أخبار المركز
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)

أردوغان والإقامة الصعبة بين المعسكرَين

24 يوليو، 2019


كان معروفاً، أن وصول منظومة صواريخ «إس 400» الروسية إلى تركيا، لن يكون حدثاً عابراً أو مشابهاً لوجود صواريخ «إس 300» في اليونان وبلغاريا وسلوفاكيا، أولاً لأن حلف الأطلسي تجاوز هذه المنظومة الأقدم، وثانياً لأن تركيا مختلفة موقعاً وفاعلية داخل الحلف، وثالثاً لأن الظروف أكثر حساسية بين «الناتو» وروسيا، ورابعاً لأن أنقرة انطلقت من دوافع بعضها ظاهر وآخر في صدد التظهير. لذلك لا يبدو الأمر مجرّد إشكال «تقني» قابل للمعالجة، كما تقدمه أنقرة، بل أقرب إلى مأزق استراتيجي، بما ينطوي عليه من إرباكات للطرفين، «الناتو» وتركيا، ذاك أن ثمة عقيدة عسكرية - سياسية تجمع بين أعضاء التحالف الغربي، ويصعب قبول الاستثناءات والاختراقات التي يمكن أن تطرأ عليها.

دقّة المسألة وخطورتها، جعلتا دونالد ترامب يقتصد في التغريد في شأنها، وخلافاً للغة التحذير والتهديد التي اتّبعت مع أنقرة في الشهور السابقة، عندما كانت واشنطن تأمل بأن يتخلّى رجب طيب أردوغان عن صفقته مع فلاديمير بوتين، سادت حصافة تراوح بين التعبير عن «الإحباط» وبين إبراز أهمية العلاقة الأميركية - التركية وعمقها وقدمها. وكما في ملفات أخرى حمّل ترامب، سلفه باراك أوباما وإدارته مسؤولية تراجع هذه العلاقة، حين رفضت بيع صواريخ «باتريوت» إلى تركيا، على غرار ما فعل بالنسبة إلى مسؤولية أوباما عن الاتفاق النووي «الكارثي» مع إيران. لم يكن ترامب منفعلاً حين أعلن أن اقتناء تركيا صواريخ «إس 400» يعني عدم حصولها على مقاتلات «إف 35» الأميركية الأكثر تطوّراً، فرغم الحنق والغضب لا تريد واشنطن استفزاز أنقرة بتفجير أزمة كبيرة معها، فيما هي تدير أزمة أكثر تعقيداً مع إيران، ثم إن الدولتين منخرطتان في مفاوضات صعبة حول شمال شرقي سوريا.

مثلما أن هناك أعضاء في الكونجرس يضغطون على إدارة ترامب لفرض عقوبات قاسية على تركيا، كذلك هناك دول أعضاء في «الناتو» تثير تساؤلات عن استمرار تركيا في عضويتها في الحلف. وبالنسبة إلى أنقرة، أمكنها أن تسجّل حتى الآن خسارتين مؤكّدتين: شراكتها في منظومة مقاتلات «إف 35»، والعضوية المؤجّلة التي لم تعد واردة الآن في الاتحاد الأوروبي... هذه ليست سوى بداية، فهناك المزيد في الطريق، لأن إضافة التباعد العسكري إلى التشنج السياسي شبه الدائم في العلاقات مع دول الغرب ستنعكس لاحقاً على العلاقات التجارية، حتى لو لم يبدِ دول «الناتو» تعجّلاً في الردّ على تركيا، فما استغرق عقوداً لبنائه يستلزم وقتاً لإقامة بدائل له. 

لكن الأميركيين والأوروبيين باتوا متيقنين بأن أردوغان ماضٍ في تغيير مقوّمات الموقع الاستراتيجي لتركيا، متمثّلاً إلى حدّ كبير بالنموذج الإيراني الذي تقارب مع روسيا والصين من دون التحالف معهما، وحافظ على العداء مع أميركا رغم أكلافه الثقيلة، إلا أن نموذج أردوغان يطمح إلى التعامل مع الجميع، متجاهلاً أن العالم لا يزال على استقطاباته السابقة، حين انجذبت تركيا إلى الغرب، وكانت لها وظيفة صدّ «المدّ الشيوعي»، تماماً كوظيفة نظام الشاه. ما هو واضح في توجّهات النظامَين الإيراني والتركي، وهما حالياً في ذروة تقاربهما، هو هاجس الاستقلالية وبناء القدرات الذاتية. لا شك أن غموض الوظيفة الجديدة لتركيا هو ما دفع إسلاميي نظامها إلى استلهام التجربة الإيرانية، رغم ما بان من شرّها وتخريبها الإقليميين، أو لعلهم استحسنوهما كوسيلة للتمكين وبسط النفوذ.

يجمع الباحثون في الشأن التركي، على ثلاثة أسباب دفعت أردوغان إلى محاولة التموقع بين الشرق والغرب: المحاولة الانقلابية عام 2016 التي يتهم واشنطن بالضلوع فيها مباشرة وعبر جماعة فتح الله غولن، إحجام أميركا و«الناتو» عن دعم خياراته في الأزمة السورية ثم في تداعياتها الروسية، وأخيراً في تشعّباتها الكردية، وسقوط حكم جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وانعكاساته على مجمل «صعود» تيار الإسلام السياسي... ومع أنه يتعامل مع روسيا والولايات المتحدة في سوريا، مراوحاً بين نجاحات وإخفاقات، إلا أن أي أهداف يمكن أن يحققها على المدى القصير تبقى في إطار ما تتوافق عليه الدولتان الكبريان، وليس ما يمكن تركيا أن تفرضه من أمر واقع دائم. 

*نقلا عن صحيفة الاتحاد