أخبار المركز
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)

ميركل أم شولتز:

من يحسم السباق الانتخابي في ألمانيا 2017؟

10 سبتمبر، 2017


تتجه الأنظار إلى ألمانيا التي سوف تشهد الانتخابات الفيدرالية التالية في الرابع والعشرين من سبتمبر الجاري، ليتم الإعلان عن التشكيل الجديد للمجلس التشريعي "البوندستاج"، ومعه بالطبع المستشار الألماني التالي. 

وتُعد هذه الانتخابات اختبارًا حقيقيًّا لثقة الشعب الألماني في التحالف الذي تقوده "أنجيلا ميركل" التي قضت ثلاث فترات كمستشار لألمانيا منذ عام 2005 بعد فترة ثالثة عاصفة في ظل أزمة اليورو التي ضربت أوروبا عام 2013، وأزمات اللاجئين، والتهديدات الإرهابية، وانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.

طبيعة النظام الانتخابي:

تتبع ألمانيا نظامًا سياسيًّا برلمانيًّا، وهي دولة اتحادية تتألف من ست عشرة ولاية، لكل منها سلطاتها المستقلة وحكومتها الخاصة. وتُجرى الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا كل أربع سنوات؛ حيث يقوم الحزب أو التحالف الفائز بأغلبية الأصوات (50%+1) بتشكيل الحكومة، وتسمية قائده كمستشار للحكومة الألمانية.

وقد نجحت "أنجيلا ميركل" التي تقود الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) في تشكيل الحكومة ثلاث مرات متتالية منذ الانتخابات الفيدرالية لعام 2005 وحتى الآن، وذلك من خلال التحالف مع الحزب المسيحي الاجتماعي (CSU) في فترتها الأولى والثالثة، والحزب الديمقراطي الحر FDP)) خلال فترتها الثانية. ومن المتوقع أن يستمر التحالف الحاكم بين حزب "ميركل" والحزب المسيحي الاجتماعي خلال الانتخابات التي سوف تُجرى نهاية هذا الشهر.

ويتميز النظام الانتخابي الألماني بأنّه يجمع مميزات النظم الانتخابية الفردية التي تعتمد على الأغلبية المطلقة (First-past-the-post) على غرار بريطانيا والولايات المتحدة، وكذلك نظم التمثيل النسبي(Proportional Representation) . فكل ناخب له الحق في الإدلاء بصوتين، الأول يختار من خلاله مرشحًا فرديًّا عن دائرته، ويحصل المرشح الفائز على المقعد في حالة فوزه بأكثرية الأصوات، ويقوم من خلال الصوت الثاني بالتصويت لصالح حزب معين، والذي يكون له الحق في تحديد قائمته.

وهو ما يسمح نظريًّا للناخب بتقسيم صوته بين الأحزاب المختلفة. ويُمكن لأي حزب أن يُمثل في "البوندستاج" بشرط أن يحصل -على الأقل- على 5% من أصوات الناخبين، وهي القاعدة التي تم تصميمها لتقييد وصول الأحزاب المتطرفة إلى المجلس التشريعي الأدنى.

المنافسون الحزبيون:

مع اقتراب توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، يدخل أكثر من حزب المنافسة على الانتخابات الفيدرالية، ويمكن توضيح الأحزاب الخمسة الرئيسية الممثلة حاليًّا في "البوندستاج" والتي سوف تدخل غمار المنافسة في الانتخابات القادمة فيما يلي:

1- الحزب المسيحي الديمقراطي CDU، والحزب المسيحي الاجتماعي CSU: يمثل الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) التيار المحافظ في ألمانيا، وتقوده المستشارة الألمانية الحالية "أنجيلا ميركل".

ويعتبر الحزب الذي حكم ألمانيا أطول فترة بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث حكم 48 سنة من أصل 68 عامًا هي عمر الجمهورية الفيدرالية في ألمانيا . 

ويَتخذ هذا الحزب مواقف محافظة كثيرة، مثل: تشجيع اقتصاد السوق، وعدم تدخل الدولة، وكذلك معارضة الزواج من نفس النوع، وهو الأمر الذي تعارضه "ميركل" نفسها ومعظم أعضاء الحزب بالرغم من سماحها بالتصويت على قانون بهذا الشأن في نهاية فترتها الحالية.


