أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

هجمات الربيع:

هل تسعى "طالبان" لتوسيع نطاق نفوذها في أفغانستان؟

27 أبريل، 2017


عادت حركة "طالبان" الأفغانية إلى تنفيذ عمليات إرهابية نوعية في الفترة الأخيرة، كان أبرزها الهجوم الذي شنته على أحد المعسكرات بالقرب من مدينة مزار شريف، في 21 إبريل 2017، والذي يعد مقرًّا للفيلق 209 في الجيش الأفغاني المسئول عن استتباب الأمن في شمال أفغانستان، ويوجد به عدد من الجنود الأجانب من جنسيات مختلفة، وهو ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 130 شخصًا، بشكل دفع كلا من وزير الدفاع عبد الله حبيبي ورئيس الأركان قد شاه شاهين إلى تقديم استقالتيهما.

وربما يمكن القول إن هذا التصعيد الأخير يرتبط بمجموعة من التطورات التي طرأت على الساحة الأفغانية في الفترة الأخيرة، وعلى رأسها تكرار ظاهرة الانشقاقات داخل الحركة، واستمرار عمليات تنظيم "داعش" التي يسعى من خلالها إلى تكريس نفوذه داخل أفغانستان، فضلا عن تصاعد حدة المواجهات مع القوات الحكومية.

نشاط متصاعد:

كان لافتًا أن "طالبان"، التي سارعت إلى إعلان مسئوليتها عن الهجوم الذي قالت أنه جاء ردًا على مقتل عدد من كبار قادتها في الفترة الأخيرة، أقدمت على شن هجوم آخر، في 24 إبريل، على قاعدة "كامب تشامبان" التي تديرها القوات الأمريكية في ولاية "خوست"، وهو ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 4 جنود أفغان وإصابة 8 آخرين. وقد ربطت اتجاهات عديدة بين هذا الهجوم وبين الضربة الأمريكية ضد مواقع تنظيم "داعش"، في منطقة نانجارهار في 13 إبريل.

ويبدو أن هذه العمليات تأتي في سياق التحركات التي تقوم بها "طالبان" بهدف توسيع نطاق نفوذها على الأرض عبر السيطرة على مناطق جديدة، حيث تمكن مقاتلوها، في 27 أغسطس 2016، من اجتياح منطقة جاني خيل التابعة لولاية باكتيا الشرقية التي تربط بين 8 مناطق مجاورة، وتوصل بين باكتيا وولاية خوست وباكستان، مما جعلها تهدد طرقًا استراتيجية تصل بين أفغانستان وباكستان. كما أنهم سيطروا، في 3 أكتوبر 2016، على بعض المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في كل من قندز شمالي أفغانستان وهلمند في جنوبها.

وقد أثار ذلك مخاوف عديدة من إمكانية تقليص مساحة الأراضي التي تسيطر عليها القوات الحكومية، وهو ما بدا جليًا في تأكيد مكتب المفتش الأمريكي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، في يوليو 2016، على أن القوات الأفغانية باتت تسيطر على 66% من الأراضي، في حين أنها كانت تسيطر على 70% في عام 2015، حيث إن هناك 36 منطقة من مجموع 407 منطقة في البلاد، تخضع لسيطرة حركة "طالبان"، كما أن هناك 104 مناطق أخرى تُعاني من خطر السقوط في قبضتها.

أهداف متعددة:

يبدو أن الحركة تسعى من خلال هذه العمليات إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أهمها في:

1- التمسك بالأولويات: تحاول "طالبان" من خلال تلك العمليات توجيه رسالة مفادها أنها لم تتراجع عن أولوياتها، والتي يأتي على رأسها محاربة الحكومة الأفغانية، وطرد القوات الأجنبية من البلاد، وهو ما يمكن أن يساهم بشكل كبير في الحفاظ على هيكلها التنظيمي، ووقف ظاهرة الانشقاقات، بسبب اتهام الحركة بأنها تخلت عن أهدافها، مما أدى إلى خروج أعداد كبيرة من أعضائها من صفوفها، وانضمامهم إلى تنظيم "داعش" أو ما يُعرف بـ"ولاية خراسان"، نظرًا إلى أنهم يبحثون عن البديل الأكثر تشددًا. وقد بدا لافتًا أن العملية الأخيرة وقعت بعد فترة وجيزة من الإعلان عن انضمام نحو 200 من عناصر الحركة إلى عملية السلام، في إقليم بلخ شمال أفغانستان، والذين كانوا يشنون فيه هجمات متواصلة على قوات الأمن وتحديدًا في منطقة جبال البرز.

