أخبار المركز
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)

مأزق إسرائيل وصعوبة الحل السياسي

07 سبتمبر، 2017


تأتي الحوادث وتذهب في الشرق الأوسط ومع كل رئيس أميركي جديد محاولات لحل النزاع العربي الإسرائيلي بخاصة ببعده الفلسطيني. لكن تناقضات النزاع ومصاعبه تجعله عصياً على الحل. فهناك من جهة مـؤيدو إسرائيل والمشروع الصهيوني في الولايات المتحدة الهادف للنيل من كل الأرض وكل الشعب الفلسطيني، وهو المشروع ذاته الذي يقتات بطبيعته على نقاط ضعف الإقليم العربي ويسعى إلى تأمين مزيد من التفتت في أرجائه. وفي الجهة الأخرى تستمر مقاومة الفلسطينيين والشعوب العربية من خلال التمسك بالأرض ومواجهة الاستيطان والحصار. النزاع العربي الإسرائيلي بكل أبعاده لا حل مباشراً له، وذلك بفضل مسارات الواقع ومنطق التاريخ. ان أقصى ما يمكن التوصل إليه لا يخرج عن الهدن والتفاهمات التي لا تلبث أن تتغير عند أول منعطف.

والملاحظ أنه في أوج قوة إسرائيل العسكرية تعاني من مأزق سياسي عميق جوهره ديموغرافي. فبفضل الاستيطان والتهويد استوعبت إسرائيل ملايين الفلسطينيين من أهالي الضفة الغربية والقدس. هذا الاستيعاب دمر فرص الدولة الفلسطينية لكنه في الوقت نفسه رفع آفاق التوازن السكاني بين اليهود والفلسطينيين في كل الأراضي التي تسيطر عليها وتحتلها إسرائيل. وعلى رغم ضعف العالم العربي وتفككه تعاني الصهيونية من مأزق الكثافة السكانية الفلسطينية التي يرافقها تمسك الفلسطينيين بالأرض والمكان في ظل العزل والاحتلال.

من جهة أخرى يصعب حل هذا النزاع لأن الولايات المتحدة التي تتبنى مبدأ الحل ليست طرفاً حيادياً في الصراع العربي الإسرائيلي. إن السياسات الأميركية تتقاطع بالكامل مع المواقف الإسرائيلية. فالانحياز الأميركي ينطلق من أن العالم العربي مكون من شعوب وأمم لا تتشارك مع إسرائيل في الأصل الأوروبي وشراكات الحرب العالمية الثانية والنظرة إلى العالم في مجال السيطرة والاقتصاد. كما ينطلق الدور الأميركي من مكانة نفوذ مويدي إسرائيل في الساحة الأميركية. إسرائيل الصهيونية نتاج استعمار الغرب للشعوب الضعيفة بينما الشعوب العربية التي تقاوم الصهيونية تتصادم مع الاستعمار ومع القيم التي تبرر لإسرائيل احتلالها. لهذا بالتحديد يبدو المفاوض الأميركي كأنه إسرائيلي.

ليس هذا كل الموضوع، فهناك صراع آخر يساهم في تعقيدات المشهد. فالولايات المتحدة اليوم منقسمة كل الانقسام على شخصية الرئيس ترامب، والكثير من اليهود الأميركيين يجدون أنفسهم في وضع شائك. فهم من جهة ضد ترامب وعنصريته ويمينية قاعدته وانحيازه إلى منطق التفرقة ضد الطبقات الشعبية، لكن في المقابل هم مع إسرائيل ومع قوتها وسيطرتها. في هذه المرحلة يعيش الكثير من اليهود الأميركيين صدمة تجاه موقف إسرائيل واللوبي المؤيد لترامب. هذه المواقف تؤثر في النظرة الرومانسية المنتشرة بين الكثير من اليهود الأميركيين عن إسرائيل ومكانتها. ففي الولايات المتحدة يتساوى عدد اليهود مع عددهم في إسرائيل (حوالى ستة ملايين). المقصود هنا أن يهود العالم البالغ عددهم ١٥مليوناً يعيش ستة ملايين منهم في إسرائيل وستة ملايين في الولايات المتحدة. في الموقف من ترامب وسياساته تتواجه إسرائيل مع نقد يهودي يزداد حضوراً في أوساط الرأي العام اليهودي الأميركي.

