أخبار المركز
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)

إيران.. الحرب وسيلة للتفاوض

17 يونيو، 2019


صورة عمود الدخان الأسود المنبعث من إحدى ناقلتَي النفط هي ما أرادت إيران أن يصل إلى العالم صباح الثالث عشر من يونيو، كإرهاص لما سيكون، ودليلٍ على أنها توعّدت ونفّذت، ورسالةٍ بأن الملاحة عبر مضيق هرمز لم تعد آمنة. فالهجوم على الناقلتَين في خليج عُمان، بعد مرور شهر على تفجير السفن الأربع قرابة ميناء الفجيرة، والإيعاز إلى «الحوثيين» لضرب أنابيب ضخّ النفط في السعودية وما تبعها من قصف لمطار «أبها» المدني، شكّلت نوعاً من السجال الحربي الذي يمكن أن يستمر ويطول، ما دامت المواجهة العسكرية الشاملة مستبعدة. وفيما بدأ البحث في إرسال سفن حربية لمرافقة ناقلات النفط، كتكرار لما حصل خلال الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، تبدو إيران كأنها مصممة على مواجهة العقوبات الأميركية بكل الوسائل، فلا شيء يمنعها لاحقاً من التعرّض للسفن المرافقة طالما أنها ضامنة مسبقاً دعماً روسياً وصينياً وميوعة أوروبية تترجم باستحالة حصول تضامن دولي على اتهامها وإدانتها ومحاسبتها.

تكمن خطورة هذا السجال الحربي، من دون حرب، في نواحٍ عدة، منها أولاً أنه يجري من جانب واحد لا يخشى أي ردٍّ عليه، مهما كانت الخسائر والأضرار، ما سمح أخيراً لأتباع إيران بالقول إنها لم تفقد أيّاً من خياراتها بل تستخدمها وفقاً للظروف. ومنها ثانياً أن تكرار الضربات من شأنه تمكين إيران من فرض قواعد الاشتباك التي تناسب استراتيجيتها، إذ تواصل تجنّب أي أهداف أميركية لتوسّع هامش «حرّيتها» في استهداف مواقع لم يسبق أن تعرضت سواء مباشرةً أو عبر وكلائها. ومنها ثالثاً أن السماح لإيران بالاستفادة من معادلة كهذه سيقلب الأدوار مع الوقت، إذ يعرّض الحضور العسكري الأميركي لنوع من التهميش أو يحوّله رغماً عنه إلى مجرّد شاهد سلبي على الانتهاكات الإيرانية، ما يعطّل الوظيفة الردعية للوجود الأميركي ويعرّضها للتآكل.

مع نهاية الشهر الأول من تسخين الأزمة تغيّرت التكتيكات بشكل لافت وفي وقت قياسي. كانت الولايات المتحدة أرسلت حاملة طائرات وقطعاً بحرية تدعيماً لهدفين: 1) ردع إيران وتقليص خياراتها للتصعيد ضد العقوبات، و2) دفعها إلى التفاوض مجدداً على الاتفاق النووي فضلاً عن الملفات الأخرى التي رفضت البحث فيها عام 2015 (أو «وعدت» بفتحها لاحقاً) وهي تتعلّق ببرنامجها الصاروخي وسياساتها الإقليمية. قابلت طهران التحشيد الأميركي بشعار «لا حرب ولا تفاوض» الذي أطلقه المرشد، وإذ انتهز علي خامنئي لقاءه مع رئيس الوزراء الياباني ليعلن رفضه تلقّي أي رسالة من الرئيس الأميركي أو الرد عليها فإنه كرّس مؤقّتاً الـ«لا تفاوض» على رفع العقوبات ليرجّح «الحرب» ضد الشروط الأميركية كوسيلة لدخول التفاوض. 

تعاود إيران إذاً سياسة حافة الهاوية بلعب ورقة الحرب، مستندة من جهة إلى عدم تأييد دولي لهذه الحرب بل إلى خشية من تداعياتها الاقتصادية السيئة، وجاءت دعوة وزير الدفاع الأميركي بالوكالة إلى حشد التأييد لتؤكّد ذلك. وهي تستند من جهة أخرى إلى أن دونالد ترامب لا يحبّذ الحرب ولا يستطيع الذهاب إليها في السنة الأخيرة من ولايته، طالما أنه يعمل لإعادة انتخابه لولاية ثانية. يتمثّل التغيير الآخر في النهج الإيراني في التخلّي عن الرهان على تنحية ترامب أو عدم إكماله ولايته الحالية، لكن أحداً لا يتوقّع أن يؤدي النقاش المتصاعد في الكونجرس إلى حدّ إقالة الرئيس. لذلك تعتقد طهران أن استدراج أميركا إلى لعبتها، أي إلى الحرب، سيؤدي إلى احتمالات تصبّ جميعاً في مصلحتها، إلّا أنها تُسقط من حساباتها الكلفة المضافة التي ستتكبّدها فيما هي تعاني من عقوبات ستبقى مفروضةً عليها في كل الأحوال وربما تشدّد وتُضاعف. 

هذا تخطيط شطرنجي يصلح للعب وليس للتعامل مع الواقع، ويعتمد في قراءته للمواقف الدولية على توقعات وتمنّيات سبق لطهران أن خبرت محدودية فاعليتها. فالقوى الدولية مالت إلى إبقاء الجهة الفاعلة في ضرب الناقلتين مجهولةً بغية الحدّ من التصعيد، لكنها تعرف جيداً أن الفاعل هو إيران، وأن مسؤولين إيرانيين كرروا طوال الشهور الماضية التهديدات بإغلاق مضيق هرمز، وأن فيديوهات لـ«الحرس الثوري» كشفت مراراً عن استعداداته لتنفيذ تلك التهديدات. وأي اشتباه آخر قد يوجّه إلى أميركا نفسها أو إلى جهة تحرّكت بتنسيق معها، غير أن سياق الأحداث قبل العملية وبعدها لا يؤيد فرضيةً كهذه.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد