أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الانتخابات الـ60:

هل تصبح كامالا هاريس الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية؟

24 يوليو، 2024


أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 21 يوليو 2024، انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي ستُجرى في نوفمبر المقبل؛ ليضع نهاية لعمل سياسي دام لقرابة خمسة عقود، ونهاية لجدل استمر لشهور حول مدى ملاءمته لخوض ولاية رئاسية ثانية، بعد الانتقادات الموجهة إليه بسبب كبر سنه، والتي تفاقمت على إثر أدائه الضعيف في المناظرة الرئاسية الأولى التي جمعته مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

وبينما جاء قرار الانسحاب ليتوافق مع آراء بعض الديمقراطيين الذين مارسوا أقصى الضغوط من أجل انسحاب بايدن؛ بل وهددوا بتعليق التبرعات ما لم يسحب ترشحه، ومع ذلك؛ فإن القرار جاء ليُثير المزيد من التساؤلات حول المرشح الجديد عن الحزب الديمقراطي، وخاصة أن بايدن أعلن دعمه لنائبته كامالا هاريس، لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي. 

ترشح هاريس: 

يمكن إلقاء الضوء على عملية الدفع بهاريس مرشحة للحزب الديمقراطي على النحو التالي:

1. دعم بايدن لـهاريس مجرد توصية: على الرغم من إعلان بايدن دعمه لنائبته هاريس، فإن تلك الخطوة لا تعدو سوى "توصية" للحزب الديمقراطي حينما يقرر اختيار مرشحه الرسمي بشكل نهائي في المؤتمر الوطني للحزب، المقرر انعقاده في الفترة ما بين 19 إلى 22 أغسطس 2024؛ ومن ثم، فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن هاريس أصبحت اليوم المرشح المحسوم للحزب الديمقراطي، فعلى مدار الأيام القليلة المقبلة سيجري الحزب الديمقراطي مداولات لتحديد ما إذا كانت هاريس تمثل الخيار الأمثل لمواجهة المنافس الجمهوري، دونالد ترامب، في الخامس من نوفمبر المقبل.

2. عدم إلزامية تصويت المندوبين لـهاريس: إن الوضع الذي أثاره انسحاب بايدن في هذه المرحلة المُتأخرة من الحملة الانتخابية، وبعد أن حصل على 3896 صوتاً من أصوات المندوبين في الانتخابات التمهيدية، وهو عدد كان أكبر بكثير من العدد المطلوب لتأمين ترشحه، يُثير تساؤلات عن الخطوات القادمة التي ينبغي على هاريس القيام بها خلال أسابيع قليلة، قبيل انعقاد المؤتمر الوطني العام للحزب الديمقراطي، المُزمع انعقاده في شيكاغو في الفترة ما بين 19 و22 أغسطس 2024. فوفقاً لقواعد الحزب الديمقراطي، فإنه رغم أن تأييد بايدن لهاريس يجعلها الاختيار الأكثر ترجيحاً للترشيح، فإنه بمجرد انسحابه؛ فإن المندوبين الداعمين له لن يكونوا ملزمين بالتصويت لمرشح معين. 

وعلى هذا النحو، ستحاول قيادة الحزب الديمقراطي إيجاد مرشح توافقي بديل لبايدن، يكون قادراً على توحيد الحزب، وهذا الشخص يجب أن يكون قادراً على جذب الناخبين من الطيف الأيديولوجي الواسع للحزب الديمقراطي وإقناعهم بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، إلّا أنه إذا فشل التوافق، سيكون الحزب أمام سيناريو ما يُسمى بالمؤتمر المفتوح، والذي يعني أنه إذا كان هناك شخص ما يعتقد أنه الأنسب للرئاسة من مرشحي قيادة الحزب، فيمكنه محاولة الفوز بأصوات أكبر عدد ممكن من المندوبين، لكن بشرط أن يجمع توقيعات لا تقل عن 300 مندوب ولا تزيد عن 600 مندوب من عدة ولايات.

3. عدم اليقين بشأن المرشحين الآخرين: طرحت في الأسابيع الأخيرة أسماء ديمقراطيين بارزين كبدائل مُحتملة أقوى من هاريس. فعلى سبيل المثال؛ جرى طرح اسم حاكمة ولاية ميشيغان الديمقراطية غريتشن ويتمر كمرشحة، رغم أنها قالت إنها لن تفكر في الترشح إذا تنحى بايدن، ولكن في يوم الأحد، وبعد دقائق من إعلان انسحاب بايدن، قالت إنها ستفعل كل ما في وسعها "لانتخاب الديمقراطيين وإيقاف دونالد ترامب".