وبرغم اعتباره حزباً محافظًا، إلّا أنّ العديد من المحللين يعتبرون أنّه قد قطع شوطًا كبيرًا تجاه الوسط؛ حيث سمح باستقبال اللاجئين، ولا يُعارض تدخل الدولة بشكل مطلق. وعلى الرغم من كونه مسيحيًّا، إلّا أنّه في الواقع يُعتبر حزبًا علمانيًّا بدرجة كبيرة. وقد تعاون الحزب المسيحي الديمقراطي بشكل كبير مع الحزب المسيحي الاجتماعي CSU المتمركز في إقليم بافاريا في جنوب ألمانيا، وهو ما يُعتبر كحزب "شقيق" أصغر للحزب المسيحي الديمقراطي.

ويُعتبر هذا التحالف مؤيَّدًا بشكل كبير من قبل الكنائس، وصغار رجال الأعمال، بالإضافة إلى قاطني المناطق الريفية، والأشخاص ذوي المستوى التعليمي المنخفض والمتوسط، وتتمركز قوته التصويتية الكبرى في الجنوب.

2- الحزب الديمقراطي الاجتماعي SPD: ويمثل تيار يسار الوسط، ويتزعمه "مارتن شولتز" (الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي). ويُعتبر "الحزبُ الديمقراطي الاجتماعي" الحزبَ السياسي الأقدم في ألمانيا؛ حيث تم تأسيسه عام 1875 ليكون معبرًا عن العمال . ويعتنق أجندة سياسات تعتمد على زيادة برامج الرفاهة الاجتماعية، وإعادة توزيع الضرائب، وزيادة الدخول، وقد ساهم في رفع الحد الأدنى للأجور في ألمانيا.

ويَلقى هذا الحزب تأييدًا تقليديًّا من الطبقة العاملة، واتحادات العمال، وأصحاب الأعمال الصغيرة، والمستويات الاقتصادية المتدنية، وتتمركز الطبقة المؤيدة بشكل خاص في غرب ألمانيا.

3- الحزب اليساري الألماني  Die Linke: بالرغم من حداثة هذا الحزب الذي تأسس عام 2007، إلّا أنّه يُعد وريث الحزب الشيوعي الذي حكم ألمانيا الشرقية حتى عام 1990، ويتخذ مواقف أكثر تشددًا؛ حيث يطالب بإجراءات أكبر لضبط الأسواق من قبل الدولة، ورفع الحد الأدنى للأجور، كما يعارض المهام العسكرية خارج حدود الدولة، ويطالب بحل حلف الناتو.

ويلقى تأييدًا من كبار السن ممن يقطنون ولايات ألمانيا الشرقية، وكذلك من بعض الفئات العمرية الأصغر كتعبير عن استيائهم من الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة.

4- حزب الخضر: يهتم بالمدافعة عن البيئة، ويهاجم الصناعات المُلوِّثة لها، ويسعى للحد من مواقع توليد الطاقة النووية لما تشكله من مخاطر بيئية كبيرة، لكنّه لا يتوقف عند هذا، بل يعتنق أفكارًا أخرى تتعلق بسياسات اقتصادية واجتماعية عامة مثل تأييده الزواج من نفس النوع.

ويتمثل مؤيدو هذا الحزب في الفئات الأكثر تعليمًا، لا سيما طلاب الجامعات والشباب.

5- الحزب الديمقراطي الحر FDP: بالإضافة إلى ذلك، هناك حزبان آخران سوف يُنافسان في هذه الانتخابات؛ أولهما الحزب الديمقراطي الحر FDP الذي فشل في دخول "البوندستاج" في الانتخابات الأخيرة التي أُجريت عام 2013 بسبب عدم حصوله على نسبة 5% من الأصوات.

6- حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD): وهو الممثل لاتجاه اليمين، وقد ظهر في عام 2013 كحزب مناوئ للاتحاد الأوروبي، ويعتبره الكثيرون أنه قد وُلد من رحم أزمة اليورو التي كادت تعصف باليونان والبرتغال وإسبانيا.

 ورفض أن يتحمل الشعب الألماني فاتورة خطط الإنقاذ التي تم الاتفاق عليها بداخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة أزمة اليونان.

وقد تحوّل هذا الحزب فيما بعد لمواجهة قضايا اللاجئين، واتخاذ مواقف متشددة تجاه الإسلام والمسلمين، وتبنى سياسات صريحة تعلن أنّ ألمانيا ليست موطنًا للإسلام، كما ينادي بسياسات متشددة تُضيّق على المسلمين، وذلك مواجهة المهاجرين غير الشرعيين بالعنف إذا لزم الأمر.

ورغم حداثة هذا الحزب، إلا أنه فاز بمقاعد تشريعية في مجالس ثلاث عشرة ولاية من أصل الولايات الألمانية الست عشرة، ونجح في أن يُمثل في البرلمان الأوروبي، ويسعى حاليًّا لحصد أول مقعد له على المستوى الفيدرالي في البوندستاج في الانتخابات القادمة.

