيران لا تستبعد التفاوض مع إدارة بايدن، في حالة فوزه، لكن من موقع قوة، على غرار ما كان قائماً خلال فترتى رئاسة باراك أوباما، حيث استغلت التطوير الكبير في برنامجها النووي، على صعيد عمليات ومستوى التخصيب (استخدام حوالي 20 ألف جهاز طرد مركزي من طرازات مختلفة ورفع مستوى التخصيب إلى 20%)، في الوصول إلى الاتفاق النووي الحالي الذي لم يحظ بقبول من جانب إدارة ترامب التي انسحبت منه في النهاية.

‎في النهاية، يمكن القول إن ما سبق في مجمله يوحي بأن التشدد سوف يبقى سمة رئيسية في السياسة الإيرانية خاصة إزاء العلاقات مع الدول الغربية، سواء بهدف التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أو من أجل ممارسة ضغوط على الدول الأوروبية من أجل دفعها إلى تقديم مزيد من الحوافز الخاصة برفع مستوى العلاقات الثنائية لإنقاذ الاتفاق النووي من خطر الانهيار.