أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

"رئة" اقتصادية:

أبعاد فتح المعابر المغلقة بين دول الإقليم بعد "كوفيد-19"

03 ديسمبر، 2020


اتخذت جهات رسمية في الشرق الأوسط إجراءات من شأنها فتح المنافذ أو المعابر المغلقة منذ أسابيع أو شهور أو سنوات، على نحو ما جرى بين السودان ومصر، وليبيا وتونس، والمغرب وموريتانيا، وسوريا والأردن، والأردن والسعودية، والسعودية والعراق، والعراق وإيران. ويمكن تفسير ذلك التوجه انطلاقاً من عدة عوامل تتمثل في تحول العلاقات الثنائية بين بعض الدول من العداء إلى التعاون، وتنمية الأقاليم الطرفية البعيدة نسبياً عن الخطط الحكومية، وتخفيف الضغوط على قاطني المناطق الحدودية المهمشة، والتعايش مع مضاعفات "كوفيد-19" لاسيما أن تلك المنافذ تمثل "رئة" لإنعاش اقتصاديات الدول وأحوال المجتمعات.

ويتمثل أحد الملامح الرئيسية التي ميزت تفاعلات الشرق الأوسط – مثل غيره من بقية الأقاليم الجغرافية في العالم- في إغلاق المعابر والمنافذ الحدودية البرية بين دول الجوار، نتيجة الإجراءات الاحترازية المتعلقة بمواجهة "كوفيد-19"، وهو ما أثر على المصالح الاقتصادية بدرجة رئيسية.

شواهد عديدة:

تعددت الشواهد الدالة على افتتاح المنافذ أو المعابر المغلقة بين عدد من دول الإقليم، خلال الفترة القليلة الماضية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- إعادة فتح منفذ عرعر بين السعودية والعراق: والذي تشير إليه التحليلات بأنه سيسهم بشكل كبير في إنعاش وتنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية، وتوفير السيولة النقدية، وزيادة التعاون الاستثماري، بشكل يُعوِّل عليه أبناء محافظة الأنبار (تمثل ثُلث مساحة العراق) التي ترتبط بحدود مشتركة مع السعودية، نظراً لفرص العمل التي من المحتمل أن يوفرها هذا المنفذ، علاوة على الموارد المالية التي ستعود إلى المحافظة لاستكمال عملية إعمارها بعد الحرب في مواجهة تنظيم "داعش".

2- فتح المعابر الأردنية مع السعودية وإسرائيل: أعلن رئيس خلية الأزمة المتعلقة بوباء "كورونا" في الأردن العميد مازن الفرايا في 25 أكتوبر الماضي إعادة فتح أربعة معابر حدودية مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل والضفة الغربية، حيث اتخذت الأردن قراراً في منتصف مارس الماضي بإغلاق الحدود البرية تجنباً لمخاطر الإصابة بـ"كوفيد-19". ويأتي ذلك بهدف إعادة تنظيم حركة المسافرين والشاحنات عبر بعض المنافذ البرية. والمعابر الحدودية المعنية هى المركزان الحدوديان العمري والمدورة (مع السعودية) ومعبرا جسر الشيخ حسين وجسر الملك حسين (مع الأراضي الفلسطينية وإسرائيل).

3- عودة حركة النقل في معبر الكركرات بين المغرب وموريتانيا: وجاء ذلك بعد تدخل القوات المسلحة المغربية في معبر الكركرات، في منتصف نوفمبر الفائت، بعد عرقلة جبهة البوليساريو للحركة التجارية فيها منذ 21 أكتوبر الماضي. وعبّر عن ذلك جلياً سعدالدين العثماني رئيس الحكومة المغربية، في مداخلة في 30 نوفمبر الفائت، خلال جلسة أسئلة لرئيس الحكومة في مجلس النواب قائلاً: "إن تأمين معبر الكركرات، الواقع على الحدود بين المغرب وموريتانيا، يعد تصحيحاً لوضع غير قانوني على الأرض"، بعدما التزم المغرب بأكبر قدر من ضبط النفس، واستنزف كل الطرق الممكنة لانسحاب الميلشيات الانفصالية.

