أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

البراجماتية قصيرة الأمد:

كيف غيرت روسيا موازين القوى لصالحها في الشرق الأوسط؟

23 نوفمبر، 2017


عرض: مروة صبحي منتصر – مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة

ركزت عديد من الكتابات الغربية عن السياسة الخارجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط على دور موسكو في سوريا، بعد تدخلها العسكري لدعم حليفها "بشار الأسد"، مع اهتمام أقل بعلاقاتها بالدول الأخرى في المنطقة. وهو ما دفع مؤلفي تقرير مؤسسة "راند" المُعنون "الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط" إلى التساؤل عن المحددات التي من المحتمل أن تكون فُقدت لفهم مصالح روسيا بشكل أكثر فعالية، وأهدافها، ومنظورها في المنطقة بعيدًا عن التركيز على سوريا.

ينطلق التقرير من أن السياسة الروسية في منطقة الشرق الأوسط تُعبر عن استراتيجية وظيفية تسعى باستمرار لتحقيق أهداف قصيرة المدى، مع تعظيم الخسائر لخصومها المحتملين على المدى القصير.

ملامح السياسة:

مع بداية عام 2005، زاد التدخل الروسي في المنطقة بشكل ملحوظ عن ذي قبل، لكنه لم يترجم إلى نفوذ حقيقي، حسب التقرير، حيث لم تُبلور موسكو استراتيجية موحدة للتعامل مع "الربيع العربي"، بل قَيَّمت أثره في كل دولة على حدة، فلم تنظر له باعتباره حدثًا شاملًا على مستوى المنطقة. 

ويشير التقرير إلى أنه وفقًا لاستراتيجية الأمن القومي لروسيا فإن منطقة الشرق الأوسط تأتي في ذيل أولويات موسكو بعد أوروبا وآسيا. وبالرغم من ذلك، فإنها وضعت موطئ قدم لها في المنطقة اعتقادًا منها أنها قوة عالمية، ويجب عليها أن تمتلك دورًا مؤثرًا، وأن يكون لها مقعد على طاولة المفاوضات، والقرارات الرئيسية. 

وتتمثل العناصر الأساسية للسياسة الخارجية الروسية التي تشكل نهجها في المنطقة -وفقًا للتقرير- فيما يلي:

أولاً- أنها سياسة براجماتية انتهازية تستطيع التعامل مع كل الأطراف المتصارعة والمتناقضة في الوقت ذاته. وبذلك تعتقد روسيا أنها تتميز عن القوى الغربية التي توصف بأنها متحيزة وغير مرنة.

ثانيًا- لا تمتلك خططًا طويلة المدى في المنطقة، لكن لديها مصالح طويلة الأجل تتعلق بالاستقرار الإقليمي، والأسعار العالمية للنفط، والتي لا تتعارض مع خياراتها قصيرة المدى؛ لأنها ليست منخرطة حتى أذنيها في المنطقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن لديها قلقًا أمنيًّا ممتدًّا في المنطقة يتعلق بانتشار الإرهاب الدولي وبدول جوارها، والمخاوف من عودة 3200 مواطن روسي سافروا إلى العراق وسوريا منذ عام 2014.

ثالثًا- يعتقد صناع القرار الروسي أن التغيير في المنطقة يجب أن يتم من خلال الوسائل الدستورية، وأجهزة الدولة السيادية، وليس عن طريق "الانتفاضات" الشعبية. وينسجم هذا الرأي مع موقفها من الثورات الملونة في دول الاتحاد السوفيتي السابق. وتؤكد موسكو فشل السياسات الغربية بالشرق الأوسط في تقديم نفسها كبديل موثوق فيه لدى القادة التقليديين بالمنطقة.

ويُعد الموقف الروسي في هذا الشأن متناقضًا إلى حدٍّ كبير؛ حيث قدمت روسيا نفسها كقوة محافظة في المنطقة، ولكن في جوارها الجغرافي تُعد قوة متدخلة في شئون الدول المجاورة لها مثل أوكرانيا، فضلًا عن سعيها إلى زعزعة استقرار أجزاء أخرى من أوروبا. 