المستشار القادم؟

تدور المنافسة على مقعد المستشار الألماني القادم بين "أنجيلا ميركل" و"مارتن شولتز" (زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي)، وقد واجهت "ميركل" انتقادات واسعة خلال فترتها الثالثة بسبب السياسات التي انتهجتها إزاء العديد من القضايا التي سعت إلى إصلاحها. فعلى سبيل المثال، انتقد "شولتز" "ميركل" بسبب سياساتها التي أدت إلى الفقر والبطالة، وذلك خلال المناظرة التي دارت بينهما في 3 سبتمبر 2017؛ إلا أن "ميركل" أكدت أنها اتخذت إصلاحات اقتصادية أدت إلى تخفيض عدد العاطلين إلى 2,5 مليون شخص بعدما كانوا يقدرون بحوالي 5 ملايين شخص في بداية فترتها الأولى .

كذلك فإنّ الحزب الديمقراطي الاجتماعي يَعِدُ الناخبين بتخفيض بعض الضرائب، وإعادة توزيع الجزء الآخر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يحاول التحالف الحاكم أن يتجه إليه مؤخرًا. من ناحية أخرى، فإنّ اليمين انتقد "ميركل" لسماحها باستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين، وهو ما حاولت إصلاحه من خلال عقد اتفاقات سياسية مع دول أخرى مثل تركيا من أجل إيقاف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وكذلك توجهت لزيادة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتشديد الإجراءات على الحدود.

كما واجه المحافظون بقيادة "ميركل" العديد من الانتقادات على خلفية معارضتهم الزواج من نفس النوع، ومنع حق المرأة في الإجهاض، وبرغم ذلك فإنّ "ميركل" قد سمحت بالتصويت في "البوندستاج" على قانون يسمح بالزواج من نفس النوع برغم أنّها نفسها قامت بالتصويت ضده. ومن ثمّ، فإنّ الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تقوده "ميركل" قد قام بدمج أهم النقاط التي قد تجذب الناخبين للأحزاب الأخرى -سواء اليمينية أو اليسارية- بداخل أجندة سياساتها، وقام باتخاذ خطوات حقيقية نحو المركز لجذب عدد ناخبين أكبر، إضافة إلى اعتبار الألمان لميركل أنّها الشخصية السياسية الأكفأ والأجدر بالقيادة، وهو ما يرجِّح كفتها بشدة في الفترة القادمة.

تقدم تحالف "ميركل":

تُشير استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها في الفترة الأخيرة في ألمانيا تقدم تحالف ميركل على منافسه الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة "مارتن شولتز". حيث حصل حزب ميركل في الاستطلاع الأخير الذي أجراه معهد (Infratest diamp) المتخصص في دراسات استطلاع الرأي في المانيا إلى تقدم تحالف ميركل عن حزب شولتز بحوالي 16%، حيث أجاب 37% ممن شملهم الاستطلاع أنهم ينوون اعطاء صوتهم لتحالف أنجيلا ميركل،  في حين أشار 21% من العينة إلى أنهم سيصوتون للحزب الديمقراطي الاجتماعي .

وقد تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا بشكل كبير، حيث أشارت الاستطلاعات إلى تقدمه إلى المركز الثالث من حيث أكبر الأحزاب الألمانية تأييدًا بعد تحالف "ميركل" وحزب "مارتن شولتز"، وهو ما قد يُنبئ بدخول الحزب اليميني المتشدد إلى "البوندستاج" لأول مرة منذ تأسيسه عام 2013.


وقد أجاب 54% من عينة شملها استطلاع آخر أجراه نفس المعهد أنّهم إذا ما كان يمكنهم انتخاب المستشار مباشرة فإنهم سوف ينتخبون "أنجيلا ميركل"، وذلك في مقابل 26% فقط لمارتن شولتز . 

ويتضح من هذا الاستطلاع أنّ أعضاء تحالف "ميركل"، بالإضافة للحزب الليبرالي FDP والخضر، قد قرروا في غالبيتهم التصويت لميركل، في مقابل تصويت أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي SPD واليسار وحزب البديل من أجل ألمانيا AfD في غالبيتهم لـ"مارتن شولتز". 

ختامًا.. إن كافة استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها في الفترة الأخيرة توضح أنّ "أنجيلا ميركل" هي المرشح المفضل لغالبية الشعب الألماني، وهو ما سوف يتم اختباره في الانتخابات المقبلة التي سوف تُجرى في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.