وإلى جانب ذلك، هناك حديث عن ترشيح حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، ووزير النقل بيت بوتيغيغ، وحاكم ولاية إلينوي جي بي بريتزكر، وحاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو، مع ترجيحات أقل احتمالاً لحاكم ولاية كنتاكي آندي بشير، وحاكم ولاية ماريلاند ويس مو، علاوة على تردد اسم ميشيل أوباما في أكثر من مناسبة. وعلى الرغم من تعدد تلك الأسماء وثقلها السياسي؛ فإنها لا تعدو سوى دعوات أو ترجيحات من قبل استطلاعات الرأي، دون وجود أدلة واضحة على قيام بعضها باتخاذ إجراءات فعلية لحشد المندوبين في الحزب الديمقراطي.

كوابح مُعرقلة: 

تواجه هاريس مجموعة من التحديات التي تشبه الكوابح المعرقلة لفوزها في السباق الانتخابي، وهذه الكوابح تتمثل في: 

1. تقدم ترامب في استطلاعات الرأي: ما زالت نتائج استطلاعات الرأي لا تصب في صالح كامالا هاريس؛ إذ تكشف عن تراجع شعبيتها أمام منافسها الجمهوري دونالد ترامب، فعلى سبيل المثال، كشف أحدث استطلاع للرأي لشركة "مورنينغ كونسلت" في 23 يوليو 2024 عن تقدم ترامب بنقطتيْن مئويتيْن على هاريس؛ إذ يؤيده 47% من الأمريكيين مقابل 45% لصالح هاريس. وبوجه عام، كشفت صحيفة واشنطن بوست أن ترامب يتفوّق على هاريس بنسبة 1.5 نقطة مئوية في متوسط 11 استطلاعاً وطنياً تم إجراؤه منذ المناظرة الرئاسية؛ وهو مؤشر أفضل من تفوق ترامب على بايدن بنسبة 1,9 نقطة مئوية.

2. فوز ترامب في أغلب الولايات الحاسمة: أظهر آخر استطلاع للرأي نشرته صحيفة واشنطن بوست، وكان قد تم إجراؤه في أعقاب المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب، تقدم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في 5 من أصل 7 ولايات حاسمة؛ يُحتمل أن تحدد نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي ولايات ميشيغان ونورث كارولينا ونيفادا وأريزونا وجورجيا، في حين حصل المرشحان على نتائج مُتقاربة في ولاية بنسلفانيا، فيما تقدم بايدن بفارق ضئيل على ترامب في ولاية ويسكونسن فقط. وعلى الرغم من نشر نتائج هذا الاستطلاع قبل إعلان بايدن انسحابه من السباق الانتخابي مباشرة، فإنها لا بد وأن توضع في حسبان قيادات الحزب الديمقراطي وفي مقدمتهم هاريس؛ لأنها في مجملها تعبر عن تراجع في شعبية الحزب الديمقراطي أمام ترامب. 

3. الافتقار إلى الخبرة السياسية: تُشير التقديرات إلى أن هاريس هي نتاج السياسة المؤسسية، وليست صاحبة رؤية أو أيديولوجية، فقد تشكلت شخصيتها السياسية من سياسة كاليفورنيا، وهي سياسة متغيرة الأطوار، تركز على حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية المجردة. وقد انعكست تلك السياسة في تغيير هاريس لمواقفها السياسية.

فبينما عارضت عقوبة الإعدام عندما كانت مُدعية عامة في سان فرانسيسكو، دافعت عنها كمدعية عامة لولاية كاليفورنيا في عام 2010؛ ولذا، كان يتم وصف هاريس دائماً من قبل مُنتقديها على أنها طموحة ولكنها انتهازية ومُتحدثة مُرتجلة، وهي السمعة التي واجهت صعوبة في التخلص منها. 