ويضيف التقرير أن السياسة الروسية في المنطقة تقوض دعم موسكو لمبدأ سيادة الدولة وعدم التدخل في شئونها، حيث تعمل مع إيران التي تتدخل في أرجاء المنطقة، ولديها -وفقًا لمعدي التقرير- علاقات مثمرة مع الجماعات المسلحة في ليبيا.

علاقات تبادلية:

وعن طبيعة العلاقات الروسية بدول المنطقة، أشار التقرير إلى أنها علاقات تبادلية تحقق المنافع المشتركة لطرفيها. وتقوم تلك العلاقات على النهج الواقعي مع عدم الانخراط في قضايا الإصلاح الاقتصادي وحقوق الإنسان كما تفعل الحكومات الغربية. ويُضيف مُعدّو التقرير أنها ليست بالضرورة تحالفات طويلة المدى أو حتى شراكات استراتيجية. 

ويؤكد التقرير أن العلاقات الروسية بدول المنطقة تقوم على النهج البراجماتي التبادلي المرن. ويضرب مثالًا على ذلك بالعلاقات الروسية- الإيرانية، فيبين أنه رغم تأييد روسيا وطهران لنظام بشار الأسد، إلا أنهما اختلفا حول استخدام القواعد الإيرانية في العمليات السورية. ولهذا، فإن العلاقات بينهما تتصف بعدم الثقة، والشك، لاختلافات سياسية وتاريخية. 

لكن التقرير تحدث عن عقبات أمام تطوير تلك العلاقات التبادلية، بعضها يرتبط بالحقائق الجيوسياسية والنهج غير الأيديولوجي للعلاقات الإقليمية لروسيا، الأمر الذي يقوض من إمكانية تأسيس علاقات طويلة المدى. فعلى سبيل المثال، تسعى روسيا لبناء علاقات جيدة مع كلٍّ من إيران وإسرائيل، ولكنها قد أوقفت بيع صفقة نظام صواريخ مضادة للطائرات S-300 لإيران بعد ضغط إسرائيل عليها. 

ويضيف التقرير بُعدًا آخر يقف أمام تطوير العلاقات، يتمثل في استخدام دول الشرق الأوسط لروسيا كبديل عن الغرب. فعلى الرغم من قلق حكومات المنطقة تجاه نوايا روسيا، إلا أنها تنظر إليها كبديل مفيد عن الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية، خاصة عندما يفشل قادة المنطقة في الحصول على النتائج المرغوب فيها من واشنطن. كما أنهم يستخدمون الصفقات الاقتصادية والسياسية مع روسيا كإنذار للولايات المتحدة بأن لديهم خيارات أخرى. وفي الوقت ذاته، لا تُعرِّض حكومات الشرق الأوسط علاقات بلدانها مع واشنطن للخطر، لكنها تسعى إلى توسيع نطاق خياراتها بالتعامل مع موسكو لتعظيم فائدتها، وتعي روسيا جيدًا ذلك التوازن.

القطاعات الحيوية:

وعن القطاعات التي تشكل المكون الأساسي للسياسة الخارجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط، تحدث التقرير عن قطاعين رئيسيين، هما:

أولًا- قطاع الطاقة (الطاقة النووية، والنفط والغاز الطبيعي)، حيث تسعى روسيا لتعزيز مصالحها الاقتصادية والتجارية في قطاع الطاقة بالمنطقة. وتلعب شركتا "غازبروم" و"روساتوم" الروسيتان دورًا مهمًّا في الحفاظ على المصالح الروسية في المنطقة، والتي تتمثل في: إقامة سوق استهلاكي رئيسي، والاستثمار في حقول الغاز والبترول، والبنية التحتية للطاقة النووية في دول مثل: إيران، والعراق، وتركيا، وإقليم كردستان العراق. 

وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أن شركة "روساتوم" زادت من أنشطتها مؤخرًا في إيران ومصر والأردن وتركيا. وقد دفع تقلب أسعار النفط في سوق الطاقة العالمي والعقوبات الغربية عليها إلى العمل على تعظيم مكاسبها في قطاع الطاقة في المنطقة.

ثانيًا- صفقات الأسلحة الروسية: مع تبني الولايات المتحدة سياسة الانسحاب الأمريكي من المنطقة، والتوجه لآسيا، وبعد تأخر عدد من صفقات التسلح لدول المنطقة بسبب مواقف واشنطن من دول "الثورات العربية" أو للحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل؛ أصبحت المنطقة سوقًا للسلاح الروسي.

