أخبار المركز
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)

انخراط عسكري:

دلالات التصعيد الأمريكي ضد "داعش" في أفغانستان

24 أبريل، 2017


في خطوة مفاجئة، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية قرارًا باستخدام إحدى أهم الأسلحة التقليدية ذات القدرات العالية في حربها ضد الإرهاب، حيث ألقى الجيش الأمريكي قنبلة "GBU 43" المعروفة بـ"أم القنابل" في 13 إبريل الجاري، على كهوف لعناصر تنظيم "داعش" في مقاطعة نانجارهار على الحدود بين أفغانستان وباكستان، وهو ما أسفر، حسب التقديرات الأمريكية، عن مقتل نحو 36 من العناصر المشتبه في انتماءها للتنظيم. وتعد هذه هى المرة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة الأمريكية هذه النوعية من القنابل، التي تزن 9797 كيلو جرام، في عمليات قتالية.

ويبدو أن هذه الخطوة تشير إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتجه إلى صياغة استراتيجية جديدة للمرحلة القادمة، وهو ما يتزامن مع التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، خلال قيامه بزيارة قاعدة عسكرية أمريكية في كوريا الجنوبية بالقرب من المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، والتي أكد فيها على أن "عصر الصبر الاستراتيجي مع بيونج يانج انتهى" وعلى أن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة".

ومن دون شك، فإنه لا يمكن فصل تلك الاستراتيجية الجديدة عن الضربة الصاروخية التي وجهتها واشنطن لمطار "الشعيرات" في سوريا، في 7 إبريل 2017 بعد اتهام النظام السوري باستخدام الغازات السامة في الهجوم على منطقة خان شيخون، حيث أن القواسم المشتركة بين العمليتين تتمثل في أنهما لم تكونا متوقعتين، وأن الإدارة الأمريكية بدأت بهما قبل أن تنخرط في المسار السياسي للأزمتين السورية والأفغانية.

رسائل مختلفة:

يعيد إلقاء الجيش الأمريكي قنبلة متطورة على تنظيم "داعش" في أفغانستان تسليط الضوء مجددًا على الحرب الأمريكية في أفغانستان التي بدأت قبل 16 عامًا في أعقاب وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001، حيث تسعى واشنطن من خلال ذلك إلى تقليص وجود "داعش" في أفغانستان، فوفقًا لتقديرات أمريكية، فإن التنظيم الذي يقدر عدد عناصره بنحو 700 عنصر على أقصى تقدير قد يشكل بيئة حاضنة لموجات من "المتنقلين" من مدينتي الرقة والموصل في سوريا والعراق، حيث تتصاعد حدة العمليات العسكرية ضد التنظيم، إلى أفغانستان.

وربما يفسر ذلك ما كشفت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال" من أن الإدارة الأمريكية بصدد إرسال نحو 300 جندي مرة أخرى إلى إقليم هلمند جنوب أفغانستان، وهو إن كان عددًا رمزيًا، حيث سحبت واشنطن أكثر من 90 ألف جندي بحلول عام 2014 لتبقى فقط على نحو 9 آلاف في مهام استشارية وتدريبية، إلا أنه قد يؤشر إلى اتجاه الإدارة الأمريكية نحو تصعيد عملياتها العسكرية داخل أفغانستان من جديد. 

 فطبقًا لإحصاءات صادرة عن سلاح الجو الأمريكي، فإنه في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017، أسقطت الطائرات الأمريكية أكثر من 450 قنبلة على أهداف في أفغانستان، مقارنة مع حوالي 1300 قنبلة في عام 2016. وفي هذا السياق يقول الجنرال جون نيكلسون قائد القوات الأمريكية في أفغانستان: "لقد أنشأ العدو مخابئ وأنفاق وحقول واسعة من الألغام، وقد استخدم هذا السلاح لتخفيض تلك العقبات حتى نتمكن من مواصلة هجومنا في جنوب نانجارهار". وتركز تقارير أمريكية عديدة على مخاوف واشنطن من أن تلك التجهيزات هى مجرد تهيئة لاستقبال مزيد من العناصر التي تنتمي لـ"داعش" في أفغانستان.

فضلا عن ذلك، فإن الإدارة الأمريكية تسعى أيضًا إلى توجيه رسائل داخلية، مفادها أنها، على عكس إدارة أوباما، سوف تبدأ في شن ضربات عسكرية في بعض دول الأزمات قبل أن تنخرط سياسيًا للتعامل مع تطوراتها، بشكل يوحي بأنها تسعى إلى تأكيد نهاية "سياسة الصبر الاستراتيجي" التي مثلت عنوانًا رئيسيًا لتعامل الإدارة السابقة مع تلك الأزمات. 

 وعلي جانب آخر، فإن ثمة رسائل غير مباشرة لبعض الأطراف الدولية والإقليمية، خاصة روسيا وإيران وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى بعض الفاعلين من غير الدول على غرار "حزب الله"، ومفادها أن الإدارة الأمريكية لديها القدرة على تنفيذ تهديداتها.

تباينات عديدة:

 وقد بدأت بعض الاتجاهات في ترجيح اتجاه واشنطن نحو تكرار استخدام هذه النوعية من القنابل في مناطق أخرى، على غرار الحدود بين العراق وسوريا، إلا أن ذلك يواجه، على ما يبدو، عقبات عديدة، إذ أن الحدود العراقية- السورية تبدو أقل وعورة مقارنة بالحدود الأفغانية- الباكستانية. كما أن ارتدادات استخدام هذه القنابل من الممكن- وفقًا لتقارير عديدة- أن تؤثر على جسم سد "الطبقة" الذي تمت السيطرة عليه مؤخرًا بعمليات إنزال أمريكية بريطانية لإسناد "قوات سوريا الديمقراطية". بالإضافة إلى صعوبة الاقتراب من مركز الرقة بالنظر لخطورة سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. إلا أن ذلك في مجمله لا ينفي أن الإدارة الأمريكية ربما تسعى إلى إجراء تغيير جذري في الرقة أو استهداف مراكز قيادة وعمليات التنظيم تحت الأرض خلال الفترة القادمة. 

 لكن ثمة سيناريو آخر لا يمكن استبعاده، فوفقًا لتحليل مجموعة "تيل" الأمريكية يقول ستيفن زالوجا أن "إحدى مزايا استخدام القنبلة، وليس الأسلحة الأخرى الموجهة بدقة مثل "توماهوك" أو "جي دي أم دي"، تتمثل في المحتوى شديد الانفجار، الذي يقوم بتكوين منطقة انفجار كبيرة فوق سطح ساحة المعركة، ومن المحتمل أن يؤدي إلى تدمير المتفجرات وأجهزة التفجير التي يحملها أو يخزنها التنظيم". 

 وفي النهاية، ربما يمكن القول إن الهجوم على مواقع تنظيم "داعش" في أفغانستان، بعد الضربة الصاروخية لمطار "الشعيرات" في سوريا، ربما يؤشر إلى أن واشنطن تبدو مقبلة على إجراء تغييرات بارزة في سياستها إزاء الأزمات والملفات الإقليمية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الصراع في سوريا والحرب ضد "داعش".