أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

قوة المحتجين:

سيناريوهات أزمة هونج كونج.. تدخل عسكري أم تنازلات صينية؟

07 أغسطس، 2019


 تشهد هونج كونج احتجاجات مستمرة منذ شهر يونيو، وذلك بسبب رفض مشروع قانون مقترح يسمح بترحيل أشخاص لمحاكمتهم في البر الرئيسي الصيني (Mainland China)، وتطورت هذه الاحتجاجات إلى اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، مما أفضى إلى تصاعد التظاهرات ورفعها شعارات مناهضة للحكومة الحالية، مطالبين باستقالة زعيمة هونج كونج "كاري لام" المدعومة من بكين، والدعوة لتطبيق مزيد من الإجراءات الديمقراطية في البلاد، فضلًا عن الدعوة لإضراب شامل، وهو ما شل البلاد في 5 أغسطس الجاري.

دوافع الاحتجاجات:

بدأت الاحتجاجات بسبب مشروع قانون لتسليم المجرمين من هونج كونج إلى الصين. لكنها انتشرت لتعكس مطالب أوسع للإصلاح الديمقراطي، ولكن لا يمكن الحديث عن الأزمة الحالية بدون الإِشارة إلى الطبيعة الخاصة لهونج كونج، حيث تختلف الأخيرة اختلافًا كبيرًا عن المدن الصينية الأخرى. حيث كانت هونج كونج مستعمرة بريطانية لأكثر من 150 عامًا. وفي عام 1898 قامت الصين بتوقيع عقد إيجار مع المملكة المتحدة لباقي أجزاء هونج كونج لمدة 99 عامًا.

وبدأت الأمور تتغير بالنسبة لهونج كونج، فشهد اقتصادها انطلاقة كبيرة منذ الخمسينيات وأصبحت مركزًا صناعيًّا عالميًّا. ثم في أوائل الثمانينيات ومع اقتراب الموعد النهائي لعقد الإيجار البالغ 99 عامًا، بدأت كل من بريطانيا والصين محادثات حول مستقبل هونج كونج، حيث طالبت الحكومة الشيوعية في الصين بإعادة هونج كونج بالكامل إلى الحكم الصيني. وفي نهاية المفاوضات توصل الجانبان إلى اتفاق في عام 1984، والذي نص على مبدأ "دولة واحدة ونظامين" الذي يعني أن تتمتع هونج كونج بدرجة عالية من الحكم الذاتي باستثناء ما يتعلق بالشئون الخارجية، لذلك تمتع هونج كونج بنظامها القانوني وحدودها، ويتم حماية الحقوق بما في ذلك حرية التجمع وحرية التعبير، فعلى عكس المدن الصينية الأخرى يمكن في هونج كونج أن يتم إحياء ذكرى الميدان السماوي.

وفي هذا السياق، تسعى هونج كونج للاستقلال تمامًا عن بكين، ففي عام 2014 شهدت هونج كونج احتجاجات شديدة من حركة المظلة التي تطالب بقيام المواطنين بانتخاب زعيمهم بشكل مباشر وليس من خلال لجنة تقوم بانتخابه نيابة عنهم، ولكن تم إخماد هذه الحركة ولم تنفذ بكين مطالبهم.

كما أن معظم المواطنين في هونج كونج لا يرون أنفسهم صينيين، حيث أظهر استطلاع للرأي تابع لجامعة هونج كونج في عام 2018 أن 11٪ فقط من المواطنين يعرفون أنفسهم بأنهم "صينيون"، في حين أن 71٪ لا يشعرون بالفخر لأنهم مواطنون صينيون . وازدادت موجة الغضب تجاه الصين في هونج كونج، خاصة بين الشباب المتعلم الذي يرى أن الحكومة المركزية في بكين تسعى إلى تقويض أي مساعٍ ديمقراطية في هونج كونج.

ويمكن القول إن الخلافات بين الطرفين عميقة، وهناك حالة احتقان تجاه الصين تصاعدت مع مشروع القانون الخاص بتسليم المتهمين للحكومة المركزية في بكين، والذي وصفه المتظاهرون بأنه يقوض النظام القضائي في هونج كونج، وسيجعلها خاضعة لسيطرة الصين، وسيحولها إلى مجرد مدينة صينية، وسيكون بداية لفقدان هونج كونج طابعها الخاص الذي يميزها عن سائر الصين، وهذا يفسر تطور الأزمة بسرعة بين المتظاهرين والشرطة.

تخوفات صينية:

صرح المتحدث باسم مكتب شئون هونج كونج بمجلس الدولة الصيني "يانج جوانج" قائلًا: "إن الفوضى يجب ألا تستمر في هونج كونج"، محذرًا من أن الاحتجاجات تدفع المنطقة إلى حافة وضع خطير للغاية. ودعا إلى بذل كافة الجهود لإنهاء العنف وإعادة النظام في هونج كونج.

كما قامت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية "هوا تشون يينج"، بحثّ واشنطن على التوقف عن التدخل في شئون هونج كونج، مؤكدة أنه لا ينبغي لأحد الاستهانة بعزم الصين الثابت على تطبيق مبدأ "دولة واحدة ونظامين"، والحفاظ على الرخاء والاستقرار هناك، وذلك ردًّا على إصدار رئيسة مجلس النواب الأمريكي "نانسي بيلوسي" بيانًا لدعم المتظاهرين، حيث ذكر البيان أن "المتظاهرين يرسلون للعالم رسالة مفادها أن أحلام الحرية والعدالة والديمقراطية لا يمكن أن تنطفئ أبدًا بالظلم والتخويف".

