أخبار المركز
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)

معضلة المديونية:

كيف يخرج الاقتصاد اللبناني من الأزمة؟

20 يناير، 2020


دخل الاقتصاد اللبناني خلال الفترة الأخيرة منحى غير آمن، مع تزايد المخاوف المالية والنقدية المحيطة به، وفي ظل استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي التي تشهدها البلاد. ولوقف هذا المسار أقدم المصرف المركزي على اتخاذ العديد من الإجراءات، بما يقضي بتعزيز مظاهر الاستقرار النقدي والمالي بالاقتصاد. وقد طرحت دعوة المصرف لإجراء عملية مبادلة للسندات الدولية المستحقة في مارس المقبل، دلالات عديدة، كما أنها أثارت ردود فعل عالمية سلبية، وتسببت في تحذيرات ذات مغزى عميق من قبل وكالات التصنيف الائتماني العالمية، والتي حذرت من أن تلك الدعوة قد تنطوي على "تخلف لبنان اختيارياً عن سداد الديون".

أبعاد مختلفة:

يعاني الاقتصاد اللبناني، الذي يعيش حالة من الضبابية في الوقت الراهن، أزمة مديونية معقدة، بعد أن وصلت ديونه الحكومية إلى 150% من الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة تصل إلى 90.8 مليار دولار، وهى مديونية ضخمة مقارنة بحجم الاقتصاد الذي لا يتخطى ناتجه، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، نحو 58.6 مليار دولار. 

والوجه الأخطر لأزمة المديونية هو أنها تتبنى اتجاهاً عاماً تصاعدياً، وتنمو بمعدل كبير من عام إلى آخر، حتى أنه من المرجح أن تصل نسبتها إلى نحو 185% من الناتج في عام 2024. ويكمن هذا النمو المرتفع في المديونية في عجز كبير ومتواصل في الموازنة العامة، حيث وصلت نسبة هذا العجز إلى 9.1% من الناتج كمتوسط سنوي خلال السنوات الخمس الماضية، ولا يتوقع أن ينتهي الأمر عند هذا الحد، حيث يرجح أن يرتفع العجز إلى 13.2% سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة. 

وهناك وجه آخر ملح في أزمة المديونية، يتعلق بأن البلاد مطالبة بسداد ديون تبلغ 2.5 مليار دولار في عام 2020 (تصل هذه الديون في بعض التقديرات إلى 10.9 مليار دولار). لكن وفاء لبنان بالسداد مرتبط بتوافر مصادر السيولة اللازمة من العملات الأجنبية، وهو أمر يبدو غير سهل، لاسيما في ظل العجز المستمر في الميزان الجاري للبلاد، والذي تتعدى نسبته السنوية حالياً نحو 26% من الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة تصل إلى 15.5 مليار دولار. هذا بجانب ضعف مصادر النقد الأجنبي الأخرى، وعلى رأسها السياحة, في ظل ظروف عدم الاستقرار السياسي والأمني الداخلي، وتصاعد حدة التوتر الإقليمي أيضاً، وفي وقت لا تتعدى فيه الاحتياطيات اللبنانية من العملات الأجنبية 28 مليار دولار.

مسار صعب:

وفي ظل هذا الواقع المعقد، اقترح مصرف لبنان المركزي على حَمَلة سندات أجنبية محليين بقيمة 1.2 مليار دولار، والتي يستحق أجلها في مارس المقبل، مبادلة ما بحوزتهم منها، مقابل حصولهم على سندات ذات أجل أطول. وإذا كان هذا المقترح يمنح الاقتصاد هامشاً زمنياً أطول للتحرك، وتخفيف أعباء المديونية الآنية الملحة، عبر ترحيل سداد هذه الديون، فإنه في المقابل يوجه رسالة سلبية للأوساط الدولية، توحي بأن هناك بوادر تخلف عن السداد تلوح في الأفق المالي للبنان.

 وقد انعكس ذلك على ردود فعل وكالات التصنيف الدولية، التي قالت أن هذه الخطوة "قد تنطوي على تخلف اختياري عن السداد". ومن أجل عدم ترسيخ هذا الانطباع السلبي عن الاقتصاد، فقد طلب علي حسن خليل وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية – وفق وكالة رويترز- من حاكم مصرف لبنان المركزي وقف عملية المبادلة المقترحة للسندات المستحقة في مارس.

وبرغم أن تحذيرات وكالات التصنيف لا يمكن اعتبارها ذات مغذى كبير فيما يتعلق بالتخلف عن السداد، وأن قيام حكومة لبنان بهذا الإجراء قد لا يليه بالضرورة تخلف عن السداد، لاسيما أن تجارباً سابقة حدثت وبشكل مماثل لم يتبعها تخلف عن السداد، على غرار حالة قبرص إبان أزمة ديون منطقة اليورو، التي قامت بالإجراء نفسه لكنها استمرت فيما بعد في الوفاء بديونها؛ إلا أن وضع لبنان يبدو في الحقيقة معقداً أكثر مما كان عليه الوضع في قبرص، لاسيما أن الأخيرة عضو في منطقة اليورو، كما أن الاتحاد الأوروبي لم يتركها بمفردها في مواجهة الأزمة، وقد حصلت الحكومة القبرصية بالفعل على مساعدات مالية أوروبية في خطة مساعدات وصلت قيمتها إلى 10 مليار يورو، بجانب مساعدات من صندوق النقد الدولي أيضاً، وإن كانت المساعدات التي حصلت عليها من الصندوق كانت قليلة لكنها ساعدتها على التغلب على بعض مصاعبها.

لكن في الحالة اللبنانية، فإن الحكومة الحالية أو الحكومات المقبلة، ستجد نفسها وحيدة في مواجهة مشكلتها الثقيلة والمعقدة، لاسيما وأن الأزمة وصلت إلى مستويات مقلقة للغاية، وتسببت – وفق تقارير عديدة- في اندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات خلال الأيام الأخيرة، شملت أعمال شغب تسببت في تحطم واجهات مصارف وتدمير ماكينات صرف آلي في بيروت. فبسبب أزمة نقص الدولارات قامت البنوك التجارية- بالتنسيق مع المصرف المركزي- بفرض حدود صارمة على سحب الدولار، وتقييد التحويلات إلى الخارج، وهو ما ضغط على الحياة اليومية للبنانيين الذين يتقاضى أغلبهم رواتبهم بالدولار.

وبشكل عام، فإن الأوضاع المالية اللبنانية تسير في اتجاه صعب ومعقد للغاية، وليس من السهل تصور ما يمكن أن تؤول إليه خلال العام أو العامين المقبلين، كما أن بقاء الحكومة بمفردها في مواجهة هذه الأزمة سيزيد من تعقيد المشكلة وتعمقها، فهناك حاجة ماسة لحصول لبنان على دعم خارجي، سواء من الدول الأخرى أو من المنظمات الدولية، وذلك في صورة دعم مالي، وقد يكون حصول لبنان على دعم من صندوق النقد الدولي على وجه الخصوص أمراً وشرطاً ضرورياً لحل الأزمة، وإن احتاج الأمر لوقت طويل نسبياً.