أخبار المركز
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)

ملفات ضاغطة:

تحديات إدارة الاقتصاد السوداني في المرحلة الانتقالية

16 أبريل، 2019


تفرض المرحلة الانتقالية التي تمر بها السودان حاليًا بعد تنحية الرئيس السابق عمر البشير، جملة من التحديات الاقتصادية، يتمثل أبرزها في استمرار دوران حركة إنتاج القطاعات الرئيسية من الزراعة والتعدين للحيلولة دون حدوث انكماش اقتصادي واسع، وتوفير الاحتياجات الأساسية من الوقود والخبز والتي شهدت شحًا كبيرًا بالأسواق في الأشهر الماضية، ومنع انهيار العملة الوطنية مع ضغوط الطلب الكبيرة المتوقعة على العملات الصعبة في الفترة المقبلة. ومن دون شك، فإن ذلك يتطلب من الحكومة المقبلة الحصول على ثقة شركائها من أجل تأمين الدعم المالي الممكن لمساندتها جنبًا إلى جنب مع اتخاذ القرارات الاقتصادية الرشيدة. 

استيعاب المطالب:

يصر المحتجون، من تجمع المهنيين والأحزاب، على تشكيل حكومة مدنية سريعًا، بجانب إلغاء كافة القوانين المُقيدة للحريات فورًا، ومحاسبة المسئولين عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في الأعوام الماضية. وقد بدأ المجلس العسكري في استيعاب بعض تلك المطالب، حيث تعهد رئيس المجلس الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمحاسبة مسئولي نظام البشير وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وإطلاق سراح المحكوم عليهم بموجب قانون الطوارئ أو أى قانون آخر متعلق بالتظاهرات، قبل أن يعلن تأييده مؤخرًا لتولي شخصية مستقلة رئاسة الحكومة، بجانب إلغاء حظر التجوال. 

ولا شك أن اتجاه المجلس نحو تحقيق بعض هذه المطالب يمثل خطوة أساسية لدعم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد لحين انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة مستقرة، لكن يظل أيضًا تحسين المستوى المعيشي أحد المطالب الأساسية للسودانيين، حيث عانى المواطنون، على مدى الأعوام الماضية، من نقص كبير في الإمدادات الأساسية من الكهرباء والمياه، بجانب شح في السلع من الخبز والوقود، وضعف السيولة لدى البنوك، وبما يمكن اعتباره أحد العوامل الجوهرية التي أدت إلى تأجيج الاحتجاجات الشعبية منذ عام 2013.

وتكمن المشكلة الأساسية في أن طبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها السودان حاليًا قد تفرض الاهتمام أولاً بالملفين السياسي والأمني، على حساب القضايا الاقتصادية، على نحو ترجح اتجاهات عديدة أن يفرض حالة من عدم اليقين لدى المتعاملين في الاقتصاد لفترة قد تدوم طويلاً، الأمر الذي قد يؤدي لتفاقم المشكلات الاقتصادية. 

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن تجارب مراحل الانتقال السياسي التي شهدتها العديد من الدول أسفرت، نوعًا ما، عن ضعف في اقتصاداتها، كما واجهت اختلالات اقتصادية واسعة تمثلت في انخفاض الاستثمارات الأجنبية، وتراجع قيمة العملة الوطنية، واستنزاف الاحتياطيات الدولية، وغيرها من العوامل التي تزعزع استقرار الاقتصاد المحلي، وهو ما يفرض على الحكومة المقبلة الاستعداد بجدية للتعامل مع هذه الاختلالات والتخفيف من حدتها على أقل تقدير. 

صعوبات قائمة:

يمكن تناول أهم التحديات التي سوف تواجه الاقتصاد السوداني خلال المرحلة القادمة على النحو التالي:

1- استمرار حركة الإنتاج: عادة ما تواجه الدول، خلال فترات الانتقال السياسي، انكماشًا في اقتصاداتها وتراجعًا ملموسًا في أنشطتها الاقتصادية، وهو ما يعود إلى عدم الاستقرار السياسي والمؤسسي في البلاد، جنبًا إلى جنب مع احتمالات حدوث اضطرابات أمنية أو تصاعد الاحتجاجات العمالية، الأمر الذي قد يعرقل استمرار قيام المنشآت والشركات بأداء مهامها، وبما سيؤثر على عمليات الإنتاج، وكذلك التصدير والاستيراد.

وبالنسبة لحالة السودان، فقد أشار صندوق النقد الدولي، في تقرير صادر عنه في 9 إبريل  2019، أى قبل يومين من تنحية البشير، بعنوان "آفاق الاقتصاد العالمي"، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان انكمش بالفعل وبمعدل -2.1% عام 2018، كما أنه مرشح ليتفاقم إلى -2.3% عام 2019 في ضوء عدم الاستقرار السياسي في البلاد، قبل أن يتراجع إلى نسبة -1.3% عام 2020.

