أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

الإرهاب اليميني:

لماذا تصاعدت جرائم الكراهية قبل انتخابات الكونجرس الأمريكي؟

06 نوفمبر، 2018


دخلت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس مرحلة جديدة من الاستقطاب الحاد بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، خاصة بعد حادثتي إرسال الطرود الملغومة إلى معارضي "ترامب"، وحادثة إطلاق النار على الكنيس اليهودي. ويَعتبر المعارضون، خاصة في الحزب الديمقراطي، أن سياسة "ترامب" تجاه الأقليات والمهاجرين أججت بشكلٍ كبير خطاب الكراهية لدى داعميه من اليمينيين الأمريكيين. فيما يرى مؤيدو "ترامب" أن الديمقراطيين يعملون على توظيف هذه الحوادث لتغيير ميزان القوى لتحقيق مكاسب سياسية في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.

صعود الإرهاب الانتخابي: 

سادت حالة من التوتر والترقب داخل الولايات المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك في ضوء حادثتي إرسال الطرود الملغومة لمعارضي "ترامب"، والاعتداء على الكنيس اليهودي في مدينة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا، حيث أظهرت حادثة إرسال الطرود الملغومة إلى معارضي "ترامب" من كبار السياسيين في الحزب الديمقراطي ووسائل الإعلام، تحولًا في طبيعة المنافسة الانتخابية الأمريكية من السلمية إلى العنف. فعلى الرغم من استنكار "ترامب" وقيادات الحزب الجمهوري إرسال اليميني الأبيض "سيزار سايوك" طرودًا مفخخة لقيادات الحزب الديمقراطي؛ إلا أن بعض معارضي "ترامب" يرون أن سياساته قد أسهمت في إحداث هذه الحالة من العنف، خاصة في ظل لغة "ترامب" الحادة تجاه منتقديه، سواء من السياسيين في الحزب الديمقراطي، أو وسائل الإعلام، وهو ما يظهر عند التدقيق في العناصر التي استهدفها "سايوك"، فما يربطهم جميعًا هو معارضة سياسات "ترامب". من ناحيةٍ أخرى، لم يصف "ترامب" أو إدارته السلوك الذي أقدم عليه "سايوك" بأنه عمل إرهابي، وهو ما يُبرهن على الموقف الرمادي غير الحاسم تجاه ما يتبناه اليمينيون المتطرفون من أعمال عنف.

وفي السياق ذاته، قام اليميني الأبيض "روبرت باورز" بإطلاق النار على تجمّع للمصلين اليهود في معبد "شجرة الحياة" وهو يهتف: "يجب على كل اليهود أن يموتوا"، وأدت هذه الحادثة إلى مقتل 12 وإصابة آخرين، ودائمًا ما هاجم "باورز" الجمعية العبرية لمساعدة المهاجرين (HIAS)، معتبرًا أنها تُسهم في جلب من أسماهم بالغزاة إلى أمريكا، وتمكينهم من الحصول على حقوق الشعب الأمريكي. ومن الجدير بالذكر أن "باورز" كان من مؤيدي "ترامب". 

من جانبه، عمل "ترامب" على امتصاص غضب الجالية اليهودية، واستعادة ثقتها باعتبارها من قوام كتلته الانتخابية الصلبة؛ حيث أعلن في إحدى جولاته الانتخابية تنكيس الأعلام حدادًا على أرواح الضحايا، ودعا إلى تشديد قوانين الإعدام في الولايات المتحدة، ووصف الحادثة بأنها جريمة قتل جماعي، وزار معبد "شجرة الحياة" لمؤازرة الجالية اليهودية في مدينة بيتسبرج.