لكن تناقضات إسرائيل والصهيونية مع يهود الولايات المتحدة والشتات لا تنتهي عند ترامب وسياساته المدمرة للديموقراطية الأميركية. فالأمر أكثر تشابكاً وبدأ يصل إلى البعد الديني والعقائدي. فعلى سبيل المثال هاجر مئات الآلاف من اليهود الروس في تسعينات القرن العشرين، ثم تبيّن أن قطاعاً كبيراً منهم ليس يهودياً ولا علاقة له بالدين اليهودي، فمعظم هؤلاء المهاجرين استغل تعطش إسرائيل للمهاجرين اليهود للمجيء إلى إسرائيل والهرب من روسيا والاتحاد السوفياتي السابق. هذه حقائق صادمة للكثير من يهود إسرائيل. لقد بنت إسرائيل وجودها على مبدأ الهجرة لكنها تعيش اليوم أزمة شك مع من يقولون إنهم يهود ويسعون إلى الهجرة إلى لدولة. لم تعد تعرف إسرائيل من هو اليهودي ومن هو غير اليهودي. إن التناقض بين يهود الشتات ودولة إسرائيل حول هذه التعريفات والقضايا في حالة ارتفاع.

فعلى سبيل المثال، نجد أن غالبية يهود العالم خارج إسرائيل ينتمون إلى نمط من اليهودية يطلق عليه «اليهودية الإصلاحية» بالإضافة إلى «اليهودية المحافظة»، وهذه النسب تصل إلى سبعين في المئة بين يهود الولايات المتحدة بينما نسبتهم في داخل إسرائيل محدودة. لقد نشأت اليهودية الإصلاحية في بدايات القرن التاسع عشر كنتاج لتفسيرات دينية تميّزت بمرونة الشعائر. في المقابل شكّلت اليهودية المحافظة تيارًا وسطيًا يتقاطع مع اليهودية الإصلاحية. والمدرستان تختلفان بشدة ووضوح مع «اليهودية الأرثوذكسية» و «اليهودية الفائقة Ultra» التي تزداد نفوذاً ونمواً وتأثيراً في دولة إسرائيل. ففي إسرائيل أنجزت حكومة اليمين صفقات سياسية برلمانية وحكومية مع التيارات الدينية الأرثوذكسية والفائقة الأرثوذكسية التي لا تمثل أكثر من ٢٠ في المئة من يهود إسرائيل. هذه الصفقات تعطي اليهود الأرثوذكس الحق في السيطرة على عمليات تعريف من هو اليهودي عبر التحكم بعمليات التحوّل إلى الديانة اليهودية. وهذا بطبيعة الحال يخلق مشكلة في الداخل اليهودي بين الدين والدولة، لكنه يؤدي إلى إشكال أعمق مع الخارج اليهودي الأكثر مرونة وانفتاحاً كما هو حال اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة. وهذا يعني أن حكومة اليمين تأخذ قرارات بعيدة الأمد تتعلق بعلاقتها بما تسميه «الشتات اليهودي» بما يساهم بعدم الاعتراف بمكانة اليهود الإصلاحيين والمحافظين خارج إسرائيل.

إن الكثير من اليهود ممن يعيشون هذا التناقض، يكتشفون في الوقت نفسه أن إسرائيل بفضل اليمين تنحو نحو مزيد من الاعتماد على الأحزاب الدينية اليهودية، وأنه بفضل اليهود الأورثوذكس ودورهم في السياسة الإسرائيلية سيزداد يهود الولايات المتحدة ابتعاداً عن إسرائيل. وهذا الأمر يتّضح بصورة جلية مع وجود أجيال جديدة من اليهود في العالم لا تريد أن تبقى أسيرة الحرب العالمية الثانية والنازية والرواية الإسرائيلية الرسمية حول قيام الدولة ونكبة عام ١٩٤٨.

لقد بدأت إسرائيل تفشل في عملية إخفاء حقيقة سياساتها بسبب تبنّيها سياسات ترامب العنصرية في الولايات المتحدة، وبسبب توجّهها إلى اليمين السياسي وبسبب تحالفها مع عتاة التيارات الدينية الإسرائيلية على حساب التيارات المعتدلة. إسرائيل تسير في طريق سيعرّضها في المستقبل لنزاع مع يهود العالم بينما يستمر نزاعها مع الشعب الفلسطيني على الأرض والمكان. الصهيونية في أوج قوّتها تقع في مأزق يكشف هشاشتها.

*نقلا عن صحيفة الحياة