وما يُميِّز روسيا عن الولايات المتحدة أنها تستطيع توصيل أكثر الأسلحة احتياجًا في أسرع وقت، بالإضافة إلى قطع الغيار للأسلحة وخدمات الصيانة بدون أن تكون مشروطة باعتبارات سياسية أو مخاوف حقوق الإنسان. ويشير التقرير إلى أن مبيعات الأسلحة الروسية بالمنطقة زادت بنسبة 36% في الفترة بين عام 2011 إلى عام 2015؛ لإمدادها الأطراف المتصارعة في المنطقة بالأسلحة في الوقت نفسه.

استغلال الفرص:

في إطار الإجابة على تساؤل حول ما إذا كانت هناك استراتيجية روسية في المنطقة؛ عرض التقرير لثلاثة آراء تحليلية. يؤكد الرأي الأول على وجودها، أما الثاني فيرى أن موسكو تمتلك استراتيجية لكنها لا تعمل وفقًا لمرادها، أما الثالث فينفي وجود أي استراتيجية لها في المنطقة.

ومن بين تلك الآراء، يعتبر التقرير أن استراتيجية روسيا في المنطقة هي حوار بين السياق الحالي والمستقبل القريب، والتي أطلق عليها "استراتيجية الوسائل والآليات". وذلك يعني أن محددات السياق الحالي في المنطقة مع قدرات روسيا تشكل أهم ملامح استراتيجيتها في المنطقة. 

وبالنسبة للسياق الحالي، يوضح التقرير أن الأحداث التي مرت بها المنطقة في أعقاب ثورات "الربيع العربي" أتاحت لروسيا المجال لكي تلعب دورًا غير اعتيادي لها، وقد استغلته موسكو مدعية احترامها لمبدأ سيادة الدولة، كما ناشد "بوتين" بذلك في الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة (سبتمبر ٢٠١٥). وقد وضع الرئيس الروسي هذا النهج كبديل للتدخل الغربي في أزمات المنطقة. وتطبيقًا له عرضت موسكو صفقات اقتصادية وتجارية على دول المنطقة دون حاجة إلى طلب إصلاحات سياسية أو في مجال حقوق الإنسان كما تدعو إليها الحكومات الغربية. 

وقد تعزز الدور الروسي في المنطقة مع استنزاف الولايات المتحدة والقوى الغربية خلال حروبها غير الحاسمة في العراق وأفغانستان، وعدم رغبتها في التدخل عسكريًّا في سوريا.

ولمحدودية مواردها، أشار التقرير إلى أن روسيا تسعى إلى تعظيم فرصها بأقل الموارد أو الخسائر المحتملة، مع استثناء ما يحدث في سوريا. وما يؤكد محدودية الموارد الروسية في المنطقة هو تبنيها لنهجها البراجماتي قصير الأجل.

وفيما يخص القيود التي تعتري الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط أوضح التقرير أن موسكو تفتقر إلى القدرات الاقتصادية والعسكرية لبناء استراتيجية طويلة المدى، خاصة في سوريا، إلى جانب افتقارها للقوة الناعمة في المنطقة التي ليس لها صدى مقارنة بالأمريكية والأوروبية. فضلًا عن أن فاعلية وقوة دول الشرق الأوسط -التي تغيب في المناقشات حول الوجود الروسي في المنطقة- تشكل قيودًا حاسمة تقرر مدى بقاء أي استراتيجية روسية. 

خلاصة القول، إن النجاحات الروسية في المنطقة لا ترجع إلى قوة استراتيجيتها، لكن إلى إتاحة السياق الحالي الفرص التي استغلتها بصورة جيدة. ومن وجهة النظر الروسية، فإنها حققت مكاسب في أسرع وقت، لكنها -في رأي التقرير- سريعة الزوال، حيث ما زالت روسيا غير قادرة على التحكم في مخرجات أزمات المنطقة. ويرتبط تقييد أو تعظيم الدور الروسي في المنطقة بالفواعل الإقليمية والدولية بها.

المصدر: 

James Sladden, Becca Wasser, Ben Connable and Sarah Grand-Clement, Russian Strategy in the Middle East, RAND Corporation, 2017, 

https://www.rand.org/pubs/perspectives/PE236.html