أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

وحدة الصف:

كيف يُعزز مؤتمر الحزب الديمقراطي فرصه في السباق الانتخابي الأمريكي؟

27 أغسطس، 2024


قالت حملة نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، يوم الأحد 25 أغسطس 2024، إنها جمعت 540 مليون دولار لتمويل حملتها الانتخابية بمواجهة المرشح الجمهوري، الرئيس السابق، دونالد ترامب. 

يأتي هذا بعد أيام من اعتماد الحزب الديمقراطي رسمياً، يوم الثلاثاء 20 أغسطس 2024، كامالا هاريس لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية في الخامس من نوفمبر 2024.

استعادة الثقة: 

تُعد المؤتمرات العامة للحزبيْن الديمقراطي والجمهوري "فرصة" نهائية لإفصاح ما يدافع عنه كل حزب، ويوحّده في معركة السباق الانتخابي الرئاسية، المزمع انعقادها في 5 نوفمبر 2024؛ ومن ثم، فإن الغرض الرسمي لمثل تلك المؤتمرات هو اختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى اعتماد بيان مبادئ الحزب وأهدافه المعروفة باسم "منصة الحزب" (Party Platform).

وعلى الرغم من عدم وجود أي ضرورة دستورية أو قانونية لعقد الحزب مؤتمراً عاماً؛ فإن تلك الظاهرة باتت عُرفاً سياسياً يتكرر كل أربع سنوات منذ أول مؤتمر حزبي عام عقده الديمقراطيون عام 1832 في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند. والحقيقة أنه منذ عام 1832 وحتى تاريخ المؤتمر الحالي لعام 2024، نظّم الحزب الديمقراطي 50 مؤتمراً شهد خلالها تحولات مركزية في أيديولوجيته السياسية جعلت له قاعدة شعبية كبيرة في الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أبرز الملامح التي تميّز المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي لعام 2024: 

1. ترشيح هاريس كزعيمة للحزب: إن التحدي الأكبر بالنسبة لمنظمي المؤتمر هو التحول المفاجئ في زعامة الحزب الديمقراطي؛ إذ إن الانتقال من زعيم إلى آخر وضع ضغوطاً على قيادات الحزب لخروج المؤتمر بشكل مُتوازن ما بين الاحتفاء بزعيمته الجديدة كامالا هاريس، دون التقليل من مكانة زعيمه المُتنحي جو بايدن، أو التعامل معه بطريقة قد تؤدي إلى عدم احترامه وتوقيره. 

وبالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن؛ فإن التوازن كان هو الخيار المناسب، فمن ناحية، كان في حاجة ليدافع عن سجله الرئاسي لولاية استمرت أربع سنوات، وفي الوقت ذاته، يحتاج إلى تقديم الحجج لصالح اختياره كامالا هاريس عوضاً عنه.

2. خطاب تنحي بايدن: ألقى بايدن خطاباً استغرق قرابة 50 دقيقة، مُصوّراً رئاسته على أنها "فترة تعافي من الصدمات المُزدوجة" المُتمثلة في أعمال الشغب في الكابيتول هيل في 6 يناير 2021 وجائحة "كورونا". وبشكل عام، لم يخل الخطاب من لحظات مُؤثرة، فقد لاقى بايدن هتافات مدوية طوال فترة الخطاب وأعلى مستوى من التصفيق، وقد أشار إلى أنه "منح قلبه وروحه لخدمة أمّته لمدة 50 عاماً"، مُضيفاً أن قراره بالتخلي عن مساعيه لإعادة انتخابه لم يزعجه، قائلاً: "أنا أحب وظيفتي.. أنا أحب بلدي أكثر". 

ويرى محللون أن الخطاب كان مزيجاً من ثلاثة أمور رئيسة، وهي: الترويج للإنجازات التشريعية لإدارته؛ وتوجيه انتقادات حادّة للرئيس السابق دونالد ترامب، والذي اعتبره خطراً على الديمقراطية، واصفاً إياه بأنه كاذب وخاسر؛ وأخيراً الإشادة المستمرة بــكامالا هاريس، مُعتبراً أن أفضل قرار اتخذه في مسيرته السياسية هو ترشيحه لها في منصب نائب الرئيس، مُتعهداً بأن يكون أفضل متطوع في الحملة الانتخابية لفوزها أمام ترامب.

3. طموحات بفوز هاريس بالرئاسة كأول امرأة: قالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، في خطاب لها خلال فعاليات اليوم الأول، إن ترشح كامالا هاريس للرئاسة يكتب "فصلاً جديداً في قصة أمريكا"، واصفة هاريس بأنها شخصية تاريخية قد تتمكن أخيراً من تحطيم السقف الزجاجي؛ لتصبح أول رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، ولعل هذا التصريح يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحملة الرئاسية لكلينتون عام 2016، والتي انتهت بخسارتها أمام دونالد ترامب.  