وأضاف العثماني أن "العملية مرت في انسجام تام مع الشرعية الدولية، واحترام التزامات بلادنا الدولية، بما فيها اتفاق وقف إطلاق النار الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي لاتزال بلادنا متشبثة به"، مشيداً بالدعم الذي لقيه المغرب من عدد من الدول الصديقة، وبفتح قنصليات بالأقاليم الصحراوية، واعتبره "ترجمة عملية لقناعة هذه الدول بأن المغرب جدي في مبادرته للحل السياسي للنزاع المفتعل حول صحرائه، بتكريس حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية، وفي إطار الوحدة الترابية للمملكة المغربية".  

4- افتتاح منفذ رأس جدير بين ليبيا وتونس: افتتح في 14 نوفمبر الماضي معبر رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس لعبور المسافرين، بعد مرور أكثر من سبعة أشهر من الإغلاق بسبب انتشار فيروس "كوفيد-19". وقد جاء ذلك بعد التوصل إلى بروتوكول صحي مشترك وضعته الجهات الرسمية التونسية والليبية للوقاية من الفيروس. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ثمة خلافاً بين الجانبين بسبب رفض الليبيين الخضوع للحجر الصحي الإجباري عند سفرهم إلى تونس، في حين تقر الأخيرة هذا الإجراء على كل الوافدين إليها.

5-إعادة تشغيل المعابر الحدودية بين السودان ومصر: قررت وزارة النقل والتنمية العمرانية في السودان في 5 أغسطس الماضي إعادة تشغيل المعابر الحدودية مع مصر، ووجهت بتشغيل معبرى أرقين وأشكيت. وتتمثل أهم الواردات المصرية من السودان عبر معبر أشكيت في الحيوانات الحية، واللحوم، والحبوب، والقطن. وتعتزم الدولتان العمل على تشييد الطرق، وإقامة السكك الحديدية، لتسهيل حركة التجارة والنقل عبر المعابر الحدودية، في إطار سعيهما لزيادة معدلات التبادل التجاري.

تفسيرات مختلفة:

إن هناك مجموعة من العوامل التي تفسر عودة فتح المعابر أو المنافذ بين دول الشرق الأوسط، يتمثل أبرزها في:

1- تحول العلاقات الثنائية: وهو ما ينطبق على عودة فتح معبر عرعر بين السعودية والعراق، الذي يعبر عن تدشين حقبة جديدة بين الرياض وبغداد منذ الغزو العراقي للكويت، تشمل فتح آفاق متعددة للعلاقات بأبعادها السياسية والاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية. وبرز هذا التوجه جلياً منذ زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي للمملكة في عام 2019 حيث تم تشكيل المجلس التنسيقي السعودي- العراقي، الذي كانت أولى ثماره العملية فتح منفذ عرعر الحدودي، والذي سيكون من أهم المنافذ التجارية بحيث تدخل عبره كميات كبيرة من المواد والبضائع التي تحتاج إليها العراق. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى المعدات الطبية التي أرسلها مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية إلى الحكومة العراقية لمواجهة فيروس "كوفيد-19"، فضلاً عن تسهيل حركة نقل الحجاج والمعتمرين من العراق إلى الأماكن المقدسة.

2- تنمية الأقاليم الطرفية: إن أحد التفسيرات الرئيسية لفتح المنافذ هو توجه عدد من دول الإقليم مثل المغرب لتبني برامج لتنمية الأقاليم الصحراوية. وفي هذا السياق، أشار رئيس الحكومة سعدالدين العثماني في 30 نوفمبر الفائت إلى البرنامج التنموي الذي يمتد من 2016 إلى 2021، ويتضمن عقود برامج لإنجاز ما يفوق 700 مشروع، رصدت لها موازنة إجمالية أولية قدرت بـ77 مليار درهم (7.7 مليار دولار)، تم رفعها لاحقاً إلى 83 مليار درهم (8.5 مليار دولار)، تشمل ربط المدن ببعضها واستحداث مناطق صناعية ومواقع للطاقة الشمسية وتطوير موانئ بما يحسن عدد من المؤشرات التنموية في مناطق الأطراف، وخاصة الأقاليم الجنوبية.