وعلى صعيد آخر، تمتلك هاريس تجربة سلبية بشأن الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الديمقراطي في عام 2020؛ إذ قيل وقتها أن حملتها الانتخابية أظهرت افتقارها للعديد من التفاصيل السياسية، كما كشفت عن تذبذب واضح في مواقفها السياسية، وأداء مُتفاوت في المناظرات التي خاضتها؛ لدرجة أن بعض المراقبين وصفوا قناعاتها السياسية الشخصية بأنها غير واضحة، كما أنها شخصية تفضل "التخفي" وتجنب إبداء الآراء بشكل علني وحاسم. وعلى هذا النحو، يرى المراقبون أن هاريس لا تمتلك القدرات السياسية التي تجعلها تقف أمام ترامب وتناظره؛ ومن ثم، فقد يتجه الحزب الديمقراطي إلى التعويل على كون هاريس امرأة من أصول إفريقية آسيوية، للتأثير في آراء الجماهير على اعتبار أنها تجسد التنوع الثقافي والعرقي.

4. شكوك في أدائها السياسي: على الصعيد الداخلي، واجهت هاريس انتقادات عديدة منذ توليها منصب نائب الرئيس، فمن ناحية تُهاجم هاريس بأنها المسؤولة عن فشل ملف الهجرة، الذي أُسند لها من قبل رئيسها بايدن؛ لدرجة أن حلفاء ترامب أطلقوا عليها "قيصر الغزو" (invasion czar) بسبب دورها الفاشل في معالجة الهجرة غير الشرعية، تلك القضية التي ما زالت تهدد أمن الحدود الجنوبية الأمريكية إلى يومنا هذا.

ومن ناحية أخرى، فشلت هاريس في إصلاح قانون التصويت الوطني؛ إذ بدت تلك المهمة مُستحيلة لأن مزاعم ترامب بشأن تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020، دفعت بعض الولايات لفرض قوانين تقيد التسهيلات المقدمة للناخبين للإدلاء بأصواتهم، مثل التصويت عن طريق البريد؛ الأمر الذي جعل كل جهودها بشأن هذا الملف تكلل بالفشل. 

وعلى صعيد السياسة الخارجية، وضعت السيدة هاريس نفسها في موقع الوسط الديمقراطي في التقليد عبر الأطلسي؛ ولذلك، فإنه من غير المُرجّح أن تقوم هاريس بصياغة استراتيجية أمريكية جديدة أو عقيدة رئاسية لتأكيد ريادة واشنطن عالمياً، فمن الواضح أنها ستتبع خطوط إدارة بايدن فيما يتعلق بعدم قدرة واشنطن على حلحلة الأزمة الروسية الأوكرانية أو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

5. العنصرية والتمييز الجنسي: يرى مراقبون أنه على مدار تاريخ الديمقراطية الأمريكية لأكثر من قرنين، لم ينتخب الأمريكيون سوى رئيس واحد فقط من ذوي البشرة، وهو باراك أوباما، ولم ينتخبوا امرأة حتى الآن لهذا المنصب الأول في البلاد؛ الأمر الذي يزيد الشكوك حول كيفية وصول امرأة ذات بشرة من ذوي البشرة إلى هذا المنصب؛ وهو ما يجعل حتى بعض الناخبين من ذوي البشرة يتساءلون عما إذا كانت هاريس قادرة على مُنافسة رجل أبيض ذي توجهات محافظة أم لا. 

ويُعتقد بعض المحللين أن هاريس ستواجه عقبات فريدة تنبع من كونها امرأة وشخصاً ملوناً؛ فعلى جانب، تظهر الاتجاهات التاريخية أن المرشحين من النساء و/أو الأشخاص الملونين غالباً ما يواجهون صعوبات في جمع التبرعات مُقارنة بالمرشحين الذكور البيض، وعلى جانب آخر، غالباً ما تواجه النساء والأشخاص الملونون تدقيقاً أكثر صرامة في وسائل الإعلام مقارنة بنظرائهم من الذكور البيض. 

6. ضيق الوقت: يُعد التحدي الأبرز للحزب الديمقراطي وكامالا هاريس على حد سواء، فمن ناحية، يحتاج الحزب إلى وقت لتصحيح ملفات بايدن أو على أقل تقدير الدفاع عن سياساته لتأكيد مصداقيته أمام الرأي العام الأمريكي، ومن ناحية أخرى، حال فوز هاريس بترشيح الحزب الديمقراطي، فلن يكون أمامها سوى 3 أشهر تقريباً للانتهاء من حملتها الانتخابية، في وقت تحتاج فيه إلى توحيد جبهة الحزب الديمقراطي وتعبئة المانحين خلفها، علاوة على ضرورة اكتشافها لمواهب قادرة على إدارة حملتها الانتخابية، إلى جانب مدى قدرتها على تحمل انتقادات ترامب اللاذعة في معظم الوقت.

