أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

الرد المحدود:

حدود التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله

02 سبتمبر، 2019


كشف استهداف إسرائيل لمواقع عسكرية تابعة لحزب الله اللبناني في سوريا ولبنان خلال الآونة الأخيرة عن إصرار تل أبيب على تحجيم  النفوذ الإقليمي لإيران والجماعات المسلحة التابعة لها كحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وميليشيا الحوثيين في اليمن، وهو ما دفعها لفتح خطوط مواجهة غير مباشرة مع إيران بهدف إضعاف نفوذ هذه الأذرع ووضع خطوط حمراء ومساحات محظورة على أنشطة تلك الفصائل المسلحة خاصة ما يرتبط بعمليات تهريب الأسلحة العابرة للحدود وتطوير قدرات عسكرية نوعية لتلك الميليشيات مثل تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي يمكنها تهديد أمن إسرائيل، إلا أن التصعيد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل لا يتوقع أن يتجاوز نطاقات "الرد المحدود" نظراً لإدراك الطرفين لتهديدات الانزلاق لسيناريو "الحرب الشاملة" وتداعياته على الأوضاع الأمنية والسياسية الداخلية. 

تطورات الأزمة:

شهدت الحدود اللبنانية-الإسرائيلية تصعيدًا عسكريًّا لم تعهده المنطقة منذ حرب 2006، وذلك بعد محاولة إسرائيل الوصول لعددٍ من الأهداف الاستراتيجية لقوات حزب الله اللبناني المتمركزة في الضاحية الجنوبية لبيروت من خلال الطائرات المسيرة (الدرون)، إضافةً إلى استهداف أحد مراكز حزب الله في سوريا، والذي أسفر عن مقتل لبنانيين من العناصر التي تُقاتل في صفوف حزب الله في سوريا. وردًّا على هاتين العمليتين، توعد "حسن نصر الله" (الأمين العام لحزب الله) إسرائيل بشن ضربات عسكرية في قلب إسرائيل، وهو ما ظهر في إطلاق حزب الله عددًا من الصواريخ المضادة للدبابات التي أدت إلى تدمير آلية عسكرية إسرائيلية في منطقة أفيفيم قرب حدود لبنان الجنوبية.

وأعلن الجيش اللبناني قيام إسرائيل بإطلاق أكثر من 40 قذيفة صاروخية عنقودية وحارقة صوب مناطق الجنوب، مما أدى إلى اندلاع عددٍ من الحرائق. ونفى نائب الأمين العام لحزب الله "نعيم قاسم" أن يكون هناك تصعيد عسكري كبير على الجانبين، معتبرًا ما حدث نوعًا من رد الاعتداء وليس اعتداء، وهو ما يتناقض مع تصريحات "نصر الله" الذي اعتبر أن إقدام إسرائيل على استهداف مناطق نفوذ الحزب بمثابة خرقٍ لقواعد الاشتباك التي تم إقرارها بعد عام 2006، متوعدًا بالرد السريع على أي خروقات إسرائيلية، بما في ذلك إسقاط الطائرات المسيرة التي وصفها "نصر الله" بالانتحارية، وذلك بعد إعلان الحزب اكتشافه تفخيخ إحدى الطائرتين، وهو ما يعني انتقال إسرائيل من دائرة التجسس عبر الطائرات المسيرة إلى محاولة تفخيخ هذه الطائرات لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الحزب، مثل استهداف مقاره، أو محاولة اغتيال عناصره. وردًّا على هذا التصعيد، أعلن الجيش الإسرائيلي عن إلغاء إجازات جنوده في المنطقة الشمالية، وذلك للاستعداد لأي ردة فعل قد يُقدم عليها القائمون على حزب الله.

رد الفعل الإسرائيلي:

علق رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" على ضربات حزب الله للمناطق العسكرية الإسرائيلية بأنها لم تؤدِّ إلى وقوع ضحايا. وتهدف حكومة "نتنياهو" من خطوة التصعيد تجاه حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق إلى محاولة مواجهة النفوذ العسكري الإيراني في المنطقة فيما يسمى بحروب الوكالة. وقد هدد المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي الرئيس اللبناني "ميشال عون" بشن حرب شاملة مشابهة لحرب 2006. 

ويتخوف الجيش الإسرائيلي من توجه حزب الله لحرب العصابات، مثل اختطاف وقتل الجنود عبر الأنفاق، إضافة إلى تخوفه من نمو قدرات حزب الله العسكرية، خاصة فيما يتصل بتطوير الحزب بمساعدة إيرانية لمشروع الصواريخ الدقيقة القادرة على إصابة الهدف على بعد أمتار قليلة، إضافة إلى قدرة هذه الصواريخ على حمل المتفجرات والرؤوس الحربية. وقد دفعت إسرائيل بتعزيزات عسكرية برية بالمناطق المتاخمة للحدود اللبنانية، بما يعني استعداد الجيش الإسرائيلي لأي من هذه السيناريوهات المحتملة.