ويرى مراقبون أن هاريس لم تركز حتى الآن على فكرة كسر الحواجز لتكون أول امرأة تتولى رئاسة البيت الأبيض، وذلك بافتراض أن الرسالة واضحة بالفعل، فهي أول امرأة، وأول شخص من أصول جنوب آسيوية يشغل منصب نائب الرئيس.

4. دعم واسع من عائلة أوباما: على الرغم من أن تأخر أوباما في دعم كامالا هاريس علناً في أعقاب انسحاب بايدن من السباق الانتخابي؛ أثار التساؤلات والشكوك حول نياته تجاه المرشح الديمقراطي؛ فإن خطابه وزوجته في اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر أكد أنه يلقي بثقله السياسي الكبير خلف هاريس. 

وقد أفادت صحيفة واشنطن بوست بأن أوباما وزوجته أشعلا حماسة المندوبين في المؤتمر، فمن ناحية، تحدث أوباما عن الأمل؛ محاولاً تأطير الانتخابات على أنها "اختيار" يجب على الأمريكيين الالتزام به لضمان مستقبل أفضل، و"فرصة"، في إشارة إلى أن هاريس تحاول منح الناس نفس الفرص التي منحتها لها أمريكا. ومن ناحية أخرى، قالت ميشيل أوباما إن "الأمل يعود من جديد".

5. تأييد كبير من كلينتون: رسم الرئيس السابق بيل كلينتون في الليلة الثالثة من المؤتمر تبايناً صارخاً بين كامالا هاريس ودونالد ترامب، واصفاً الأخير بأنه زعيم أناني "يخلق الفوضى" و"يديرها"، في حين أن هاريس تتمتع بالرؤية والخبرة لحل مشكلات الأمة، كما أنها ستعمل من أجل الشعب؛ مقابل أن ترامب أثبت أنه يعمل من أجل نفسه. وقد شمل خطاب كلينتون تحذيراً واضحاً للديمقراطيين من الاستهانة بترامب؛ إذ إن الثقة المُفرطة في النفس كانت أحد الأسباب التي جعلت الحزب الديمقراطي يخسر بعض الانتخابات. 

ويرى مراقبون أن خطاب كلينتون كان مُلماًّ بالتحديات التي تحيط بالولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أنه قال إن البلاد ليست بحاجة إلى بيع الأسلحة التي تسهم في قتل أبنائها؛ بل إلى قيادة تستطيع حل المشكلات وتحقيق أحلام الجميع، مُشيداً بالقرار الرئاسي الأول لهاريس، وهو اختيارها لتيم والز كنائب لها؛ إذ عكس حكمتها وقيادتها الرشيدة، مُضيفاً أنها تتمتع بالقدرة على دعم القيم والمصالح الأمريكية وستعمل دون كلل على القضاء على الفقر؛ مما يجعلها الأفضل لقيادة الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة.

6. وجوه صاعدة في الحزب الديمقراطي: شكّل المؤتمر "فرصة لا غنى عنها" لظهور نجوم صاعدة داخل الحزب الديمقراطي، فهؤلاء يمكن اعتبارهم مرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة، ويعزز هذا الاتجاه طموح الحزب الديمقراطي في انتهاء حقبة استمرار طغيان الوجوه القديمة على المشهد السياسي، واستبدالها بوجوه جديدة صاعدة، ومن أبرزها حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، وحاكم بنسلفانيا جوش شابيرو، وحاكم ماريلاند ويس مور، إلى جانب وزير النقل الأمريكي بيت بوتيجيج. هذا وقد أشادت التقديرات بخطاب بوتيجيج في المؤتمر، الذي عكس قدراته على التنظير لجيل جديد من السياسيين في الحزب الديمقراطي، فقد تحدث بعمق عن السياسة باعتبارها "حرفة روحية"، مُنتقداً المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والذي وصفه بأنه في حال فوزه فإن واشنطن "ستكون أسيرة".

7. مُعضلة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: ألقت أزمة الحرب في غزة بظلالها على مؤتمر الحزب الديمقراطي، ولاسيما مع المظاهرات الحاشدة التي نظمت بالقرب من مقر انعقاده وتزامناً مع بدء أعماله. وعلى الرغم من أن المظاهرات انتهت في الساعات الأخيرة من المؤتمر كما بدأت في وقت سابق من هذا الأسبوع "سلمية" إلى حد كبير؛ فإنها عكست عدداً من الدلالات، وأبرزها؛ أنها كانت بمثابة أداة ضغط وآلية لتذكير قادة الحزب الديمقراطي بضرورة بذل المزيد من الجهود لإنهاء الحرب، كما كشفت عن تنامي الشعور بالإحباط بين المتظاهرين، مُعتبرين أن تنازل الرئيس، جو بايدن، عن الترشح لصالح هاريس "لن يحدث فرقاً كبيراً" في السياسة الأمريكية. وقد حاولت هاريس إظهار نبرة تعاطف تجاه الضحايا المدنيين الفلسطينيين، مع استمرار تأكيدها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

8. الاستعانة بالمؤثرين وصُناع المحتوى: لم يكتف الديمقراطيون باللجوء إلى مشاهير الإعلام أو نجوم هوليود لتأكيد دعمهم لمرشحتهم في السباق الرئاسي الأمريكي؛ بل استعانوا بالعديد من الشخصيات المؤثرة في منصات التواصل الاجتماعي "الأنفلونسرز". فلأول مرة هذا العام، وزعت اللجنة الوطنية الديمقراطية أوراق اعتماد على 200 مُؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما أتاح لهم حق الوصول إلى فعاليات المؤتمر، ومع وجود عشرات الملايين من المتابعين لهؤلاء؛ فإن تغطيتهم للحدث كان لها صدى كبير في نشر رسائل السياسيين الديمقراطيين أكثر من وسائل الإعلام التقليدية وتأييد المشاهير.