مُحفزات داعمة: 

ثمّة فرص تبدو وكأنها مُحفزات لدفع هاريس نحو منافسة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ويمكن تناولها على النحو التالي: 

1. حشد عدد كافٍ من المندوبين: ذكرت شبكة "سي أن أن" ووسائل إعلام أمريكية أخرى، في وقت من اليوم ذاته الذي أعلن فيه بايدن تأييده لنائبته وانسحابه من السباق الرئاسي، أنّ هاريس، حصلت على دعم غالبية المندوبين الديمقراطيين لتصبح حاملة لواء حزبهم في السباق إلى البيت الأبيض؛ لدرجة أن استطلاعاً أجرته وكالة أسوشيتد برس للمندوبين أظهر أن نحو 3095 مندوباً يؤيدون ترشيح هاريس كمرشحة للحزب الديمقراطي. وفي اليوم ذاته، سجلت حملة هاريس (بايدن سابقاً) رقماً قياسياً في جمع التبرعات في يوم واحد؛ إذ جمعت 81 مليون دولار خلال أول 24 ساعة بعد إعلانها السعي لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض سباق الرئاسة. 

2. انعكاس للتنوع الثقافي والعرقي: وجود هاريس على رأس قائمة المرشحين في الحزب الديمقراطي أمر سيساعد الديمقراطيين على استعادة الناخبين الشباب، وخاصة النساء، وربما سيُسهم في إبطاء أو إيقاف تأرجح الناخبين من ذوي البشرة نحو ترامب، وخاصة مع بروز العديد من استطلاعات الرأي الأخيرة التي تكشف عن أن ترامب يحظى بأعلى دعم بين الناخبين من ذوي البشرة مُقارنة بأي جمهوري منذ خمسينيات القرن، علماً بأن الناخبين من ذوي البشرة مهمون للفوز في الولايات المتأرجحة الكبيرة.

3. "جيل Z" ككتلة تصويتية مُهمّة لهاريس: في الساعات التي تلت إعلان الرئيس بايدن انسحابه من السباق الرئاسي وتأييده لنائبته هاريس؛ بدأ الناخبون من "الجيل Z" في التحرك عبر الإنترنت للإعلان عن دعمهم لهاريس، وكان من الملاحظ تحوّل في النبرة بين الناخبين الشباب ذوي الميول اليسارية والمنظمين والناشطين؛ فقد كانت تلك الفئة تبدي شكوكها وإحباطها من ترشيح بايدن بسبب كبر سنه، ونظرته التقليدية تجاه القضايا سواء أكانت داخلية أم خارجية. وتجدر الإشارة إلى أنه يتعين على هاريس المحافظة على تلك الكتلة التصويتية، فقد كانت حاسمة في فوز الرئيس جو بايدن في انتخابات 2020 بسبب حصوله على دعم 60% من الناخبين تحت سن 30 عاماً.

تحديات مُحتملة: 

يرى مراقبون أن هاريس ربما تكون الشخص المناسب لحفظ ماء وجه الحزب الديمقراطي بعد استياء العديد من قادة الحزب الديمقراطي من أداء بايدن الضعيف. ومع ذلك، فإن مواصلة نجاح هاريس في السباق الانتخابي أمر يتطلب منها تقديم رؤية استراتيجية واضحة على الصعيديْن الداخلي والخارجي؛ لإقناع الجمهور الأمريكي بأنها قادرة على المنافسة أمام ترامب. وفيما يتعلق برؤيتها على الصعيد الداخلي، يتعين على هاريس الاهتمام بأربعة ملفات حيوية:

1. مُعضلة الهجرة غير الشرعية وأمن الحدود الأمريكية: بهدف كسب تأييد الناخبين؛ يتعين على هاريس التعلم من أخطاء الماضي، والعمل على تقديم رؤية شاملة حول إصلاح ملف الهجرة بما يضمن الحفاظ على أمن الحدود من ناحية، ويضع في اعتباره الجوانب الإنسانية من ناحية أخرى. 

2. إشكالية التعافي الاقتصادي: إن توليد فرص العمل أمر محوري في سعي هاريس للرئاسة، ومن ثم، يجب على هاريس وضع خطة قوية لخلق فرص العمل وتحفيز النمو، مع ترجيحات بأن تتضمن مُقترحاتها استثمارات في البنية التحتية، والطاقة الخضراء، والتكنولوجيا؛ بهدف تحديث الاقتصاد الأمريكي وإعداده لمواجهة تحديات المستقبل.