مواقف الأطراف المختلفة:

تُمثل مشاركة حزب الله في تشكيل أغلبية مجلس النواب اللبناني، واعتباره مشاركًا في تشكيل الحكومة، معضلة كبيرة؛ إذ يُمكن أن يُورط حزب الله الدولة اللبنانية في حرب غير متكافئة مع إسرائيل، خاصة أنه من الفاعلين في تشكيل حكومة "سعد الحريري"، وهو ما يعني أن أي مواجهة بين حزب الله وإسرائيل هي توريط للجيش اللبناني. 

واعتبر "ميشال عون" أن ما تم من الجانب الإسرائيلي خرق للسيادة اللبنانية، معلنًا أنه سيتابع الأمر مع مجلس الأمن والأمم المتحدة. ومن ناحيته، يعمل "الحريري" على تجنيب بلاده شبح الدخول في مواجهات عسكرية، حيث دعا باريس وواشنطن للتدخل لدى الجانب الإسرائيلي لخفض التوتر، وذلك من خلال اتصالين هاتفيين مع وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، ومستشار الرئيس الفرنسي "إيمانويل بون".

فيما حذر مجلس الأمن الدولي من اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل ولبنان، وقرر -في الوقت ذاته- تمديد مهمة بعثته من قوات اليونيفيل بجنوب لبنان لمدة عام إضافي. وعبَّرت واشنطن عن قلقها من التوتر الزائد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وأكد "مايك بينس" (نائب الرئيس الأمريكي) في اتصال هاتفي مع "نتنياهو" دعم واشنطن اللا محدود لدولة إسرائيل للدفاع عن نفسها. 

واستنكرت الخارجية الفرنسية تبادل إطلاق النار على الخط الأزرق للحدود بين البلدين، معلنة أن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" تشاور مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" والرئيس الإيراني "حسن روحاني"، داعيًا جميع الأطراف اللبنانية والإسرائيلية والإيرانية إلى تحمل مسئولياتها في إحلال السلام بالمنطقة. 

حدود التصعيد:

تُبرز تطورات الأحداث على الساحتين اللبنانية والإسرائيلية أن أيًّا منهما غير مستعد للدخول في حربٍ شاملة غير محسوبة نتائجها ولا مجرياتها، ويُمكن أن يعمد كلا الطرفين إلى اتّباع إجراءات تحفظ لهما ماء الوجه، وهو ما عبَّرت عنه ابتسامة "نتنياهو" وهو يُقر بعدم وجود خسائر في الأرواح جراء قصف حزب الله للتجمع السكني الإسرائيلي "أفيفيم"، وعبَّر عنه "نصر الله" حين توعد بالرد عن طريق إسقاط أي طائرة مسيرة تخترق المجال الجوي اللبناني. ويعني ذلك بشكلٍ أو بآخر تجاوز الطرفين للأزمة الراهنة بشكلٍ كبير.

بالنسبة لإسرائيل، قد تؤثر عملية الدخول في حربٍ شاملة على حظوظ الحكومة الحالية، حيث يعمل "نتنياهو" على نيل ثقة الناخب الإسرائيلي في الانتخابات القادمة، وهو ما سيدفعه إلى عدم تزكية خيار الحرب لكسب ثقة الناس. ورغم حرص إسرائيل على عدم توسيع نطاق الحرب مع حزب الله؛ إلا أنها من الصعب أن تسمح للحزب بامتلاك سلاح نوعي من شأنه تهديد التوازن القائم، أو حتى محاولة إضعاف قوتها العسكرية، مثل موقفها من تطوير مشروع الصواريخ الدقيقة. أما بالنسبة لحزب الله فهو يهدف من هذا التصعيد إلى حفظ قواعد الاشتباك التي أرسى دعائمها قرار مجلس الأمن رقم (1701) بعد حرب تموز 2006، والتي ترتكز على قاعدة هامة تتمحور حول أن أي مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله لن تكون على الأراضي اللبنانية، وهو ما برز في المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله في سوريا، وكذلك عمليات الاغتيال بحق قياديين في الحزب مثل اغتيال "عماد مغنية" القيادي بالحزب على الأراضي السورية. 

إجمالًا؛ أبرزت ردود الأفعال لكلٍّ من "نتنياهو" و"حسن نصر الله" صعوبة التصعيد بين الجانبين، وهو ما دفع بقوة نحو ترجيح سيناريو الرد المحدود. فخيار التصعيد بات غير ذي أهمية بالنسبة للحزب في الوقت الحالي؛ حيث باتت لديه حسابات خارجية تجاوزت حساباته الداخلية، كانخراطه في صراعات المنطقة بسوريا واليمن، وهو ما أدى إلى تراجع مصداقيته لدى المواطنين بعد أن اكتشفوا أنه ذراع إيرانية في المنطقة، وهو ما سيدفعه لتجنب مزيد من المغامرات غير المحسوبة التي قد تزيد من استنزاف قدراته.