ملامح لافتة: 

اختتمت نائبة الرئيس، كامالا هاريس، واحداً من أكثر الأشهر استثنائية في التاريخ السياسي الأمريكي، بخطاب استمر لمدة 40 دقيقة، حشدت من خلاله الديمقراطيين حول قضايا تتعلق بالوطنية، وجاءت أبرز ملامح خطابها على النحو التالي:

1. الدعوة إلى وحدة كل الأمريكيين: تعهدت هاريس، في خطابها، بأن تكون رئيسة "لكل الأمريكيين"، وقد شمل خطابها العديد من التصريحات التي تركز على الوحدة وتطلعات الطبقة العاملة.

كما أوضحت هاريس أن الانتخابات فرصة لرسم مسار جديد، ودعت الأمريكيين إلى ضرورة تنظيم الاستحقاق الانتخابي بشكل يتجاوز "المرارة والسخرية والمعارك الانقسامية في الماضي".

2. مواصلة الهجوم على ترامب: وصفت هاريس منافسها الانتخابي ترامب بأنه "رجل غير جاد" جلب "الفوضى والكوارث" إلى البيت الأبيض، وعندما خسر انتخابات عام 2020 "حاول إهدار أصواتكم" من خلال تشجيع الحشد لاقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي. وصوّرت هاريس منافسها الجمهوري على أنه عدو للمبادئ الأمريكية التقليدية، وسوف يستبد بسلطاته في البيت الأبيض إذا فاز؛ لحماية نفسه. 

3. العمل على إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس: لم تضف هاريس جديداً بشأن الحرب في غزة، فقد حاولت أن تمسك العصا من المنتصف للحيلولة دون إثارة غضب الإسرائيليين أو اليهود الأمريكان من ناحية، والفلسطينيين والجاليات المسلمة والعربية الأمريكية من ناحية أخرى، واكتفت هاريس بقولها إنها "ستدافع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وفي الوقت نفسه، قالت "إن ما يحدث في غزة على مدى الأشهر العشرة الماضية مُدمّر، كما أن حجم المعاناة مُفجع". لتضيف أنها تأمل إنهاء هذه الحرب بحيث تكون إسرائيل آمنة، ويتم إطلاق سراح الرهائن، وتنتهي المعاناة في غزة، ويمكن للشعب الفلسطيني أن يدرك حقه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير.

4. العمل على بناء اقتصاد الفرص: وعدت هاريس ببناء "اقتصاد الفرص" الذي يسمح لمزيد من الناس "بفرصة التنافس وفرصة النجاح"، واعدة الأمريكيين أنها ستعمل على جمع العمّال وأصحاب الأعمال الصغيرة ورجال الأعمال والشركات الأمريكية معاً لخلق فرص العمل وتنمية الاقتصاد، كما ستعمل على وضع خطط لتخفيض تكاليف الرعاية الصحية والإسكان والمنتجات الغذائية. 

5. دعم أوكرانيا و"الناتو": تعهدت هاريس بأنها كرئيسة مُحتملة ستستمر في الوقوف بقوة مع أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، و"ضمان أن تمتلك الولايات المتحدة أقوى قوة قتالية وأكثرها فتكاً في العالم، مُنتقدة تهديدات ترامب بالتخلي عن حلفاء "الناتو" وميله إلى مُجاملة الدكتاتوريين مثل: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والزعيم الأعلى لكوريا الشمالية كيم جونغ أون، وقالت هاريس إن "ترامب شجع بوتين على غزو حلفائنا"، بحسب تعبيرها. 

وفي التقدير، يمكن القول إن المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي كان بمثابة "الفرصة الذهبية" التي يستعيد من خلالها الحزب الديمقراطي مكانته بين الأمريكيين، فبعد أن طاردت معدلات التضخم المرتفعة شعبية بايدن والديمقراطيين، فضلاً عن بروز الانقسام في صفوفهم نتيجة دعم إدارة بايدن المطلق لإسرائيل، وجد الديمقراطيون أن نجاح تنظيم هذا الحدث إعلامياً وخطابياً وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أمر من شأنه استعادة قوتهم لمواجهة ترامب من ناحية، ومواجهة مخاوف الرأي العام الأمريكي التي انتقدت سياساتهم من ناحية أخرى؛ ولذلك جاء شعار المؤتمر "من أجل الشعب".