2- إضعاف القوات الحكومية: تسعى "طالبان" إلى إثبات ضعف قدرات القوات الأمنية الأفغانية التي لم تتمكن من حماية أحد أهم معسكراتها، حيث استطاعت مجموعة صغيرة من عناصر الحركة التنكر في الزي العسكري ودخول القاعدة التي تخضع لإجراءات أمنية مشددة، وهو ما أثار استياءً داخليًا ملحوظًا وفرض ضغوطًا لا تبدو هينة على القوات الحكومية. 

3- تعزيز احتمالات التفاوض: ترى الحركة أن هذا التصعيد يمكن أن يساهم في إقناع الحكومة الأفغانية بضرورة التفاوض معها، حيث تسعى إلى استثمار تصاعد الدعوات الدولية لإجراء مفاوضات بين الطرفين، وهو الاتجاه الذي تبنته بعض القوى الدولية، مثل روسيا، التي أكدت، في 24 إبريل 2017، أن الهجوم على مزار شريف يشير إلى ضرورة إطلاق حوار مباشر بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" في أسرع وقت، وأنها على استعداد لدفع عملية المصالحة الوطنية في أفغانستان إلى الأمام، بما في ذلك إجراء حوار في موسكو حول أفغانستان.

واللافت في هذا السياق، أن هذه التصريحات جاءت بعد نفى موسكو للاتهامات التي وجهها لها الجنرال كيرتس سكاباروتي قائد القوات الأمريكية في أوروبا، في 23 مارس 2017، وأشار فيها إلى أنها "تقوم بتسليح حركة طالبان" وأنه "لاحظ تنامي النفوذ الروسي على مقاتلي طالبان"، وهو ما يعني أن موسكو تحاول من خلال ذلك تأكيد أنها تتبنى سياسة محايدة وتدعم أية جهود تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في أفغانستان.

4- توسيع نطاق النفوذ: يبدو واضحًا أن "طالبان" بدأت في توجيه اهتمامها نحو التوسع شمالا باتجاه مدينة مزار شريف، التي تتواجد بها عناصر لا تتبنى سياسة عدائية تجاه "طالبان" فحسب، وإنما اتجه بعضها للانضمام لتنظيم "داعش" الذي تحول إلى أحد المنافسين الرئيسيين لـ"طالبان" في أفغانستان. 

5- تأكيد جدية التهديدات: إذ أن الهجمات الأخيرة تشير إلى أن تهديدات الحركة بتصعيد عملياتها في فصل الربيع، وهى التهديدات التي أطلقتها في إبريل 2016، جدية، بشكل يثبت قدرة الحركة على عرقلة الجهود التي تبذلها أطراف عديدة لدعم الحكومة الأفغانية، وقد يعزز من مساعيها للدخول في مفاوضات جديدة مع الحكومة.

6- منافسة "داعش": تستغل الحركة تلك الهجمات في إثبات قدرتها على منافسة تنظيم "داعش"، الذي يقوم بدوره بتنفيذ عمليات نوعية، مثل الهجوم الذي شنه على المستشفى العسكري في كابول، والذي أسفر عن مقتل 49 شخصًا على الأقل، في 8 مارس 2017. 

ومن دون شك، فإن هذا التصعيد الملحوظ من جانب "طالبان" يمكن أن يعرقل الجهود التي تبذلها الحكومة الأفغانية من أجل ترسيخ حالة من الاستقرار، السياسي والأمني، في أفغانستان، خاصة أنه يتزامن مع حرص تنظيم "داعش" على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، باتت تحظى باهتمام خاص من جانب بعض القوى الدولية، بشكل سوف يدفع الحكومة الأفغانية إلى رفع مستوى تعاونها الأمني مع القوى الإقليمية والدولية المعنية بمحاربة الإرهاب داخل أفغانستان وخارجها.