3. حقوق الإجهاض والمثلية الجنسية: ستؤدي القضايا الاجتماعية دوراً مهماً في حملة هاريس، ومن المتوقع أن تقدم حجة مقنعة لحماية حقوق المرأة مع مواجهة الروايات المُحافظة التي تسعى إلى تقويض تلك الحريات، وبالمثل، سيكون دعم هاريس لحقوق مجتمع المثليين أمراً حاسماً في تعبئة الناخبين التقدميين.

4. مواجهة الترامبية: يتعين على هاريس أن تصور نفسها على أنها القادرة على إنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية من ويلات الانقسام والاستقطاب؛ ولذا، يجب أن يتسم خطابها بالرشادة والتعقل والبعد عن خطاب الكراهية التي كُرست في المعادلة الخطابية لترامب وبايدن، ومن ثم، عليها أن تكون قادرة على مواجهة خطاب ترامب الشعبوي عبر تقديم خطاب يعكس رؤية أمريكا موحدة ومتطلعة إلى المستقبل وملتزمة بالمبادئ الديمقراطية.

وعلى الصعيد الخارجي، يمكن الإشارة إلى ثلاث قضايا خارجية يجب أن تكون أولوية على رأس أجندة هاريس الانتخابية: 

1. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: عانت هاريس من أزمة الاحتجاجات الطلابية بسبب دعم إدارة بايدن الواضح لإسرائيل، ومن ثم، عليها أن تقدم رؤية تعكس توازن واشنطن في علاقاتها بين إسرائيل وفلسطين، علماً بأن موقف هاريس بشأن هذا الصراع سيخضع لتدقيق مُكثّف؛ فمن ناحية ستحتاج، بسجلها الحافل كمؤيدة قوية لإسرائيل في مجلس الشيوخ، إلى تجاوز الخط الرفيع بين استرضاء الديمقراطيين التقدميين الذين يطالبون بموقف أقوى بشأن الحقوق الفلسطينية والحفاظ على دعم الحزب التقليدي لإسرائيل، ومن ناحية أخرى، يجب أن تعمل على صياغة سياسة متماسكة ومُتوازنة يمكن أن تعيد تعريف المشاركة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

2. الأزمة الروسية الأوكرانية: تُفيد التقديرات بأن نهج هاريس سيركز على الدعم المُستمر لأوكرانيا والموقف الثابت ضد طموحات بوتين التوسعية، ولكن ستكون أكثر نجاحاً في حالة قيامها بمعالجة إرهاق الحرب بين الناخبين الأمريكيين، وإيجاد طرق لإشراك الشركاء الدوليين في جهد منسق لحل الصراع دبلوماسياً.

3. احتواء النمو الاقتصادي الصيني: يتعين على هاريس أن تدعو إلى سياسات اقتصادية قوية تعمل على تعزيز القدرة التنافسية الأمريكية، وفي هذا الإطار، ستحتاج إلى معالجة الاختلالات التجارية وسرقة الملكية الفكرية، وتعزيز ممارسات التجارة العادلة وحماية المصالح الأمريكية، مع ترجيحات بأن تقوم بتشكيل تحالفات استراتيجية مع دول أخرى لخلق ثقل موازن لمبادرة الحزام والطريق الصينية. 

وفي التقدير، يمكن القول إن قدرة هاريس على التعبير عن رؤية واضحة ومُقنعة لمستقبل الولايات المتحدة الأمريكية سوف تحدد مدى نجاحها، علماً بأن خلفياتها المتنوعة وخبرتها التشريعية وفترة عملها كنائبة للرئيس توفر لها منظوراً فريداً ومجموعة من المهارات، إلّا أن التحديات هائلة وتتطلب قيامها ببذل مزيد من الجهود لإقناع الناخبين الأمريكيين. وعلى الرغم من أنها تبدو الأمل الأخير للديمقراطيين؛ فإن نجاحها مرتبط بقدرتها على تصوير نفسها زعيماً قادراً على طمس الانقسامات ورسم مسار جديد للولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أنه بانسحاب بايدن باتت معادلة السباق الانتخابي أبعد عن صراع بين حزبين، ولكنها تتمثل في "احتدام المنافسة بين (ماضي أمريكا وجعلها أولاً بقيادة ترامب) و(حاضر ومستقبل أمريكا وجعلها أكثر انفتاحاً وعالمية وتنوعاً بقيادة كامالا هاريس)".