ومع استمرار الأزمة ودخولها أسبوعها التاسع، بدأت تصريحات المسئولين الصينيين تزداد حدة، حيث قام المتحدث باسم مكتب شئون هونج كونج وماكاو بمجلس الدولة الصيني "يانج جوانج" بالتصريح بأن "المتظاهرين يقومون باللعب بالنار، وفي النهاية ستحرقهم هذه النيران"، كما طالب المتظاهرين بألا يفسروا اتباع الحكومة المركزية لنهج ضبط النفس كدليل على الضعف، وصرح بأنه لا ينبغي أن يتم التقليل من القوة الهائلة التي تتمتع بها الحكومة المركزية في بكين. وهذا ما رآه المحللون تهديدًا وتصعيدًا خطيرًا من الجانب الصيني تجاه متظاهري هونج كونج. 

وبشكل عام فإن تصريحات المسئولين الصينيين تدور حول أنهم لم يتدخلوا بعد في الأزمة بشكل مباشر، ولكنهم بالتأكيد قد يميلون للتدخل مستقبلًا لإقرار الأمن والاستقرار. ويمكن تفسير رد الفعل الصيني العنيف تجاه هذه الأزمة التي تمثل تحديًا واسع النطاق للحكومة المركزية في بكين في ضوء عاملين أساسيين؛ أولهما أن هونج كونج هي مركز مالي واقتصادي كبير، أما السبب الثاني فيتمثل في أن الصين ترى أن فشلها في معالجة هذه الأزمة وتقديم أي تنازلات ولو رمزية، مثل إقالة الزعيمة الحالية "كاري لام"، ستكون له عواقب غير محمودة، حيث سيعمل ذلك على تقوية شوكة الانفصاليين في إقليم شينجيانج، كما قد يثير مزيدًا من التوترات مع تايوان، مما سيجعل الصين مستنزفة في عدة صراعات داخلية وإقليمية يصعب عليها التعامل معها كلها دفعة واحدة.

سيناريوهات متوقعة:

يمكن القول إن هناك سيناريوهين متوقعين للأزمة الحالية يتمثلان فيما يلي:

1- تدخل عسكري صيني: يتمثل أولهما في تدخل مباشر لجيش التحرير الشعبي الصيني الذي لديه حامية في هونج كونج، وإطلاق حملة عسكرية قاسية تؤدي إلى تصاعد أعداد الضحايا من المدنيين وذلك نتيجة إخفاق الشرطة في احتواء الوضع وإنهاء التظاهرات ونفاد صبر الصين وطول استمرار الأزمة، وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يعني انتصارًا سريعًا للحكومة المركزية في بكين وإحكام قبضتها بشكل أكبر على هونج كونج؛ إلا أن ذلك التدخل العسكري سيكون له أثر سلبي على علاقة الصين بالغرب، وسيرسخ صورتها كدولة معتدية، فمثل هذا التدخل سوف يقوض شعار الحزب الشيوعي "النهوض السلمي" للصين.

كما ستستغل الولايات المتحدة هذا الأمر لشرعنة حربها التجارية ضد الصين، بل وقد تنضم أطراف أخرى لصفوف الدول المعادية للصين، مثل بعض الدول الأوروبية -خاصة بريطانيا- التي قد تتأثر علاقتها الاقتصادية بالصين سلبًا نتيجة مثل هذه الحملة العسكرية. 

إذن، التدخل العسكري المباشر سيفتح جبهة صراع خارجية جديدة تضاف للحرب التجارية والضغط على الصين بسبب علاقتها الوطيدة مع إيران، وبالتالي سيؤدي هذا السيناريو في النهاية إلى استنزاف قوة بكين، والضغط الشديد على مواردها الاقتصادية، وتقويض فكرة صعودها السلمي، وبالتالي فهو سيناريو يصعب ترجيح حدوثه.

2- تنازلات بكين: يتمثل السيناريو الثاني في تقديم بكين تنازلات والتراجع عن هذا القانون المثير للجدل. وما يدعم هذا السيناريو هو ما حدث في عام 2003 عندما خرج ما يقرب من نصف مليون مواطن في هونج كونج للاعتراض على مشروع قانون أمني مثير للجدل، مما أدى إلى إلغاء القانون . ويُرجَّح حدوث هذا السيناريو بسبب نطاق المشاركة في هذه التظاهرات، والاستمرار في الإضراب الشامل، وإصرار المتظاهرين على مطالبهم، مما قد يجبر بكين في نهاية الأمر على تقديم بعض التنازلات، والبدء في التفاوض مع المتظاهرين.

ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من ترجيح هذا السيناريو، إلا أن بكين لم تقم بتنفيذه بشكل فوري، حيث سيقوي من وضع المتظاهرين في هونج كونج، مما سيعمل على التقويض التدريجي لسيطرتها على مقاليد الأمور هناك، بالإضافة إلى أن اعتماد الصين لهذا السيناريو قد يدفع إلى نشوب احتجاجات في عدة مناطق أخرى، وهو ما لا تريده الصين بالتأكيد.

الخلاصة، أن الصين في مأزق صعب، خاصة مع اقتراب الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر، وبالتأكيد لا تود بكين أن تقوم بالاحتفال بهذه الذكرى المميزة في ظل الاحتجاجات والاضطرابات في هونج كونج، لذا فقد يكون من المرجح أن تلجأ الحكومة المركزية إلى التنازل ولو بشكل مؤقت لتهدأ الأمور وتعود الحياة إلى طبيعتها في هونج كونج وتمر الذكرى السبعون بشكل طبيعي ثم تبدأ الصين في البحث عن وسيلة غير مباشرة تُحكم بها قبضتها على هونج كونج، فالصراع بين بكين وهونج كونج هو بالتأكيد صراع طويل المدى لن تحسمه جولة واحدة.