دلالات جرائم الكراهية:

تُعد حادثتا إرسال الطرود الملغومة، والهجوم على الكنيس اليهودي، مؤشرات خطيرة لما آل إليه الاستقطاب السياسي قُبيل انتخابات التجديد النصفي التي يسعى من خلالها الحزب الديمقراطي لاستعادة السلطة التشريعية، فيما يهدف الحزب الجمهوري إلى تأكيد هيمنته على السلطتين التنفيذية والتشريعية. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أبرز الدلالات وذلك فيما يلي:

1- إرهاب اليمين المتطرف: يتوقع بعض المحللين أن هاتين الحادثتين ستكونان مقدمة لحوادث أخرى يرتكبها اليمين المتطرف، حيث عكس الاعتداء على قيادات الحزب الديمقراطي حجم الكراهية التي يحملها اليمينيون المتطرفون تجاه الحزب الديمقراطي الذي يمثل حاضنة للأقليات العرقية والدينية والمهاجرين. وفي السياق نفسه، أكدت حادثة الكنيس اليهودي كره اليمين المتطرف لليهود، فدائمًا ما يتهمهم بالهيمنة على القرار السياسي، وعالم المال والأعمال. وقد رصدت رابطة مكافحة التشهير تنامي جرائم الكراهية تجاه اليهود، وهو ما بدا في عدد الحوادث ضد اليهود في الولايات المتحدة، حيث زادت بنسبة 57% عن عام 2017، وتضمنت مؤشرات العنف ضد اليهود التهديدات، والاعتداءات، وعمليات التخريب، والملصقات المعادية للسامية. 

2- الإرهاب المحلي غير التقليدي: حذرت استراتيجية مكافحة الإرهاب الأمريكية التي صدرت مطلع أكتوبر 2018، من تصاعد وتيرة الإرهاب المحلي غير التقليدي المتمثل فيما يقوم به بعض المواطنين في الدفاع عن حقوقهم (اليمينيون)، وهو ما ينطبق على حادثتي إرسال الطرود، والهجوم على الكنيس اليهودي. وتدور في الأوساط الأمريكية مخاوف حول مدى صدقية الفرضية التي تعتبر أن السياسة الأمريكية أمام فصل جديد من استخدام العنف والإرهاب لحسم المنافسات السياسية.

3- تأثيرات الخطاب الشعبوي: أبرزت حادثتا إطلاق النار على الكنيس اليهودي، وإرسال الطرود الملغومة إلى معارضي "ترامب"؛ خطورة تأثر المتطرفين بلغة الخطاب السياسي للقادة، حيث إن جميع من أُرسلت لهم طرود مفخخة تعرضوا لهجوم من "ترامب"، فدائمًا ما هدد "ترامب" المرشحة الرئاسية السابقة "هيلاري كلينتون" بالسجن، وكذلك الحال بالنسبة لمجموعة قنوات CNN التي يعتبرها "ترامب" نموذجًا للأخبار المزيفة والكاذبة. وبرز هذا التأثر في ملصقات سيارة مُرسل الطرود "سايوك" التي تحمل صور قيادات الحزب الديمقراطي وعليها ما يُشير لعلامات التصويب بالرصاص على صور الرئيس الأسبق "باراك أوباما" ونائبه "جون بايدن" وكبير المتبرعين للحزب الديمقراطي "جورج سورس" الذي حذر من انتخاب "ترامب" معتبرًا حكمه خطرًا على العالم وليس الولايات المتحدة وحدها.

تفسيرات "عنف اليمين": 

يرى المعارضون أن سياسات "ترامب" أدت إلى صعود حالات العنف السياسي، خاصة لدى مؤيديه من البيض، وذلك منذ أن افتتح حملته للانتخابات الرئاسية عام 2015 رافعًا شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، حيث يزعمون أن الهدف الحقيقي من وراء هذا الشعار إعادة أمريكا بيضاء مرة أخرى، ولكنه يتخوف من الحديث عن ذلك بشكل صريح، ويستدلون على ذلك بخطاباته العنيفة تجاه الأقليات الدينية والعرقية والمهاجرين من أمريكا اللاتينية وإفريقيا.