3- تخفيف الضغوط على قاطني المناطق الحدودية: تُعوِّل تونس على فتح المنافذ الحدودية مع الجزائر، وخاصة لاعتبارات السياحة والتجارة. غير أن ثمة هدفاً آخر يتعلق بتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الملقاة على عاتق قاطني المناطق الحدودية المهمشة، مع الأخذ في الاعتبار أن قطاعاً منهم يعمل في "تجارة الظل" مما أسهم في نشوء اقتصاد موازٍ لسكان تلك المناطق بتحالفهم مع "المهربين" بحيث يشكل أحد ملامح التجارة بين تونس والجزائر، باعتبارها تجارة مربحة بل تمثل طريقاً للثراء.

ورغم ذلك، فإن أجهزة الدولة في الجزائر وتونس تحاول تجنب استراتيجية "الخنق الكلي"، وخاصة لأبناء المناطق الشرقية الجزائرية والمناطق الجنوبية التونسية حتى لا ينخرط بعضهم في التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة. ولذا، يطلق اتجاه في الكتابات على المناطق الحدودية في الجزائر وتونس بأنها "بلد قائم بذاته".

4- التعايش مع مضاعفات "كوفيد-19": يأتي توجه عدد من دول الإقليم بإعادة فتح المنافذ مع دول ترتبط معها بحدود مشتركة إدراكاً منها لضرورة التعايش مع فيروس "كوفيد-19"، الذي لا توجد مؤشرات توحي بقرب انتهائه، مع الأخذ في الاعتبار الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها الدول من جراء إغلاق الحدود. وهنا، قال العميد مازن الفرايا رئيس خلية الأزمة المتعلقة بوباء "كورونا" في الأردن أن "المعابر لم تعد تشكل تهديداً في ضوء معدلات تسجيل الإصابات في المملكة"، على خلفية إعلان الأردن عودة فتح بعض المنافذ الحدودية البرية.

وكذلك الحال بالنسبة للحدود العراقية- الإيرانية، فقد أعيد العمل بعدد من المعابر الرسمية مثل شوشمي وشيخ صله مع مراعاة البروتوكولات الصحية، وهو ما حدث أيضاً مع بعض المعابر التي تربط الأردن بسوريا، حيث أعادت الأولى في نهاية سبتمبر الماضي تفعيل العمل بمعبر جابر المقابل لمعبر نصيب الحدودي مع سوريا بعد إغلاق دام أسابيع على خلفية تسجيل الأردن إصابات بفيروس "كورونا" قادمة عبر المعبر.

معادلة صعبة:

خلاصة القول، إن تأمين منافذ ومعابر الحدود يظل هدفاً رئيسياً لحكومات دول الإقليم، قبل وبعد "كوفيد-19". فمثلما كانت هناك ضرورات لإغلاق تلك المعابر لفترة مؤقتة لدواعٍ صحية واعتبارات سياسية وهواجس أمنية، صارت هناك تكلفة اقتصادية أيضاً سواء للحكومات أو المجتمعات، وهذه هى المعادلة الصعبة التي تواجه جهات إنفاذ القانون وخاصة قوات حرس الحدود بمسمياتها المختلفة لمنع استخدام تلك المعابر في أغراض تضر بالاقتصاد والأمن. هذا بخلاف الفساد داخل المنافذ الحدودية لاستفحال الرشوة والتهرب الجمركي وسيطرة الميلشيات، ووجود منابر "غير رسمية" كونت شبكة عنكبوتية، مما يحرم الحكومات من عائدات تلك المنافذ، والتي قد تشكل خواصر رخوة تعوق جهودها لمواجهة فيروس "كوفيد-19".