وربما تدفع التطورات السياسية الراهنة الاقتصاد للانكماش بمعدل أكبر مما يتوقعه صندوق النقد، ما لم تتخذ السلطات الإجراءات اللازمة للحيلولة دون تدهور إنتاج القطاعات الرئيسية من الزراعة والتعدين والنفط، وقد يكون من بينها حماية المنشآت الاقتصادية، وتأمين أجور العمال لتجنب حدوث إضرابات تؤثر على الطاقة الإنتاجية، بجانب توفير إمدادات الكهرباء اللازمة لتشغيل المزارع والمصانع.

2- كسب ثقة الشركاء: يترقب الشركاء الاقتصاديون للسودان تطورات الموقف السياسي، حيث من المحتمل أن تتأثر مصالحهم الاقتصادية معها إما لعوامل اقتصادية تتعلق باضطراب الإنتاج أو إجراء تغييرات تشريعية لا تصب في صالحهم، أو لأسباب سياسية وأمنية ترتبط بتصاعد حدة الاحتجاجات العمالية وحدوث اضطرابات أمنية، الأمر الذي يؤثر على علاقاتهم التجارية والاستثمارية معها.

وفي خطوة نحو طمأنة شركائها، أصدرت وزارة الخارجية السودانية، في 14 إبريل الجاري، بيانًا تؤكد فيه احترام البلاد للاتفاقات التي أبرمتها في الماضي، كما أبدت تطلعها للتعاون الاقتصادي مع المجتمع الدولي وذلك في مسعى لكسب ود شركائها على أمل الحصول على الدعم المالي الممكن لمساندتها وسط الأزمة الاقتصادية الراهنة. 

 ورغم ذلك، من المستبعد حاليًا أن تتلقى السودان مساعدات مالية سخية من الخارج، حيث سيحجم المانحون والداعمون التقليديون للسودان عن دفع أموال للخرطوم في ضوء عدم استقرار الحكم وعدم وضوح المشهد السياسي حتى الآن.

كما تبقى مطالب السودان بإعفائها من ديونها البالغة حاليًا أكثر من 51 مليار دولار، أى ما يشكل 88% من الناتج المحلي الإجمالي، رهن دعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو أمر صعب المنال في ظل عدم اندماجها بالنظام المالي العالمي بسبب استمرار وضعها على قائمة الدول الداعمة للإرهاب. 

3- توفير الاحتياجات الأساسية: عانت السودان في الأشهر الماضية شحًا واسعًا في السلع الأساسية من الخبز والوقود بجانب مشكلة انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وذلك بسبب نقص النقد الأجنبي اللازم لاستيراد هذه السلع من الأسواق الخارجية، بعد أن فقدت الدولة معظم إيراداتها من النفط منذ استقلال جنوب السودان عام 2011.

وإن كان من الصعوبة توفير السلع الأساسية محليًا بشكل كامل حاليًا، فلا مفر أمام السلطات سوى الاعتماد على شركائها لتلبية هذه الاحتياجات. وفي هذا الصدد، قال الفريق أول عمر زين العابدين رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري لعدد من الدبلوماسيين العرب والأفارقة في اجتماع متلفز في 13 إبريل الجاري: "نريد مساعدتكم في بعض الأشياء الاقتصادية. لدينا نقص في أساسيات مثل الدقيق والوقود".

4- الحيلولة دون انهيار العملة: واجه سوق الصرف في السودان ضغوطًا شديدة في الأشهر الماضية، وقد بلغ نحو 73 جنيهًا للدولار الواحد، في حين لا يتجاوز سعر الدولار الرسمي 47.5 جنيهًا، وبفجوة بين السوقين تصل إلى أكثر من 150%، الأمر الذي كان من بين عوامل أخرى رفعت معدل التضخم في السودان إلى نحو 64.3% عام 2018 وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. 

وبالتأكيد، فإن المخاوف القائمة مع عدم استقرار الأوضاع السياسية، جنبًا إلى جنب مع ضعف الأساسيات الاقتصادية، ستدفع لزيادة الطلب على العملات الصعبة من قبل المواطنين بغرض التحوط وحماية المدخرات، وربما يتجه تجار العملات الصعبة للمضاربة على الجنيه من أجل تحقيق الأرباح السريعة، وبما قد يتسبب في تدهور العملة، لا سيما أن احتياطي البلاد من النقد الأجنبي غير كافٍ لحماية الجنيه ولا يتخطى 1.4 مليار دولار.

ولحماية العملة في الأشهر المقبلة، ليس أمام الحكومة المتوقع تشكيلها في الفترة القادمة من خيارات سوى طلب الدعم الدولي للحصول على ودائع لزيادة احتياطي البنك المركزي وتوفير السيولة من النقد الأجنبي اللازم لاستيراد الاحتياجات الأساسية، إلى جانب تبني إجراءات عاجلة لتشديد الرقابة الأمنية بهدف محاصرة السوق الموازية، وتشجيع الإنتاج المحلي وإحلال الواردات في مرحلة لاحقة.

وختامًا، يمكن القول إن السودان تواجه معضلات اقتصادية متراكمة منذ أعوام عديدة، وقد تتفاقم في ضوء التطورات السياسية الراهنة، على نحو يتطلب التعامل معها عبر بناء شراكات اقتصادية وثيقة مع المجتمع الدولي، وهو أمر مرتبط بدعم الانتقال السياسي السلمي للسلطة واتخاذ القرارات الاقتصادية الرشيدة.