من ناحيةٍ أخرى، تعكس حادثتا إرسال الطرود الملغومة إلى معارضي "ترامب"، وإطلاق النار على الكنيس اليهودي، مؤشرًا خطيرًا على حالة الكراهية التي وصل إليها بعض المؤيدين، خاصة في ظل التهديدات الديموغرافية بأنهم سيتحولون إلى أقلية بفعل سياسات الهجرة والتجنيس التي تتبعها واشنطن منذ إصدار قانون الهجرة والتجنيس عام 1965، حيث كان القاسم المشترك بين مرتكبي هاتين الحادثتين رفضهما لسياسات الهجرة والتجنيس، وانتماءهما إلى العرق الأبيض الذي ينشط بشكلٍ أساسي في العديد من الحركات اليمينية القومية، مثل: منظمة "توحيد اليمين"، وحركة "اليمين البديل" التي تدعو لتفوق العرق الأبيض على الأعراق الأخرى، ومناهضة سياسات الهجرة.

وتنسجم سياسات "ترامب" مع هذه الحركات؛ إذ يعمل حاليًّا لإدخال تعديلات على قانون الهجرة والتجنيس، خاصة في المواد المتعلقة باكتساب الجنسية لمن يُولد على أرض الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن أول قانون صدر للتجنيس عام 1790 كان يشترط على من يتقدم للحصول على الجنسية أن يكون أبيض حرًّا، لذلك يرفض معارضو "ترامب" العودة إلى هذه التصنيفات العنصرية التي تخلصوا منها. ويعتبر الديمقراطيون أن خطاب "ترامب" الموجه ضد الأقليات العرقية والدينية، ومواقفه الرمادية من الحركات اليمينية القومية، أسهم بشكلٍ كبير في تنامي أنشطة الحركات العنصرية المتطرفة في الشارع الأمريكي، وشجع على قيامها بتنظيم فاعليات سياسية للترويج لأفكار الكراهية والعنصرية التي يتبنونها.

وفي السياق ذاته، وجه مجموعة من رجال الدين اليهودي الأمريكيين بعد تنفيذ الهجوم على الكنيس اليهودي رسالة إلى "ترامب" متهمين إياه بتغذية خطاب العنف، وقالوا له: "في السنوات الثلاث الأخيرة، شجعت أقوالكم وسياساتكم حركة قومية للبيض تتسع يومًا بعد يوم. وصفتم بأنفسكم القاتل بأنه شرير، ولكن سياساتكم هي التي أوصلتنا لذلك". ودعت مجموعة رجال الدين الرئيس "ترامب" إلى إدانة النزعة القومية للبيض بشكلٍ واضح، وإدانة مهاجمة الأقليات والمهاجرين واللاجئين، والعمل على الالتزام بالسياسات الديمقراطية التي تعترف بحقوق الجميع.

من ناحية أخرى، يرفض الحزب الجمهوري وأعضاؤه الاتهامات التي يكيلها لهم الديمقراطيون، معتبرين أن الديمقراطيين يحاولون استغلال حادثتي الطرود الملغومة والكنيس اليهودي لإظهار الجمهوريين كمتطرفين لكسب مزيد من الأصوات في انتخابات التجديد النصفي لتقويض الإنجازات التي حققتها إدارة "ترامب". في السياق ذاته، اتهم "ترامب" وسائل الإعلام المناهضة له باستغلال قضية الطرود الملغومة لإضعاف الحزب الجمهوري في الانتخابات، لا سيما أن الجمهوريين يؤدون بشكلٍ جيد في التصويت المبكر ونتائج استطلاعات الرأي.

إجمالًا، تكشف أحداث العنف اليميني وجرائم الكراهية التي تصاعدت حدتها في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة عن تصاعد الاستقطاب السياسي السابق على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وهو ما يرتبط بتحفيز الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لمؤيدي الحزب الجمهوري والتيارات اليمينية على التصويت لصالح الحزب ومنع المنافسين من الاستحواذ على المقاعد التي تم التنافس عليها.